نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية مقالاً عن فرص وقف الحرب في غزة، استناداً إلى رؤية الرئيس الأمريكي جو بايدن، ومعارضة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وقال كاتب المقال ألون بينكاس، وهو كان سابقاً قنصلاً عاماً لإسرائيل في نيويورك: “إذا كنت تعتقد أن التقارير التي تتحدث عن رفض نتنياهو للاقتراح الإسرائيلي (الذي قدمه بايدن) غريبة، فعليك التفكير مرة أخرى. ففي نهاية المطاف، هذه ليست رواية 1984 لجورج أورويل، بل هي رواية عام 2024 لبنيامين نتنياهو.
ففي اللحظة التي اشترط فيها الزعيم الإسرائيلي أن إسرائيل “ستحتفظ بالحق في العودة إلى الحرب”، كان من الواضح أن الاقتراح الإسرائيلي الذي قدمه الرئيس الأمريكي جو بايدن، يوم الجمعة الماضي، لإنهاء الأعمال العدائية من خلال إطلاق سراح الرهائن من ثلاثة أجزاء واتفاق وقف النار، كان ميتاً وموضوعاً في الماء. ولم يكن نتنياهو يكتفي باسترضاء ائتلافه اليميني المتطرف فحسب، بل كان يتراجع عن اتفاق لم يكن يريده قط في المقام الأول”.
ويقدم الاقتراح، الذي قال بايدن إنه كان حصيلة المفاوضات مع “قادة إسرائيل وقطر ومصر ودول شرق أوسطية أخرى”، “خريطة طريق لوقف دائم لإطلاق النار والإفراج عن جميع الرهائن”.
وتضمنت الخطة وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار في غزة كجزء من مرحلتها الأولى، وكانت ستشهد أيضاً تبادل رهائن إسرائيليين بسجناء فلسطينيين، إلى جانب التوسط في المراحل الأخيرة للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار. وهنا فإن شروط نتنياهو وتفسيره للصراع تجعل أي صفقة تحجب هدفه المتمثل في “تدمير حماس” غير قابلة للتحقيق، حتى لو كانت “حماس” هي التي رفضتها من الناحية الفنية.
ويضيف المقال أنه، ولسنوات عديدة، كان نتنياهو يتمتع بصفة “تجنب المخاطرة”. ويقول المدافعون عنه إنه على الرغم من التهديد والغوغائية التي أبداها، فإنه كان حذراً ومتوازناً في الأساس. من ناحية أخرى، يقول منتقدوه إنه كان زائفاً بطبيعته، وأن هذا لم يكن حذراً أو فطنة، بل كان جبناً وتردداً متوطناً فيه، وعدم قدرة متأصلة على اتخاذ القرارات.
وسواء كان يتجنب المخاطرة أم لا، فإن حساباته الوحيدة، كما يتفق الطرفان، هي البقاء في الحياة السياسية بكل الوسائل. ومع تعرض حياته السياسية للخطر بسبب محاكمة جنائية جارية ، وفي أعقاب الهجوم الذي وقع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، والحرب التي تلت ذلك، فإن أي تحسب من المخاطرة كان قد أظهره في الماضي حلّ محله اليوم التهور المطلق والسخرية الفجة.
ويحكم هذا الموقف رفضه تحمل المسؤولية والمساءلة عن إدارته للصراع، ومواجهاته المتعمدة مع الولايات المتحدة، ونهجه اللامبالي والمزدوج في ما يبدو تجاه وضع الرهائن.
وفي الأيام الستة التي مرت، منذ أن قدم بايدن “الاقتراح الإسرائيلي”، لم ترد إسرائيل ولا “حماس” بشكل قاطع، حتى يوم الخميس.
لقد تحول الاهتمام بشكل كبير نحو الحدود الإسرائيلية اللبنانية، حيث يوشك أن يندلع تصعيد كبير بين إسرائيل و”حزب الله”، وبشكل مباشر أو غير مباشر مع إيران.
ويبدو أن هذا قد أدى إلى انحراف صفقة غزة عن مسارها، لكن الاثنين، في الواقع، مرتبطان بشكل لا ينفصم.
ويضيف المقال أنه، ومنذ بداية الحرب، كان الهدف الأساسي لبايدن هو منع التصعيد. وعلى الرغم من القضية المحددة بين إسرائيل ولبنان بشأن الترسيم الدقيق للحدود، والتي تم ترسيمها آخر مرة في اتفاق عام 2000، بعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، فإن الولايات المتحدة ترى أن وقف إطلاق النار في غزة هو المفتاح لحل المشكلة المتمثلة في التصعيد شمالاً، فالقضيتان مرتبطتان بعوامل جيوسياسية، وتستجيب كل منهما للأخرى.
