كان لبنان كما إسرائيل والكثير من القوى العالمية في انتظار خطاب الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصرالله وما إذا كان سيغير مسار الحرب نحو تصعيد أكبر دعما لحركة حماس باعتبارها ضلعا من محور المقاومة، لكن الخطاب الذي سبقته دعاية اثارت في أحيانا كثيرة سخرية نشاء على مواقع التواصل الاجتماعي لم يخرج عن سياق رفع العتب بعد تعرض الحزب لانتقادات كثيرة واتهامات بأنه خذل المقاومة الفلسطينية.
وركز نصرالله في خطابه على تفصيلات معظمها معلومة مع إشارات ضمنية وأخرى صريحة إلى أن حماس والفصائل الفلسطينية تبلي البلاء الحسن ميدانيا وقادرة على حسم المعركة وتغيير الوضع.
كما تحدث عن إيران التي تتهمها إسرائيل والغرب بأنها تقف بشكل أو بآخر وراء عملية طوفان الأقصى التي أحدثت صدمة في إسرائيل وأربكت القيادات العسكرية والسياسية وخلفت شرخا عميقا في الدولة العبرية خاصة لدى الجيش الذي كان يوصف بأنه الأقوى في الشرق الأوسط.
وقال نصرالله إن إيران تدعم وتساند المقاومة في لبنان وفلسطيني لكن قرار المقاومة في البلدين يخضع للقيادات الميدانية وأنه لا وصاية إيرانية على قراراتهما.
وأثنى على حماس واعتبر أن هجوم 7 أكتوبر غير الوضع سياسيا وميدانيا، مشيرا في الوقت ذاته إلى قوات حزب الله ومنذ اليوم الثاني من عملية طوفان الأقصى كانت على خط الجبهة وأن ما فعلته أكبر حتى مما حدث في حرب تموز 2006 بين حزب الله وإسرائيل التي دامت 33 يوما.
كما سخر من حديث إسرائيل عن أهداف من بينها سحق حماس، مشيرا إلى أنها هي ذاتها الأهداف المعلنة في حرب تموز 2006 حين قالت إنها ستسحق حزب الله فلا نجحت في سحق حزب الله حينها ولن تنجح أيضا في سحق حماس.
وقال في رد ضمني على الانتقادات التي طالته بأنه خذل حماس، إن حزب الله خفف كثيرا الضغوط العسكرية على المقاومة الفلسطينية وأن هجماته دفعت إسرائيل لنقل نحو ثلث قواتها إلى الجبهة الشمالية وكان يمكن أن يكون تصعيدها العسكري في غزة أكبر بكثير.
وهدد بالتصعيد العسكري على الجبهة اللبنانية في حال نفذت إسرائيل عملية استباقية ضد لبنان، مشددا على أن الجماعة لن تكتفي بالاشتباكات الدائرة، معتبرا أنها “مؤثرة جدا”، في وقت تحدثت فيه مصادر عن غضب في أوساط حزب الله من حصيلة القتلى في صفوفه في هجمات اسرائيلية والتي قال نصرالله إن أكثر من 50 من مقاتلي المقاومة قتلوا فيها في اشتباك مباشر مع الجيش الإسرائيلي.
وقال صر الله في أول كلمة يلقيها منذ اندلاع الحرب على غزة “إن حزب الله يقوم بالتصعيد يوما بعد يوم مما يجبر إسرائيل على إبقاء قواتها بالقرب من الحدود اللبنانية بدلا من قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة”، مستدركا “لكن لو نظرنا إلى ما يجري على الحدود بموضوعية نجده كبيرا جدا ومهما جدا ومؤثرا جدا”.
وحذر من أن اتساع نطاق الصراع في الشرق الأوسط “احتمال واقعي”، في خطاب كان من المتوقع أن يشير إلى إذا ما كانت الجماعة ستشن حربا شاملة على إسرائيل.
وأضاف أن “قرار المقاومة الإسلامية في العراق بمهاجمة القواعد الأميركية في الساحتين السورية والعراقية قرار حكيم وصائب”، داعيا الدول العربية إلى قطع النفط عن الولايات المتحدة ووقف صادراتهم إلى إسرائيل.
وتابع “يجب أن نكون جميعا جاهزين وحاضرين”، مضيفا “كل الاحتمالات في جبهتنا اللبنانية مفتوحة وكل الخيارات مطروحة”.
وقال إن “إسرائيل سترتكب “أكبر حماقة في تاريخها إذا أقدمت على عملية استباقية ضد لبنان”.
وكشف أن “أمر الجبهة اللبنانية وتصعيدها وتطورها مرهون بأحد أمرين، الأول مسار وتطور الأحداث في غزة والأمر الثاني هو سلوك العدو الصهيوني في لبنان”.
وأضاف “البعض يقول إنني سأعلن اليوم عن الدخول إلى المعركة.. نحن دخلنا المعركة منذ 8 أكتوبر. بدأت المقاومة الإسلامية بعملياتها في ثاني يوم من طوفان الأقصى ولم يكن لنا علم مسبق بالعملية.
