ولَّدت رسالة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الى اللبنانيين، إرباكا على مستوى مجلس النواب، كونها وجهت إلى أعضاء منضوين إلى الكتل وأهمل الآخرين بانتظار أن تكون الأجوبة جاهزة بحلول آخر الشهر، اي قبل موعد وصوله الى بيروت في الأول من سبتمبر المقبل.
والراهن أن الرسالة تضمنت سؤالين بصورة محددة، الأول: ما المشاريع ذات الأولوية المتعلقة بولاية رئيس الجمهورية من وجهة نظر فريقكم السياسي خلال السنوات المقبلة؟
والثاني: ما الصفات والكفاءات التي يجدر ان يتمتع بها رئيس المستقبل من أجل الإسراع بتنفيذ هذه المشاريع؟
ومعروف ان 31 نائبا ردوا سريعا على الكتاب الفرنسي برفض اي حوار او مسعى مع «حزب الله».
وبعد هذه المفاجأة الحاسمة، يتبادر السؤال: ماذا سيفعل لودريان، هل سيأتي في الأول من سبتمبر، أم يفضل البقاء في باريس مادام مسعاه فشل قبل أن يبدأ؟ وهل يستطيع اللبنانيون تحمل المزيد من الضغوط على غرار الانقطاع التام للكهرباء في محافظتي الشمال والجنوب والآتي أعظم؟
ولم يحدد لودريان وجهة رسالته، وكيفية استخدام الأجوبة عن الأسئلة المطروحة، ولا يملك الرجل حلولا جاهزة للأزمة الحاضرة، كما لم يأت على ذكر العواقب، وترك الأجوبة اختيارية.
ومن هنا كان رد نواب المعارضة الواحد والثلاثين في بيانهم بالقول إن الحوار مع «حزب الله» عديم الجدوى، محتفظين بحقهم وواجبهم في مواجهة اي مسار يؤدي الى استمراره في اختطاف الدولة.
المعارضون رفعوا سقفهم الى الأعلى أما التغييريون فقد قرروا الإجابة عن الأسئلة خطيا.
ومعنى ذلك ان أطياف المعارضة مستعدة للتحاور مع لودريان وليس مع «حزب الله»، ولو أفضى الأمر إلى المزيد من تأخير الاستحقاق الرئاسي، معتبرة ان ما كان جائزا قبل حادثة «شاحنة الكحالة»، لم يعد جائزا بعدها، فيما الحوار قائم على قدم وساق بين «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» الذي تبلغ مجموعة افكار من التيار شرع بنقاشها داخليا.
بعض النواب عبروا عن خشيتهم من ان يسير لودريان على خطى سلفه باتريك دوريل، من حيث ارتكاب الأخطاء في مقاربة الملف اللبناني.
والوقائع بدأت تشير الى ذلك فقد طلب لودريان من النواب الاجابة عن السؤالين، قبل نهاية اغسطس، تمهيدا للقاء الحواري. مضمون الكتاب أثار عاصفة لدى النواب الذين رأوا فيه تعارضا مع مبدأ السيادة الوطنية، وقد جاءه الرد الأعنف من المعارضة.
في المقابل، الضغوط السياسية تتصاعد الى جانب الضغوط الحياتية، وأول المؤشرات توقف معملي الزهراني في الجنوب ودير عمار في الشمال عن إنتاج الكهرباء، نتيجة الكباش مع الشركة المشغلة للمعملين والبنك المركزي حول تحويل مردود الجباية الكهربائية من الليرة إلى الدولار، من أجل استرداد مستحقات هذه الشركة البالغة 83 مليون دولار، فهذه الشركة متمسكة بمستحقاتها، والبنك المركزي بإدارته الجديدة يقول انه لا يطبع الدولارات، ولأن متطلبات الدولة من قوى عسكرية وأمنية وكهربائية أكبر من طاقتها، وقد تؤثر في حال الاستجابة على سعر صرف الدولار المستقر، حاليا، عند محور التسعين ألفا.
وكانت حصيلة هذا «الكباش» ان أمضى اللبنانيون في الشمال والجنوب ليلهم في الظلام وانضم مطار رفيق الحريري الدولي إلى دائرة العتمة، جزئيا، بسبب وجود مولدات خاصة به ليس بإمكانها الاستمرار طويلا، ما لم تتوافر لها مادة الديزل باستمرار، وامتدت أزمة الكهرباء إلى المياه والاتصالات، في طليعتها الانترنت الذي يعاني الانقطاع المتقطع بسبب عدم توافر مادة الديزل باستمرار.
وتتركز الاتصالات على توفير الجزء الأكبر من مستحقات الشركة المشغلة من أموال السحب الخاصة «اف بي آر»، مع مساندة تدريجية من مصرف لبنان الذي أصدر حاكمه بالإنابة وسيم منصوري أمس، بيانا يتضمن موجودات المصرف مع التزام مكتوب بعدم المساس بالاحتياط، وهذا يحصل للمرة الأولى منذ نشوء الدولة اللبنانية.
وأظهر التدقيق ان لدى مصرف لبنان سيولة خارجية تعادل 8.573 مليارات دولار أميركي، تضاف إليها القيمة السوقية لمحفظة سندات «اليورو بوندز» البالغة 387 مليون دولار أميركي، كما في تاريخ 31 يوليو 2023، وذلك لا يتضمن قيمة الموجودات من الذهب.
يقابل ذلك التزامات خارجية بقيمة 1.270 مليون دولار أميركي يقتضي تسديدها عند الاستحقاق من السيولة الخارجية.
ومع بدء تمركز منصة التنقيب عن النفط «فرانس اوشن بارنز» في البلوك رقم 9 تمهيدا للبدء بالحفر أواخر الشهر، تقدر شركة «توتال»، المتعهدة للحفر، ان التكاليف الكاملة الخاصة بالبلوك رقم 9 تبلغ 113 مليون دولار، أما الكميات المحتملة من الثروات النفطية فتتراوح بين 0.3 و1.7 تريليون متر مكعب.