وتشهد الدوائر القضائية على اختلاف درجاتها جداول المناوبة القضائية، بحيث يتولى عمل النيابة العامة قاض واحد في كل محافظة لمدة أسبوع، يستبدل بقاض آخر في الأسبوع التالي إلى نهاية العطلة، وهذا ينسحب على قضاة التحقيق والقضاة المنفردين ومحاكم الجنايات والتمييز بشقيها الجزائي والمدني.
لا شيء يتغير على اللبنانيين مع هذه العطلة، سوى أن تراكم الدعاوى أكثر لدى دوائر النيابات العامة وقضاة التحقيق والمحاكم التي تزداد اختناقا بالملفات ليصبح تأجيلها خيارا لا مفر منه، طالما أن حقوق المتقاضين ليست أولوية.
وأكد مصدر قضائي لـ«الأنباء»، أن العطلة «ستشكل متنفسا للقضاة كاستراحة ولو جزئية، قبل العودة بعد شهرين إلى عام قضائي جديد مثقل بالملفات».
واعتبرت أوساط حقوقية في قصر العدل، «أن العطلة لن تبدل المشهد، طالما أن القضاء يضع نفسه في حالة عطلة أو تعطيل دائم منذ أعلان الاعتكاف عن العمل قبل سنتين، والعودة إلى ممارسة القضاة دورهم بشكل جزئي ومحدود».
وأوضح المصدر لـ «الأنباء» أن «ما يميز العطلة القضائية هو تراكم آلاف الدعاوى التي ستضاف إلى آلاف أخرى عالقة منذ أعوام، وقد فقد أصحابها الأمل باستعادة حقوقهم»، مذكرا بأن القضاة «يعملون بمعدل يوم أو يومين فقط في الأسبوع، ما وضع الإنتاجية القضائية في أدنى مستوياتها».
وما إن تستأنف السنة القضائية الجديدة، حتى يصبح القضاء أمام استحقاق خطير، وربما هو الأخطر في تاريخ السلطة الثالثة، إذ إن مجلس القضاء الأعلى الذي يعد رأس السلطة الثالثة يصبح منحلا بفعل انتهاء ولاية آخر خمسة من أعضائه، ليبقى رئيس المجلس القاضي سهيل عبود دون سواه في موقعه، وهي الأزمة الأكبر التي تعصف بالقضاء منذ تأسيسه.
ويعترف المصدر القضائي بأنها «المرة الوحيدة التي نشهد فيها انفراط عقد رأس هرم العدالة، إذ يستحيل إعادة بناء هيكلية هذا المجلس قبل انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة تتولى إجراء التعيينات في كل المؤسسات بما فيها القضاء».
المشهد المؤلم لا يقتصر على مجلس القضاء فحسب، إذ سبقه إلى ذلك انفراط عقد الهيئة العامة لمحكمة التمييز، وكان ذلك السبب الرئيسي في تعطيل التحقيق العدلي بجريمة تفجير مرفأ بيروت، وهذا الأمر انسحب أيضا على المجلس العدلي المعطل كليا منذ تكليف العضو الأصيل القاضي جمال الحجار على رأس النيابة العامة التمييزية، واستحالة تعيين أو تكليف البديل عنه، علما أن المجلس العدلي هو أعلى محكمة قضائية في لبنان، ويتولى المحاكمات في الجرائم الخطيرة التي تطول أمن الدولة والسلم الأهلي، بما فيها جرائم الاغتيالات السياسية وعمليات الإرهاب، كما أن المعاناة نفسها في هيئة التفتيش القضائي التي تشهد شللا شبه كامل منذ عامين. وتشير الأوساط المعطلة على أجواء قصور العدل «إلى أن أزمة القضاء آخذة في الانحدار أكثر في غياب أي أفق للحل، وتعطيل كل إمكانات البحث عن حلول تخرج القضاء من هذا المأزق الذي دبره أهل السياسة الممعنون في تهديم سلطة العدالة وإحقاق الحق».