وضع الاستهداف الإسرائيلي للقائد العسكري الأول في “حزب الله” فؤاد شكر، سكان الضاحية الجنوبية في حال من القلق والخوف، بعدما كان استقرارهم مستمداً من تطمينات قيادات الحزب بأن العاصمة بيروت لن تكون ضمن بنك الأهداف، إلا أن الأمر انقلب تماماً لا سيما أن “الضاحية” هي المعقل الأساس للحزب حيث توجد مراكزه ومؤسساته ويتحصن قادته السياسيون والأمنيون، ويقطنها نحو 900 ألف مواطن.
استهداف “الضاحية” وما تلاها من تهديدات إسرائيلية بمهاجمة “حزب الله”، وسقوط الخطوط الحمراء، دفع بآلاف المواطنين للنزوح إلى مناطق في جبل لبنان، وبدأ آلاف المواطنين رحلة البحث والطلب عن شقق في مناطق خارج بيروت وبعيدة من البقاع والجنوب لاستئجارها والانتقال إليها في أسرع وقت ممكن.
والخطر في الأمر أن المواطنين اللبنانيين يتدبرون أمورهم بنفسهم وسط غياب تام لأية مساعدة سواء من الدولة أو من “حزب الله”، ويستخدمون مدخراتهم المادية في ذلك، على عكس النازحين من مستوطنات شمال إسرائيل الذين يحظون بتعويضات شهرية إضافة إلى تأمين المساكن الآمنة والصحة والتعليم وكافة مستلزمات الحياة، مما خلق نقمة كبيرة في أوساطهم بات بعضهم يعبر عنها بصورة علنية، لا سيما أن كثيراً من العائلات لا تملك القدرة على تأمين آلاف الدولارات بصورة شهرية.
نكران الجميل
وكشفت أزمة “النزوح” عمق الانقسام الخطر في المجتمع اللبناني، إذ يرفض عدد كبير من المواطنين تأجيرهم شققاً سكنية على خلفية طائفية وسياسية، ويقول رئيس إحدى البلديات في قضاء عاليه (طلب عدم كشف اسمه)، “خلال حرب يوليو (تموز) 2006 فتحنا القرى والبيوت لأهالي الضاحية والجنوب، إلا أن الحزب هاجم تلك القرى في أحداث مايو (أيار) 2008 متنكراً لحسن الضيافة والاستقبال”. وأشار إلى أن هناك مخاوف لدى الأهالي أن يكون هناك مسؤولون في الحزب بين النازحين يعرضون أمن المنطقة للخطر.
وأكد رئيس بلدية عاليه وجدي مراد، أن المنطقة باتت مليئة بالنازحين الذين يتجولون في الشوارع بحثاً عن شقق مفروشة للمكوث فيها خلال المرحلة الحالية، كما أن غالبية المنازل الشاغرة امتلأت بسكان الضاحية الجنوبية وجنوب لبنان، وباتت شبه ممتلئة ولم يعد فيها سوى القليل من الشقق المفروشة.
وأشار إلى أن أصحاب الشقق يشترطون إقامة عائلة واحدة في كل منزل، فمنذ نحو الأسبوع انتقلت عائلة إلى شقة سكنية في المنطقة، لكن صاحب المنزل تفاجأ بأن منزله بات ممتلئاً بأكثر من 20 شخصاً، فاعترض على الأمر، وبغية التحقق من صحة عقد الإيجار ومن سيسكن في الشقة، طلبت البلديات من جميع المستأجرين الحضور إلى البلدية لتوقيع عقود الإيجار، والاتفاق على كلف الإيجار.
في المقابل ينفي رئيس بلدية الغبيري معن الخليل، وجود حركة نزوح كبيرة من الضاحية الجنوبية، مؤكداً أن سكان منطقة الغبيري لم يغادروا منازلهم بعد، فهم واثقون بأن الضاحية لا تزال آمنة، وأن الحركة اليومية طبيعية جداً والمحال التجارية مفتوحة مثل عادتها، ولم تضع البلدية أية خطة للطوارئ على اعتبار أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الدولة اللبنانية.
العرض والطلب
برأي الباحث في مجلة “الدولية للمعلومات” الصحافي محمد شمس الدين، فإن الحكومة اللبنانية غائبة تماماً عن معالجة مصير المدنيين وحمايتهم، معتبراً أنها أعجز من أن تحل أبسط المشكلات التي يواجهونها. وأوضح أنه منذ خمسة أعوام بدأ يعاني أزمة اقتصادية حادة وتوقفت المصارف عن العمل مما أدى إلى شلل كبير في قطاع العقارات لا سيما شراء الشقق السكنية بفعل توقف القروض السكنية، مما أدى إلى انتقال المواطنين إلى خيار الإيجار بل الشراء ومن ثم ارتفاع أسعار الإيجارات، وقبلها موجة النزوح السوري التي أسهمت في ارتفاع أسعار الشقق السكنية.
