استبعد القائم بأعمال حاكم مصرف لبنان وسيم منصوري الجمعة قيام البنك بطباعة العملة المحلية لتغطية العجز أو إقراض الحكومة، في الوقت الذي قرر صرف رواتب القطاع الحكومي لهذا الشهر بالدولار.
وقال منصوري إن “البنك المركزي لن يطبع الليرة لإقراض الدولة أو لتغطية العجز” المتوقع في البلاد التي تعاني أزمة، وحث الزعماء على إجراء إصلاحات مالية عاجلة.
وجدّد تحذيراته من أن عدم إقرار القوانين الإصلاحية سيؤدي إلى تنامي الاقتصاد النقدي، مما سيؤثر سلبا على الاستقرار الاقتصادي ويعرّض البلاد إلى مخاطر عزله عن النظام المالي الدولي.
وقال منصوري في مؤتمر صحفي في مقر البنك المركزي إن “مشروع الموازنة لعام 2023 تضمن عجزا للدولة بمقدار 46 تريليون ليرة أي ما يفوق 24 في المئة” عن مستويات الموازنة السابقة.
وحسب إحصاء لرويترز فإن هذه النسبة تبلغ نحو 500 مليون دولار بالسعر الموازي للعملة المحلية المنهارة.
وقال منصوري للصحافيين “ما نؤكد عليه اليوم أن مصرف لبنان لن يقوم بالتأكيد بتغطية العجز عبر إقراض الحكومة لا بالدولار ولا بالليرة. ولن تتم طباعة عملة لبنانية لتغطية عجز”.
ومن المتوقع أن تدفع الحكومة رواتب موظفي القطاع العام لشهر أغسطس بالعملة الأميركية على أن يتم احتسابه على سعر صرف 85.5 ألف ليرة لكل دولار.
وأكد منصوري أنه تم التوافق مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير المالية يوسف الخليل على أن يكون الاستقرار النقدي هو الأولوية في هذه المرحلة الدقيقة، ولذلك فإن الاستحقاق الآتي المتعلق بهذا الاستقرار هو دفع رواتب القطاع العام.
والكتلة النقدية التي يتطلبها هذا الاستحقاق هي حوالي سبعة تريليونات ليرة (76 مليون دولار)، وإذا جرى دفع الرواتب بالليرة سيؤدي ذلك في غياب القوانين الإصلاحية المطلوبة والتدابير الحكومية إلى الضغط على سعر الصرف.
لكن منصوري أشار إلى أن الاستدامة تكون في الإصلاحات. لذلك تقتضي الإشارة إلى أن الاستقرار النقدي الذي يحققه المركزي له حدوده في الزمان والظروف السياسية والأمنية المتعلقة.
وأشار إلى أنه “لا يمكن للبنك المركزي وحده التحكم بالسياسة النقدية والحفاظ على استقرار العملة النقدية دون تعاون تام مع الحكومة والمجلس النيابي”.
وبحسب البيانات الرسمية فقد بلغ حجم الكتلة النقديّة التي تشمل السيولة الجاهزة بالليرة نحو 97 تريليون ليرة مع نهاية العام 2022.
وهذا الرقم يثبت أن سياسة طبع العملة من قبل البنك المركزي أغرقت السوق بكميات كبيرة من الليرة، التي باتت تستخدم في عمليات المضاربة على العملة.
وتولى منصوري رئاسة البنك المركزي بالإنابة في الأول من أغسطس الجاري، بعد أن أنهى الحاكم السابق رياض سلامة فترة ولايته التي استمرت 30 عاما وسط مزاعم فساد ينفيها وفي خضم الانهيار المالي للبلاد.
وكان لبنان مديناً بنحو 100 مليار دولار في نهاية عام 2022 بما في ذلك السندات المتعثرة بالعملات الأجنبية ويديره سياسيون فشلوا في الاتفاق فيما بينهم، حتى على ملامح خطة للتعافي.
ومنذ أن بدأ الاقتصاد اللبناني في الانهيار في 2019، هوت قيمة الليرة بشدة، وحُرم المودعون من الوصول إلى مدخراتهم المصرفية، وسقطت الأسر في براثن الفقر.
لكن البلاد فشلت في تفعيل الإصلاحات التي طالب بها صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدات بقيمة ثلاثة مليارات دولار.
وتفرض المصارف في لبنان قيودا على أموال المودعين بالعملة الأجنبية منذ العام 2019، إضافة إلى تحديدها سقوفا قاسية على سحب الأموال بالليرة، في ظل أزمة اقتصادية حادة وغير مسبوقة في البلاد.
وأعلن البنك المركزي مؤخرا عن قيمة أصوله النقدية دون احتساب احتياطات الذهب وذلك للمرة الأولى منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية في البلاد قبل ما يقرب من أربع سنوات.
ووفق بيان أصدره منصوري، الخميس الماضي، فقد بلغت أصول المصرف بالنقد الأجنبي في الخارج 8.96 مليار دولار، تقابلها استحقاقات عليه بقيمة 1.27 مليار دولار حتى نهاية يوليو الماضي.