على طريقة «الزيت الذي يُصبّ فوق النار» تنفلش بقعةُ الحربِ في غزة في اتجاهاتٍ تؤجّج «الحربَ الإقليمية» المشتعلةَ والـ «ميني حرب عالمية» التي تدور «على البارد» بين اللاعبين الدوليين الكبار، الحاضرين بأساطيلهم من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر وبـ «قضهم وقضيضهم» الديبلوماسي، أو الذين ينتظرون على «حافة النهر» علّ خصومهم يغرقون في «الرمال المتحرّكة» لمنطقةٍ وكأنها تتشكّل من جديد.
وعلى ما كانت أشارتْ إليه «الراي» في عددها أول من أمس، ربْطاً بمناخات التصعيد في الدوائر الملتهبة الموصولة بـ«حلقة النار» في غزة عن أن العيونَ ستكون شاخصةً في الساعات المقبلة على العراق والبحر الأحمر، ولكن دائماً تحت سقفِ لاءيْن كبيرتين لحرب شاملة ترفعهما كل من الولايات المتحدة وإيران، فإنّ تطورين بارزين سُجّلا:
– الأول نوعيّ وغير مسبوق منذ السابع من أكتوبر وتمثّل في تحوُّل «بلاد ما بين النهرين» مسرحاً لحَدَثٍ نوعيّ باغتت معه طهران الجميع بانتقالها من دفْع مركب الانخراط في حرب غزة من الخلف عبر أذرعها في «محور الممانعة» إلى «الضرب بيدها مباشرة وبلا قفازاتٍ».
– والثاني استمرار الحوثيين في استهدافِ سفنٍ في البحر الأحمر في تحدٍّ وردّ على الضربات الأميركية – البريطانية التي تُوجَّه إليهم بعد استرهانهم الممرّ المائي الإستراتيجي لمقتضياتِ الصراع الذي انفجر مع «طوفان الأقصى» ما أطلق «دومينو» انسحاباتٍ اضطرارية لشركات عملاقة من العبور في «منطقة الخطر».
وفي حين شكّل «الدخولُ المرقّطُ» لطهران على مسرحِ العمليات المتفجّر بقَصْفٍ حَمَلَ توقيعَ «الحرس الثوري» لأهداف في إقليم كردستان العراق وسورية تطوّراً ما فوق عادي عزّز الخشيةً من انزلاق المنطقة إلى الصِدام الكبير الذي يُعتبر جنوب لبنان أحد «جبهاته المتقدّمة» والمدجَّجة بالفتائل الأخطر، فإن أوساطاً سياسية توقفت عند العنوانيْن اللذين أعطتْها إيران للضربتين، لجهة استهدافِ «مقر تجسس للموساد في إقليم كردستان العراق وتجمعات لجماعات إرهابية مناهضة لإيران»، و«مقر تنظيم داعش التكفيري في إدلب السورية»، وإعلانها أن الاستهدافات في سورية أتت «ردّا على الفظائع الأخيرة للجماعات الإرهابية التي أدّت إلى استشهاد مجموعة من مواطنينا الأعزاء في كرمان وراسك»، وصولاً إلى وضْعها اندفاعتها الهجومية في سياقٍ دفاعي «عن سيادتها وأمنها في مواجهة الإرهاب»، وأنها تستخدم«حقَّها المشروع والقانوني لردع تهديدات الأمن القومي».
وبحسب هذه الأوساط، فإن إيران وبعدما وجدتْ تمادياً في التجرؤ عليها، بدءاً من اغتيال القيادي في الحرس الثوري رضى موسوي في دمشق، ثم التوغّل نحو عمق الضاحية الجنوبية لبيروت لاغتيال القيادي في «حماس» صالح العاروري، قبل مجرزة كرمان في عقر دارها، وليس انتهاءً بترْك واشنطن مقاعد التردّد وضرْبها زوارق للحوثيين بدايةً ثم أهدافاً لهم في اليمن، اختارتْ أن تتقدّم صفوفَ «الرقص على حافة الهاوية» مع الولايات المتحدة مباشرةً، ليس في سياقِ إعلانِ نياتٍ بأنها غادرت مربّع عدم الرغبة في الحرب الشاملة بل في إطار تأكيد الجاهزية لها بحال تمادى خصومها في استغلال ما يعتقدون أنه «نقطة ضعف باتت مكشوفة» ويمكنهم من خلالها إما قضْم قوة الردع المتعددة الأذرع التي تتمتع بها إيران أو جرّها إلى «أم المعارك» التي تتفاداها.
وفي انتظار «الخطوة التالية» لخصوم إيران على «رقعة الشطرنج» المتفجّرة، فإن لبنان يبقى متفرّجاً على غليانٍ إقليمي لا كلمة له في ما خص احتمالاتِ زجّه فيه، وصولاً إلى اختيار حكومته المستقيلة خيار «الالتصاق» بـ «حزب الله» وموقفه الذي أرسى «وحدة مسار ومصير» بين الوضع في جنوب لبنان وبين حرب غزة على قاعدة «التوازي بين التهدئة هنا ووقف النار هناك» ما جعلها شريكاً في إجهاض مهمة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين ومحاولته إيجاد حلّ موقت يبرّد الحدود اللبنانية – الإسرائيلية ويتيح عودة النازحين على مقلبيْها ريثما تدقّ ساعة الحل المستدام على متن تَفاهُم بري يصعب تسويقه «تحت النار».
