وعندما يؤكّد البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي أمام سفير المملكة العربية السعودية وليد البخاري «أننا نتّكل على حزمكم لوقف مسلسل تخطّي المكوّن المسيحي وضرب إرادة اللبنانيين»، في حين كان التشاؤم يطغى على زيارات السفيرة الفرنسية آن غريو لبكركي، فهذا في حدّ ذاته إنقلاب تاريخي «سلبي» في العلاقات المارونية – الفرنسية وإيجابي في العلاقات المارونية – السعودية. لا يمكن الإتكال على ما يُسرّب لبناء السياسة، فالوضع الرئاسي مأزوم وعلى حاله. ولا تزال مواقف القوى المسيحية في الغرف المغلقة متصلّبة. رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع أبقى خطوط اتصالاته مفتوحة مع المملكة العربية السعودية منذ تشرين الماضي لئلا تسير بانتخاب رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية، مؤكداً أنّ فرنسا لم تعد «أمّنا الحنون»، بل تعمل ضدّنا عكس السعودية التي تساير رغبة اللبنانيين، فلم تخذله الرياض، وكان موقفها حاسماً في منع وصول مرشح «حزب الله»، وأتت الترجمة العملية في البيان الختامي للقاء الدوحة الخماسي.
ومن جهته، قال البطريرك الماروني كلمته أمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ومشى، وأدّى ذلك إلى تغيير «الطاقم» الفرنسي الذي كان يهتم بالملف الرئاسي وتعيين وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان موفداً رئاسياً إلى لبنان. ولم يتوقف العمل على خطّ بكركي – معراب، بل بذل رئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل قصارى جهده من أجل وقف مسلسل فرض فرنجية، وإذا كان رفع سقف الكلام مع «حزب الله»، إلا أنه رأى من الأجدى العمل على الخطّ الخارجي، فذهب الرئيس السابق ميشال عون إلى دمشق للقاء الرئيس السوري بشار الأسد ونصحه بعدم كسر إرادة المسيحيين والدخول في مواجهة شاملة بعدما كسر عون الجليد والعداوة مع قسم من المسيحيين بعد عودته من المنفى عام 2005. إذاً، تواصل المكوّن المسيحي مع الدول العربية الفاعلة من أجل احترام كلمته.
وهذا الأمر يعتبر «براغماتية» كان يفتقدها المكوّن الماروني منذ بروز الكيان، فمعروف عن الموارنة عنادهم وتجاهلهم المتغيّرات الدولية، لكن ساهم تواصل «القوات» مع الرياض في ضرب المبادرة الفرنسية الأولى، واحترم ماكرون رغبة البطريرك، في حين نجح باسيل في تخفيف اندفاعة دمشق من أجل انتخاب فرنجية. تنفّس المكوّن المسيحي الصعداء بعد بيان «الدوحة» وتالياً إنهاء المبادرة الفرنسية، لكن الأهم يبقى في طريقة التصرّف بعد هذا الحدث المهم وتنفيذ خريطة طريق وعدم استمرار الفراغ في قصر بعبدا. وتعيش الساحة المسيحية هدوءاً، إذ خفّت وتيرة الحملات بين «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحرّ»، ولا يزال التقاطع على اسم الوزير السابق جهاد أزعور موجوداً، ولم يعلن أي فريق أي تغيير في المواقف. ويفتح كل فريق الباب أمام حصول بعض الحوارات، وينطلق باسيل في حواره مع «حزب الله» من فرضية رفض فرنجية ويدعوه إلى التخلّي عن دعمه للانطلاق في رحلة البحث عن اسم ثالث. وتبقى المعارضة المسيحية بقيادة «القوات»، إضافةً إلى المعارضة السيادية، على موقفها بعدم تقديم هدايا رئاسية الى»حزب الله»، ولا يوجد أي نيّة للتراجع عن سقف المعركة الذي حُدّد سابقاً، علماً أن هذه المعارضة تملك الثلث المعطل من دون «التيار»، وهي قادرة على فرض إيقاعها وعدم السماح بالإستفراد بالرئاسة.