لم تظهر اعلانات الحفلات الغنائية الخاصة بليلة رأس السنة في الفنادق الكبرى والصالات والمطاعم، ولم تشهد السوق الاقتصادية الداخلية نشاطا في حركة المغتربين الراغبين تمضية فترة عيدي الميلاد ورأس السنة في البلاد، ولم تتبدل الإجراءات التي فرضتها شركة الطيران الوطنية (طيران الشرق الأوسط) بعد السابع من أكتوبر الماضي، لجهة تقليص حركة الطائرات الخاصة بها في المطار وتخفيف الرحلات. وبدا أن الإجراءات مستمرة في ضوء عزوف غالبية لبنانيي الانتشار عن تمضية فترة الأعياد في «وطن الأرز» لأسباب تتصل بالحرب مع اسرائيل، في ضوء العمليات العسكرية اليومية في بلدات المواجهة في الجنوب اللبناني.
الا أن الحركة تنشط لجهة السياحة الداخلية، وعدم رغبة اللبنانيين المقيمين تبديل عاداتهم، في إقامة حفلات عشاء خاصة بالمناسبتين، وما يعني ذلك من طلب على مأكولات جاهزة بينها أصناف تستورد خصيصا للمناسبتين من الخارج.
الشركات الكبرى الذائعة الصيت في إعداد المأكولات الخاصة بالحفلات الكبرى، نشرت عروضات عن أصناف خاصة بالأعياد، مرفقة هذه المرة بلائحة أسعار بالدولار الأميركي، بعد عودة السوق الداخلية الى اعتماد «الدولرة».
في العامين الماضيين، أرفقت لوائح الطعام بعبارة مفادها بأن الاسعار تحدد في الوقت الذي يطلب فيه الزبائن ما يريدون، اما الآن فالأسعار تتصدر القوائم المعممة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والغلبة او الطلب الأشد في بيروت على «الأغلى» من قبل شرائح واسعة من أفراد المجتمع.
مالكو شركات مأكولات معروفة يتحدثون «عن حجوزات اعتيادية واسعة، وطلب كثيف»، والبعض تحدث عن إجراءات خاصة وعروضات تتضمن تقديم خدمات في الأيام السابقة والتالية لليلتي الميلاد ورأس السنة.
وكشف حسين، صاحب شركة فرضت نفسها في سوق المأكولات اللبنانية منذ أكثر من عقدين، «عن أفضلية في خدمات التوصيل في أيام الذروة للزبائن الدائمين لدينا»، من دون ان يسقط الاهتمام بالزبائن الجدد «وهم كثر منذ فترة. وهذا يشير الى حركة أموال وتشجيع على الانفاق في البلاد».
الا ان الإقبال على حجز الطعام وإقامة مناسبة عائلية في نهاية السنة، لا يعني عدم خسارة قسم كبير من المقيمين في دول الخليج، اعتادوا الحضور الى بيروت والمدن والقرى المقيمين فيها، وتنظيم مناسبات احتفالية. والمثال الأكبر من المقيمين في السعودية، إذ أدى تقليص الرحلات الجوية من المملكة الى بيروت الى انخفاض كبير في عدد قاصدي «وطن الأرز» من أبناء الانتشار اللبناني.
ويتحدث مالك مطعم معروف في ساحل غزير البحري في منطقة المعاملتين قرب «كازينو لبنان» عن «غياب وجوه أعرفها جيدا من المغتربين اعتادوا تسجيل حجوزات في المطعم في الأيام الأخيرة من السنة. الا اني لا أشكو نقصا في الحركة، ذلك ان الحجوزات تكاد تغطي أيام العمل كاملة، علما ان مطعمنا يفتح أبوابه 24 ساعة، وتشغل الطاولات لدينا بمعدل ثلاث مرات كحد أدنى يوميا». وما لم يقله صاحب المطعم المعروف ان معدل الأسعار للشخص الواحد لديه عاد الى تخطي عتبة الخمسين دولارا، أسوة بما كان الأمر عليه قبل الأزمة الاقتصادية والانهيار المصرفي غير المسبوقين في العصر اللبناني الحديث، منذ نهاية 2019.
اما مستوردو الأجبان الفرنسية واللحوم المبردة والبطرخ المصري والسيجار الكوبي ومن بلدان أميركا الوسطى، فبدأوا التحضير لتأمين الكميات المعتادة التي تطرح في السوق سنويا في هذه الفترة. الغالبية منهم لم يتأثروا بتطورات الأوضاع الميدانية في الجنوب، لا بل ان القسم الأكبر اهتم بتأمين كميات من البضائع، تحسبا لأوضاع خاصة بالمطار وظروف الشحن الجوي.
ويرى وائل، الذي يعمل في شركة تعنى بتأمين الولائم خارج العاصمة بيروت، «ان سوق الأكل الأقل تأثرا بالأوضاع غير الصحية في البلاد. هنا في لبنان اعتاد الناس التعاطي مع الأزمات على أنواعها. والمناسبات الكبرى ثابتة لديهم، ولا تتأثر بخضات قد يصل بعضها الى العمليات الحربية. فهل يعيش الناس من دون طعام؟».