وفي حين يبدو لبنان وكأنه «يسير على جمر» غزة، تقاسم المشهد أمس الميدان الجنوبي ومواقف لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي يشارك في أعمال «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس.
وقد أكد ميقاتي لقناة «الجزيرة» أن «وقف إطلاق النار في غزة هو حجر الزاوية للحل في المنطقة»، معلناً «نسعى للحلول الديبلوماسية، وهذا الخيار الأفضل، لأن الحرب تعني الخسارة للجميع. وإذا كان الخيار هو الحل الديبلوماسي فنحن مستعدون، والجانب الأميركي بدأ في هذه الخطوت ولانزال مستمرين في هذا البحث».
ورداً على سؤال، قال «هوكشتاين أعلن إنه توجد نافذة للوصول إلى حل، كما سمعنا من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أن هناك فرصة ذهبية للوصول الى استقرار طويل الأمد. نحن نسعى إلى ذلك وهذا ما نقوم به، وإننا على استعداد للاستمرار في المباحثات الديبلوماسية للوصول الى حل وتطبيق القرار 1701 كاملاً».
وعما قصده هوكشتاين بوجود «نافذة للحل»، اعلن «المقصود في هذا الكلام هو وجود نافذة للحل في لبنان، ولكن منذ اليوم الأول للحرب في غزة قلنا إن وقف النار في غزة هو حجر الزاوية لكل المنطقة، وإذا لم يتوقف إطلاق النار فسيكون ذلك ككرة الثلج التي تتمدد إلى كل دول المنطقة».
وفي أول لقاءاته في دافوس اجتمع ميقاتي مع رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني «وتم البحث في الأوضاع الراهنة في الأراضي الفلسطينية والمنطقة وانعكاسها على لبنان». كما تطرق البحث إلى عمل «اللجنة الخماسية العربية والدولية»للمساعدة في دفع عملية انتخاب رئيس جديد للبنان قدما إلى الأمام.
وفي موازاة ذلك كان الميدان ينشغل بعدد من التطورات البارزة وبينها:
– إعلان الجيش الإسرائيلي أن قوات خاصة تابعة له تسللت إلى داخل الجنوب اللبناني وأزالت ألغاماً في بلدة عيتا الشعب، وهو ما لم يكن متاحاً تأكيده واستبعدتْه أوساط غير بعيدة عن«محور الممانعة»لم تستبعد أن يكون في سياق «رفْع المعنويات»، في حين نُقل عن مصدر في «اليونيفيل» أن القوة الدولية «لم تتلق أي تقرير عن تسلل إسرائيلي عبر الحدود مع لبنان ونفحص الأمر حالياً».
– ما أعلنت هيئة البث الإسرائيلية انه هجوم كبير للجيش في وادي السلوقي جنوب لبنان وأن عشرات الأهداف تعرّضت لهجوم متزامن، علماً أن تقارير في وسائل إعلام لبنانية تحدثت عن أن «الغارات الجوية التي نفذها الطيران الحربي على وادي السلوقي هي الأعنف على مكان واحد منذ بداية المواجهات في 8 أكتوبر حيث استُهدفت المنطقة بأكثر من 30 صاروخاً عبر 14 غارة وترافقت مع قصف مدفعي عنيف على المنطقة نفسها»، وذلك قبل الإعلان عن شن 4 غارات على بلدة حولا بعد الظهر، وقصف طوال النهار للعديد من القرى الجنوبية.
– إعلان قائد المنطقة الشمالية، الميجر جنرال أوري غوردين خلال تفقُده (الاثنين) مناورة لإحدى كتائب اللواء 228 حيث تدرب المقاتلون خلالها على شن هجوم «أن المناورة التي نشهدها تشكل جزءاً من الأهمية الكامنة في رفع مستوى جاهزيتنا لتوسيع رقعة القتال والهجوم على لبنان. حيث نكون أكثر استعداداً من ذي قبل، وجاهزين للتصرف حتى في هذه الليلة إذا لزم الأمر»، مؤكداً «في هذا الوقت بالذات هناك عشرات الآلاف من الجنود المنتشرين من أجل أداء مهمات حماية الحدود الشمالية مع لبنان».
وتحدث عن «أننا ضربنا أكثر من 150 خلية على الجانب الآخَر إلى جانب تدمير الكثير من القدرات للعدو. نحن نعمل كثيراً على تجريد حزب الله من قدراته ودفعه إلى الوراء. وهناك الكثير من الأشياء التي لا تزال تحتاج إلى التعامل معها لزيادة الأمان لنستطيع إعادة سكان المنطقة الشمالية إلى منازلهم».
في المقابل، أعلن «حزب الله» عن استهداف «جنود العدو الإسرائيلي شرق مستوطنة إفن مناحم بالأسلحة الصاروخية»، ثم «موقع السماقة في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة» و«محيط المستعمرات في منطقة النبي يوشع المحتلة بدفعات صاروخية مناسبة».