وتابع “يوم السبت علمنا بالعملية مثلنا مثل كل العالم وانتقلنا سريعا من مرحلة إلى مرحلة وثاني يوم بدأت العمليات في منطقة مزارع شبعا وتلال كفر شوبا وبعدها امتدت إلى كامل الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة”.
وبينما يرى محللون أن لا مصلحة للحزب بالانخراط في حرب ستدمّر لبنان لا محالة، وفق التهديدات الإسرائيلية، يعتبر آخرون أن القرار بيَد إيران التي تقود “محور المقاومة” في المنطقة ضد إسرائيل والذي يضم إلى جانب حزب الله، مجموعات مسلحة في سوريا والعراق واليمن.
وقال ريتشارد هيخت المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي اليوم الجمعة قبل خطاب نصرالله “لن يكون في صالحه الآن التصعيد في الشمال” منبها “إذا حصل ذلك.. سيكون ردنا قاسيا جدا جدا”.
ومنذ بدء التصعيد جنوباً، قال حزب الله في بيانات متلاحقة إنه استهدف عشرات أجهزة المراقبة والمواقع العسكرية والآليات التابعة للجيش الإسرائيلي والتي يمكن رصدها عبر الحدود، مستخدما صواريخ “موجهة” تصيب أهدافها وأسلحة “مناسبة” واستهدف منذ الأحد مرتين مسيرتين إسرائيليتين بصواريخ أرض جو، كما أعلن الخميس عن استخدام مسيرتين في قصف مواقع إسرائيلية.
وتردّ إسرائيل بدورها بقصف على طول الشريط الحدودي تقول إنه يستهدف بنى تابعة لحزب الله. ولا تفارق طائرات الاستطلاع الإسرائيلية أجواء الجنوب.
وامتنع حزب الله وإسرائيل منذ حرب يوليو 2006 عن الدخول في مواجهة شاملة وبموازاة ذلك عمل على تطوير ترسانة السلاح الضخمة التي يملكها وتتضمّن صواريخ دقيقة هدّد مرارا أن بإمكانها أن تطال العمق الإسرائيلي.
وعلى وقع التصعيد في غزة، شاركت مجموعات عدة أبرزها حركتا حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتان إلى جانب حزب الله في إطلاق صواريخ من جنوب لبنان دعما لغزة. وتنضوي الأطراف الثلاثة مع فيلق القدس الإيراني في غرفة عمليات مشتركة تنسّق عبرها تحركاتها.
وأكّد حزب الله ومسؤولون من إيران مرارا أن الأصابع على الزناد” لدى مجموعات محور المقاومة وأن عدم وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يمكن أن يفجّر المنطقة.
وترى الأستاذة في جامعة كارديف البريطانية والخبيرة في شؤون حزب الله أمل سعد أن هناك عوامل عدة قد تدفع حزب الله وحلفاءه إلى حسم قرارهم بدخول الحرب، لكن ثمة عاملين رئيسيين يحددان مسار الأمور، أحدهما أن حزب الله لن يسمح “بمحاولة إسرائيل.. اجتثاث قادة حماس أو القضاء على حماس في قطاع غزة”.
كما أنه لن يسمح برأيها، بأي محاولة “تطهير عرقي للفلسطينيين في غزة، لنقلهم إلى سيناء أو مناطق أخرى، فهذا خط أحمر لحزب الله الذي لن يسمح بنكبة جديدة” مشابهة لنكبة 1948.
وجاء في رسالة نشرها إعلام الحزب الأربعاء وموقعة من “مجاهدي المقاومة الإسلامية” وجهت إلى الفصائل الفلسطينية المقاتلة في قطاع غزة “يدنا معكم على الزناد.. نصرة لأقصانا”.
لكن رغم التصعيد في اللهجة، يرى الباحث في مركز مالكوم كير – كارنيغي للشرق الأوسط مايكل يونغ أن كل طرف يقيس “أفعاله وردود أفعاله على نحو حذر، لتفادي الانزلاق إلى وضع قد يخرج في أي لحظة عن السيطرة ويمتدّ ليشمل المنطقة”.
وفي الشارع وعبر منصات التواصل الاجتماعي والإعلام ينتقد البعض أداء حزب الله وعجز الدولة الغارقة في شلل تام، وسط شغور في رئاسة الجمهورية منذ سنة ويعبرون عن مخاوف من جرّ لبنان إلى حرب قرارها محصور في يد حزب الله، القوة السياسية النافذة والقوة العسكرية الوحيدة غير النظامية ولو أن للجماعة حاضنة شعبية لا بأس بها.
ويقول عاهد ماضي (43 عاما) من بلدة شبعا الحدودية “ننتظر خطاب سماحة السيد على أحرّ من الجمر وكل التمني أن يعلن الحرب على العدو الإسرائيلي ومن معه من دول غربية بانت على حقيقتها”.
أما ربيع عواد (41 عاما) من بلدة راشيا الفخار الحدودية فيقول إنّ أي حرب مع إسرائيل “ستشكل ضربة قاضية للبنان”، مضيفا “أرفض كل ما يتعرض له الفلسطينيون من حرب إبادة وتجويع في غزة، لكن قرار الحرب يجب أن يكون بيَد الدولة اللبنانية فقط، لا بيَد حزب من هنا أو ميليشيا من هناك”.