ربط المقرضون الأوروبيون استئناف ضخ التمويلات إلى لبنان بتقدم برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي مازال يسير ببطء شديد رغم الضغوط الداخلية والخارجية للإسراع في إحداث اختراق في جدار الأزمة المالية المزمنة.
وقال نائب رئيس بنك الاستثمار الأوروبي أمبرواز فايول إن الضرورة اقتضت “إيقاف أنشطة الإقراض مؤقتا إلى أن يقوم لبنان بتنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية الأساسية المتوافقة مع توجيهات الاتحاد الأوروبي”.
وأبدى قلقه خلال مقابلة مع وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية على هامش مؤتمر المناخ (كوب 28)، الذي اختتمت فعالياته في دبي الأربعاء الماضي، بشأن “الاضطرابات الاقتصادية والسياسية في لبنان”.
وأكد أن البنك الذي يعمل منذ العام 1978 في لبنان على استعداد لاستئناف عمليات التمويل لمجرد تحقيق تقدم موثوق في الإصلاحات الهيكلية.
وتطرق فايول أثناء حديثه إلى نقاط كثيرة حول تأثير الانهيار الاقتصادي في لبنان على استثمارات بنك الاستثمار الأوروبي، لكنه لم يذكر أرقاما أو مؤشرات تدعم كلامه.
وتبدو المؤسسة الأوروبية المانحة واحدة من عشرات المؤسسات في الاتحاد الأوروبي، التي تتشكك في قدرة المسؤولين في لبنان على تجاوز المحنة، لاسيما وأن صندوق النقد الدولي لم يلمس أي تقدم يمكن أن يعتد به لإعطاء الاقتصاد اللبناني نظرة وردية.
ويشهد لبنان منذ 2019 انهيارا اقتصاديا صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم. وقد خسرت الليرة أكثر من 98 في المئة من قيمتها وبات أغلب السكان تحت خط الفقر على وقع قيود مصرفية مشددة وأزمة سيولة حادة.
وأوضح فايول أنه لم تتم الموافقة على أي تمويل جديد من البنك لتمويل الاستثمارات اللبنانية منذ تفجر الأزمة قبل أربع سنوات.
ورغم تجميد التمويل الجديد شدد فايول على التزام البنك الثابت تجاه لبنان. وقال “يواصل البنك تقديم الدعم عبر التعاون الاستشاري، ومساعدة مؤسسات التمويل الأصغر، وتمكين المجتمعات الضعيفة من الوصول إلى التمويل الأصغر”.
وعلاوة على ذلك قدم بنك الاستثمار الأوروبي مساعدته للشركات اللبنانية، وبخاصة في القطاعين الرقمي والاستهلاكي، من خلال صناديق الاستثمار الإقليمية.
كما قدم دعما للاستثمارات في معالجة مياه الصرف الصحي والنقل المستدام ودعم الشركات الصغيرة لتحفيز توفير فرص العمل وتحسين الأعمال.
وقال فايول إن البنك واصل “مراقبة الوضع السياسي والاقتصادي في لبنان وذلك بالتعاون مع المفوضية الأوروبية وصندوق النقد الدولي وأصحاب المصلحة الدوليين الآخرين”.
وأضاف “يعتزم بنك الاستثمار الأوروبي التركيز بشكل أكبر على التحول الرقمي، وكفاءة الطاقة، والطاقة المتجددة، والتنمية البشرية على أساس الاحتياجات والتطورات المحلية”.
وكان البنك قد طرح نهجا جديدا يسمى “المرونة العادلة” و”الانتقال العادل”، والتوسع عالميا لدعم المجتمعات الضعيفة التي تتعامل مع تأثيرات تغير المناخ.
وتؤكد هذه المبادرة إستراتيجيات التكيف العادل والتحول المسؤول اجتماعيا إلى اقتصاد مستدام.
وتأتي تصريحات فايول بعد يوم من تثبيت وكالة موديز الجدارة الائتمانية للبنان عند درجة سي مع تغيير النظرة المستقبلية إلى مستقرة.
وأوضحت الوكالة في تقرير نشرته رويترز أن “التوقعات المستقبلية المستقرة للبنان انعكاس لتوقعاتها بأن يظل التصنيف عند سي في المستقبل المنظور”.
واعتبرت أن “استمرار الفراغ السياسي يزيد من مخاطر حدوث أزمة اقتصادية ومالية واجتماعية طويلة الأمد”، كما لفتت إلى أن “تعرض لبنان للمزيد من الاحتدام في صراع إسرائيل وحماس سيبدد بشكل جزئي مكاسب حديثة في قطاع السياحة”.
وأدى فشل النظام المصرفي وانهيار العملة إلى تنامي دولرة اقتصاد نقدي يُقدر بنحو نصف إجمالي الناتج المحلي في عام 2022.
وبينما تهدف السلطات من وراء الدولرة إلى تخفيف التضخم وتحقيق الاستقرار في الاقتصاد، فإنها تهدد أيضا بدفع المزيد من اللبنانيين إلى براثن الفقر وتعميق الأزمة.
ويقول المحللون إن مرد ذلك هو أن القليل من الناس في لبنان لديهم إمكانية الوصول إلى الدولارات لدفع مشتريات الطعام والضروريات الأخرى بهذه الطريقة.
لكن الفساد المستشري في مفاصل الدولة يعني أن القادة السياسيين والماليين يقاومون بديل الدولرة، وهو إصلاحات طويلة الأجل للبنوك والقطاعات الحكومية والتي من شأنها إنهاء الإنفاق المسرف وتحفيز الاقتصاد المتداعي.
وتشير التقديرات الدولية إلى أن ثلاثة أرباع سكان البلد البالغ عددهم 6 ملايين يعيشون في براثن الفقر. كما أدى انقطاع التيار الكهربائي المعطل ونقص الأدوية إلى إصابة جزء كبير من الحياة العامة بالشلل.
ويقدر الاقتصاد النقدي المدولر، وفق البنك الدولي، بنحو 9.9 مليار دولار أو 45.7 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، ما يعكس “تحولا سريعا نحو المعاملات النقدية بالعملات الصعبة في أعقاب فقدان كامل للثقة بالقطاع المصرفي الضعيف وبالعملة المحلية”.
ويقول خبراء إن الاقتصاد النقدي يهدد بالمساس بفاعلية السياسة المالية والسياسة النقدية، ويزيد من إمكانية غسل الأموال، فضلا عن زيادة النشاط الاقتصادي غير الرسمي، والتشجيع على زيادة التهرب الضريبي.