هاجمت روسيا ميناء “إسماعيل” الأوكراني الرئيسي الذي يقع عبر نهر الدانوب من رومانيا، الأربعاء، ما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية العالمية مع تكثيف استخدامها للقوة لمنع أوكرانيا من تصدير الحبوب، بحسب ما تداولت وكالات الأنباء.
ودمرت هجمات الطائرات بدون طيار المباني في ميناء “إسماعيل” وأوقفت السفن أثناء استعدادها للوصول إلى هناك لتحميل الحبوب الأوكرانية في تحد لحصار تصدير الحبوب التي أعادت روسيا فرضه، في منتصف يوليو، وفقا لوكالة “رويترز”.
وأثار الحادث تخوفات عالمية من تأثير القرار على أسعار الحبوب عالميا، التي تعاني أزمة من الأساس بسبب محاصرة روسيا تصديرها.
وأوكرانيا هي واحدة من أكبر مصدري الحبوب في العالم. وهاجمت روسيا البنية التحتية الزراعية والموانئ في أوكرانيا بعد رفض تمديد اتفاقية البحر الأسود، التي رفعت حصارها وقت الحرب على الموانئ الأوكرانية، العام الماضي.
ما أهمية الميناء؟
والميناء الذي يقع على الجانب الآخر من النهر من رومانيا العضو في حلف شمال الأطلسي هو الطريق البديل الرئيسي لخروج صادرات الحبوب من أوكرانيا منذ أن أوقف الحصار الروسي حركة المرور في موانئ أوكرانيا على البحر الأسود، في منتصف يوليو، بحسب موقع “بي بي سي”.
واستحوذت موانئ نهر الدانوب الأوكرانية، مثل “إسماعيل”، على نحو ربع صادرات الحبوب قبل انسحاب روسيا من اتفاق البحر الأسود، وأصبحت منذ ذلك الحين الطريق الرئيسي للخروج، مع إرسال الحبوب على المراكب إلى ميناء كونستانتا الروماني على البحر الأسود لشحنها فيما بعد، وفقا للموقع.
وتهدف كييف، بحسب “بي بي سي”، أن تتجه السفن الدولية مباشرة إلى موانئ الدانوب على أن يتم تحميلها مباشرة، بينما تقول موسكو إنها ستعامل السفن المتجهة إلى الموانئ البحرية الأوكرانية كأهداف عسكرية محتملة.
وتقول كييف إن الهدف من الهجمات الروسية هو إعادة فرض الحصار الروسي من خلال إقناع الشاحنين وشركات التأمين الخاصة بهم بأن الموانئ الأوكرانية غير آمنة لاستئناف الصادرات.
كيف يؤثر الحادث على الحبوب عالميا؟
قال مصدران لـ”رويترز” إن العمليات في الميناء توقفت. وذكر رئيس هيئة الموانئ البحرية، يوري ليتفين، على فيسبوك أن البينة التحتية للميناء والحبوب في الصوامع تضررت بشكل كبير.
ويقول مسؤولون أوكرانيون إن موسكو قصفت 26 مرفأ وخمس سفن مدنية و180 ألف طن من الحبوب في تسعة أيام من الضربات منذ الانسحاب من اتفاق الحبوب.
وألحقت الهجمات الروسية أضرارا بنحو 40 ألف طن من الحبوب كانت متجهة إلى دول في أفريقيا، بالإضافة إلى الصين وإسرائيل، بحسب تصريحات نائب رئيس الوزراء الأوكراني، أولكسندر كوبراكوف.
وحذرت الأمم المتحدة من أزمة غذاء محتملة في العديد دول العالم، خاصة الفقيرة. بسبب الحادث، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز”.
وتحدث نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة، فرحان حق، عن الوضع، الأربعاء، وقال للصحفيين: “نحاول التواصل على مختلف المستويات للتأكد من أنه يمكننا إيصال المواد الغذائية والأسمدة الأوكرانية والروسية إلى الأسواق. لكن الأمر صعب”.
وأوضحت الصحيفة أن هذا الحادث قد يعطل الوساطات التي قامت بها تركيا في محاولة منها لإقناع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بالموافقة على صفقة موازية لعودة صادرات الحبوب والأسمدة بعيدا عن العقوبات التي تفرضها موسكو على الغرب من خلال تهديد إمدادات الغذاء العالمية.
وقال مكتب الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، إنه وبوتين اتفقا على أن الزعيم الروسي سيزور تركيا قريبا.
ما درجة الاعتماد على الحبوب الروسية-الأوكرانية؟
ووفقا لتقرير منظمة الأغذية والزراعة “فاو” التابعة للأمم المتحدة، الصادر في يونيو عام ٢٠٢٢، كانت أوكرانيا وروسيا من بين أكبر ثلاثة منتجين عالميين للقمح والذرة وبذور اللفت وبذور عباد الشمس وزيت عباد الشمس، وبالتالي فإن توفر كميات أقل من الحبوب والأسمدة بسبب الحرب أثّر بشكل سلبي واضح على مناطق بعينها مثل أميركا اللاتينية وأفريقيا من خلال تضخم أسعار السلع الأساسية والتقلبات المالية.
