يبدو أن نافذة الدبلوماسية، التي فُتحت بتولي مسعود بزشكيان المؤيد للتقارب مع الغرب رئاسة إيران، بدأت تنغلق بسرعة قياسية تحت وطأة الشروط الغربية المطلوب من طهران تلبيتها قبل العودة إلى مفاوضات حول الاتفاق النووي ترفع العقوبات الاقتصادية الخانقة عن طهران، وتسمح ببدء حوار دولي وإقليمي معها حول ملفات سياسية وأمنية وعسكرية تهم المنطقة بأسرها.
وكانت «الجريدة» رصدت في الأسابيع الماضية مسار الاتصالات المتجددة بين إيران وواشنطن والدول الأوروبية حول احتمالات العودة إلى المفاوضات النووية، كاشفة أن طهران أجرت بالفعل اتصالات بالأميركيين والأوروبيين، وأنها تلقت لائحة شروط صعبة من الجانب الأوروبي مع تصاعد التوتر بين الجانبين على خلفية الاتهامات لطهران بإمداد روسيا بالمزيد من الأسلحة التي تستخدمها في حربها ضد أوكرانيا.
وفي خطوةٍ قد تتسبب في ارتفاع منسوب التوتر بالمنطقة، بعد انخفاض نسبي مع استمرار تأجيل إيران لردها على اغتيال زعيم حركة حماس إسماعيل هنية في عاصمتها، كشف مصدر في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني لـ «الجريدة»، أن طهران تلقت رداً أميركاً على طلبها استئناف المفاوضات، يتضمن 4 شروط، موضحاً أن إيران رفضت بشكل كبير أغلبية هذه الشروط، في حين تلقت عروضاً مغرية بتعزيز التعاون العسكري والاقتصادي مع روسيا.
وأوضح المصدر أن الرسالة الأميركية الجوابية أشارت إلى أن إدارة الرئيس جو بايدن مهتمة بالذهاب إلى مفاوضات مباشرة بشكل سريع مع طهران، لكن بشروط يجب على الجانب الإيراني الالتزام بها، وهي:
أولاً: خلال فترة المفاوضات، على إيران وقف التصعيد في برنامجها النووي والتزامها بخفض مستوى تخصيب اليورانيوم إلى المستوى الذي ينص عليه اتفاق 2015.
ثانياً: وقف إيران وحلفائها كل أعمال التصعيد في المنطقة، وذلك يشمل عدم مهاجمة السفن في البحر الأحمر من الحوثيين، ووقف هجمات «حزب الله» اللبناني على إسرائيل، والضغط على «حماس» للقبول بشروط وقف إطلاق النار في غزة، ووقف تهديدات حلفاء طهران في العراق وسورية ضد القوات الأميركية.
ثالثاً: توقف إيران عن إرسال الأسلحة إلى روسيا وكل أنواع المشاركة في الحرب ضد أوكرانيا.
رابعاً: توقف إيران عن إنتاج الصواريخ البالستية التي يمكنها حمل رؤوس نووية.
ولفت إلى أن الجانب الإيراني رد بشكل فوري على لائحة المطالب الأميركية برفض معظمها، موضحاً أن الإيرانيين قالوا إنهم مستعدون لوقف زيادة مستوى تخصيب اليورانيوم عند المستوى الذي وصلوا إليه الآن طوال فترة المفاوضات حتى التوصل إلى اتفاق بهذا الشأن.
وأضاف أن الإيرانيين شددوا على أن «جبهات مساندة» حركة حماس في قطاع غزة، التي فتحها حلفاء إيران في جنوب لبنان والبحر الأحمر والعراق وسورية، يمكن أن تتوقف فور التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، بما في ذلك بلبنان.
وذكر أن طهران اعتبرت أن موضوع التعاون العسكري مع روسيا هو شأن سيادي إيراني ــ روسي، وهو أمر يجري وفق القوانين الدولية، وأكدت عدم تورطها في الحرب الأوكرانية، وذلك رغم التقارير التي أكدت تسليمها لموسكو صواريخ بالستية متوسطة المدى أخيراً.
وتابع أن الإيرانيين ردوا على المطلب الأميركي المتعلق ببرنامجهم الصاروخي، وتحديداً الصواريخ القادرة على حمل رؤوس نووية، بأن ذلك أمر مرتبط بالأمن القومي الإيراني، وأنه يحق لطهران تطوير برنامجها الدفاعي نظراً إلى المخاطر التي تحيط بالمنطقة.
وبين أن طهران أبدت استعدادها لإجراء مفاوضات مباشرة هذه المرة مع الأميركيين حول القضايا العالقة قبل عودة الوفود إلى المفاوضات النووية في فيينا، بشرط ألا تزيد هذه المفاوضات على جلسة أو اثنتين، ويكون لدى الأطراف المشاركة فيها التفويض اللازم للتوصل إلى اتفاق.
في المقابل، كشف المصدر نفسه أن الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي أكبر أحمديان، الذي التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل أيام على هامش اجتماع أمني تحضيري لقمة مجموعة بريكس المقررة في روسيا الشهر المقبل، رفع تقريراً إلى المرشد الأعلى علي خامنئي وبزشكيان حول نتائج زيارته، ذكر فيها أن بوتين دعا بزشكيان إلى زيارة موسكو قبل موعد قمة «بريكس» التي ستعقد في مدينة قازان، وذلك لتوقيع اتفاق التعاون الاستراتيجي طويل المدى الذي طال انتظاره بين البلدين.
وذكر تقرير أحمديان أن بوتين تعهد بأن بلاده بعد توقيع الاتفاقية ستغير مستوى تعاونها العسكري والاقتصادي مع طهران، وستسلم لها كل الأسلحة التي سبق أن وقع البلدان على صفقات بشأنها بما في ذلك مقاتلات سو 35 المتطورة.