وأشار إلى أنه منذ اندلاع حرب في جنوب لبنان، شهدت البلاد موجة نزوح كبيرة من المناطق الحدودية باتجاه بيروت وصيدا والنبطية، إلا أن المستجدات الأمنية في الضاحية الجنوبية وتوسع الحرب في مناطق الجنوب أدى إلى اتساع موجة النزوح نحو مناطق جبل لبنان، مما أسهم في رفع إضافي للأسعار.
وكشف عن أنه إضافة إلى 120 ألف شخص تقريباً نزحوا من جنوب لبنان، هناك 45 ألف مواطن تركوا الضاحية الجنوبية خلال أيام قليلة، لافتاً إلى أن الشقق المتوفرة للإيجار لا تتجاوز الـ10 في المئة من المطلوب وهو أمر كفيل برفع أسعارها، إذ ارتفع إيجار الشقق في المناطق المتوسطة من نحو 500 دولار إلى ما يقارب 1200 شهرياً.
فرنجية والجماعة الإسلامية
وتشير المعلومات إلى تنسيق كبير برز أخيراً بين “الجماعة الإسلامية” و”حزب الله” وزعيم “تيار المردة” سليمان فرنجية، حول أزمة النزوح وإمكانية تفاقمها، إذ يتوقع إنشاء مئات مراكز الإيواء في مناطق محافظتي الشمال وعكار، ضمن خطة إخلاء نحو نصف مليون مواطن من الضاحية ونقلهم إلى عكار وطرابلس وزغرتا.
وترتكز الخطة على تجهيز منازل مفروشة وأبنية ومراكز مدنية ودينية، تتوفر فيها مقومات الحياة اليومية، وتتوفر فيها إمدادات المياه والصرف الصحي، وذلك من خلال جمعية “وتعاونوا” الخيرية التابعة لـ”حزب الله” التي تمتلك منذ أعوام مراكز في طرابلس وعكار، إذ نشطت على تقديم المساعدات الطبية والإنسانية.
وفي السياق يشير محافظ عكار عماد لبكي، في تصريح صحافي إلى إدارة لجنة الكوارث بالتعاون مع الصليب الأحمر، تعمل بالتنسيق حالياً مع وزارة التربية، بحثاً عن أبنية مدارس رسمية، قابلة أن تكون مراكز إيواء باعتبار أن الشمال سيكون أكثر بقعة جغرافية سيتوجه إليها النازحون في حال اندلاع الحرب، إضافة إلى تفعيل العمل مع مختلف البلديات والجمعيات، عبر غرفة إدارة الكوارث في المحافظة، لتعزيز جاهزيتها عند أي طارئ.
ويشير لبكي إلى أن العمل جار لتوفير ما قد يحتاج إليه النازحون من بطانيات ومياه وغذاء وأدوية وإمدادات كهرباء وصرف صحي. ويضيف “نحن حالياً في مرحلة التشبيك والاتصالات بالتعاون المباشر مع الصليب الأحمر، ونتعامل مع الظرف وأخطار الحرب بجدية كاملة، بتوجيهات من الحكومة”، مبدياً خشيته من التحديات التي قد تواجه بلديات عكار، في ظل ضعف الإمكانات والموارد، و”أية خطة طوارئ تحتاج إلى تمويل ودعم مالي ولوجيستي”.
الغضب على “حزب الله”
وانعكس تململ اللبنانيين الكبير من “حزب الله” على التعامل مع النازحين الذين يوصفون بأنهم بيئته الحاضنة، إذ اختلف التعامل بصورة واضحة عن حرب تموز 2006، حينها كانت شرائح واسعة من اللبنانيين تعتبر أن “حزب الله” هو مقاومة بوجه إسرائيل، إلا أن الوضع بات مختلفاً تماماً إذ نظرة اللبنانيين باتت توصفه بأنه جيش تابع للحرس الثوري الإيراني وأن حروبه مرتبطة بحسابات إقليمية وليست وطنية.
ويحمل كثيرون “حزب الله” مسؤولية أزمات لبنان السياسية والاقتصادية، لا سيما أنه يمسك زمام القرار ويسيطر على المؤسسات، وبرأيهم هو يتحمل مسؤولية أساسية في الانهيار الاقتصادي كونه يحمي “المنظومة” وقد قوض القضاء من خلال منع ملاحقة حلفائه وكذلك تحقيقات تفجير مرفأ بيروت وكثير من الملفات الأخرى.