وفي الفترة بين عامي 2016 و2021، أنتجت أوكرانيا وروسيا أكثر من 50 في المئة من إمدادات العالم من بذور عباد الشمس، و19 في المئة من الشعير في العالم، و14 في المئة من إنتاج القمح عالميا، و30 في المئة من صادرات القمح العالمية، مع اعتماد ما لا يقل عن 50 دولة على روسيا وأوكرانيا للحصول على 30 في المئة أو أكثر من إمدادات القمح، بحسب تقرير نشرته مجلة “ناشيونال جيوغرافيك”، في مارس عام ٢٠٢٢.
وتشير الأرقام المنشورة على موقع الأمم المتحدة إلى أن مصر تأتي في مقدمة دول الشرق الأوسط التي تعتمد على استيراد الحبوب من روسيا وأوكرانيا، بما يساوي 23 مليار دولار في الفترة بين عامي 2016 و2020، وتليها السعودية بمبلغ 17 مليار دولار في الفترة ذاتها، وبعدها تركيا بحوالي 12.5 مليار دولار، ثم المغرب بمبلغ 8.7 مليار دولار، والإمارات بـ6.1 مليار دولار، والجزائر بمبلغ 5.5 مليار دولار في الفترة بين عامي 2016 و2017، ثم تونس والسودان والأردن واليمن وليبيا والأراضي الفلسطينية والكويت وقطر وعُمان.
وتعتبر منطقة الشرق الأوسط من أكثر المناطق تضررا من انهاء اتفاقية الحبوب، حيث أن العديد من دول المنطقة مدرجة ضمن البلدان الأكثر اعتمادا على السلع الغذائية الزراعية من أوكرانيا وروسيا، مثل تركيا ومصر والسودان وتونس والمغرب والسعودية، بحسب الأمم المتحدة.
وتشير تقارير أخرى إلى أن دولا، مثل لبنان واليمن والأردن، معرضة للخطر بشكل خاص، كما تسلط التقارير الضوء على أن الخطر يصل في بعض الحالات إلى مرحلة التهديدات الوجودية بالنسبة لبعض الدول، وعلى رأسها مصر، وفق تقرير لمعهد الشرق الأوسط للدراسات، صدر في يونيو عام 2022.
وأوضحت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، في مارس عام ٢٠٢٢، أنه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، زاد عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي بشكل كبير بعد “كوفيد-19″، حيث لم يحصل واحد من كل ثلاثة أشخاص، في عام 2020، على الغذاء الكافي، بزيادة قدرها 10 ملايين شخص عن عام 2019.
وبالإضافة إلى التأثيرات السلبية لـ”كوفيد-19″ على الأمن الغذائي، حذرت “فاو”، في يونيو عام ٢٠٢٢، من مخاطر انعدام الأمن الغذائي لدول منطقة الشرق الأوسط، بسبب تفاقم الأوضاع وارتفاع سعر القمح والشعير بنسبة 31 في المئة، وزيت بذور اللفت وزيت عباد الشمس بأكثر من 60 في المئة.
وهذا السيناريو الأسوأ لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أوضح المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية أن اتفاقية الحبوب قد تجنبت حدوثه، حيث تلقت المنطقة كمية كبيرة من صادرات الحبوب بموجب هذه الصفقة، بنحو 42 في المئة من صادرات الحبوب الأوكرانية، بين أغسطس وأكتوبر 2022، و28 في المئة من صادراتها من الذرة للفترة ذاتها، على سبيل المثال.
وذكر تقرير المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، في أكتوبر عام ٢٠٢٢، أنه رغم ذلك، كان مستوى الواردات من أوكرانيا في العام ذاته أقل بكثير من مستوى عام 2021 بالنسبة لحبوب القمح المهمة. ووفقا للأمم المتحدة، اعتبارا من يناير عام 2023، تم شحن 17.8 مليون طن من الحبوب من أوكرانيا، منها 46 في المئة ذرة و28 في المئة قمح، إلى الصين وإسبانيا وتركيا وإيطاليا وهولندا كوجهات رئيسية.
وتشير الأمم المتحدة إلى إنه منذ توقيع اتفاقية الحبوب، تصدرت مصر قائمة الدول العربية المستوردة للحبوب، بحوالي 998 ألف طن من الذرة و418 ألف طن من القمح و131 ألف طن من حبوب الصويا و4.6 ألف طن من حبوب وزيت عباد الشمس.
واستورد لبنان 54 ألف طن من الذرة و34 ألف طن من القمح، وليبيا 111 ألف طن من الشعير و391 ألف طن ذرة و53 ألف طن قمح.
وتلقى المغرب 100 ألف طن من لب عباد الشمس، و11 ألف طن بذور عباد الشمس. وحصلت تونس على 384 ألف طن ذرة و222 ألف طن قمح و99 ألف طن شعير، واليمن 259 ألف طن من القمح.
واستلمت السعودية 180 ألف طن من القمح و62 ألف طن من الذرة، والجزائر 212 ألف طن من القمح، ووصل العراق 38 ألف طن من الذرة، والأردن 5 آلاف طن من الشعير.