ولم يكن توقيت بايدن من قبيل الصدفة، وكان دافعه لتقديم الاقتراح جوهرياً بقدر ما كان سياسياً. جاء ذلك بعد يوم واحد من إدانة دونالد ترامب، منافسه والمرشح الجمهوري المفترض في نوفمبر/تشرين الثاني، بالإجماع بارتكاب 34 جناية تتعلق بتزوير السجلات المالية في ما يتعلق بدفع أموال سرية لممثلة إباحية. كان وقوف بايدن في البيت الأبيض، والحديث عن وقف محتمل لإطلاق النار في الشرق الأوسط بمثابة تناقض صارخ بين الاثنين قدر الإمكان.
ومن الناحية الجوهرية، فإن بايدن مقتنع بأن الحرب يجب أن تنتهي فوراً، بعد ثمانية أشهر من الدعم الكامل لإسرائيل. ومن الناحية السياسية، فقد تفوّق ببساطة على نتنياهو.
وانطلاقاً من شكوكه في أن نتنياهو الكاذب والمتلاعب يمكن أن ينكر أو يتراجع في أي لحظة عن الاقتراح الإسرائيلي، قرر بايدن كشف خدعته، على الرغم من أنه طالب ظاهرياً “حماس” بقبول الخطة، كما لو أن موافقة إسرائيل كانت بمثابة صفقة محسومة، فيما هي بالفعل لم تكن كذلك.
وبرأي الكاتب، فإن للولايات المتحدة مصلحتين رئيسيتين في الضغط من أجل التوصل إلى اتفاق. أولاً، إدراك أن الحرب قد استنفدت نفسها، وأنه لا يمكن تحقيق المزيد من الإنجازات الملموسة، ناهيك عن أي نوع من العمل الذي يغيّر قواعد اللعبة. وعندما تحدث بايدن، يوم الجمعة الماضي، عن وقف دائم لإطلاق النار، كانت هذه هي المرة الأولى التي يفعل فيها ذلك بطريقة علنية وواضحة لا لبس فيها. لقد أصبحت التكلفة الدبلوماسية المفروضة على الولايات المتحدة والتكلفة السياسية أكبر من قدرتها على التحمّل. وقد استند هذا إلى اعتراف متأخر بأن نتنياهو، الذي شن حرباً بلا أهداف سياسية متماسكة ومحددة وقابلة للتحقيق، يعمل على إطالة أمدها لأسباب سياسية.
توصلت الإدارة الأمريكية أخيراً، بعد أشهر من العيش في حالة إنكار مريحة، إلى أن نتنياهو كان يتحداها عمداً برفض قبول أفكار واشنطن، أو تقديم إطار سياسي، أو خطة خاصة به لما بعد الحرب. علاوة على ذلك، تزايدت الأدلة على أنه كان يسعى عمداً إلى مواجهة مع بايدن لتحقيق مكاسب سياسية. قال بايدن ذلك بنفسه، في مقابلة مع مجلة “التايم” في وقت سابق من هذا الأسبوع.
ثانياً، يحتاج بايدن إلى منع انتشار الحرب في غزة إلى لبنان، حيث المخاطر أعلى بكثير، ومن المحتمل أن يكون الدمار أكبر، واحتمال جرّ الولايات المتحدة إليها كبير.
وفي محاولة لتوضيح سياسة تسعى جاهدة لإنهاء الحرب ومنع التصعيد، قدم بايدن الخطة. وحتى في عالم نتنياهو الدخاني، كان يعلم أن زمن المراوغة قد انتهى. لكن إصرار نتنياهو على القضاء على “حماس” جَعَلَ أيّ محاولة من جانب بايدن للتوصل إلى تسوية سلمية غير قابلة للتطبيق. وسوف تطالب “حماس” الآن بضمانات أمريكية بوقف دائم لإطلاق النار، ولكن من المشكوك فيه أن تتمكن الولايات المتحدة من تقديم هذه الضمانات، على الرغم من أن مدير وكالة الاستخبارات المركزية وقطر ما زالا يحاولان جاهدين إنقاذ الاتفاق.
ويختم المقال أنه سواء كان رد نتنياهو يهدف إلى إثارة الرفض من جانب “حماس”، أو إبعاد بايدن عن ظهره، فليس ذلك هو الأمر المهم، إذ إن المأزق الذي يواجهه نتنياهو واضح، حيث وصل إلى طريق مسدود، ولم تعد المماطلة المتكررة وإضاعة الوقت تجدي نفعاً. وهذا أمر ثنائي الأبعاد: صفقة أو لا.