صدى الارز

كل الأخبار
مشاهدة متواصلة
تقاريرنا
أرشيف الموقع
Podcast

السيطرة على “أم الوزارات”.. لعبة نبيه بري المكشوفة في لبنان

بقلم : أسرار شبارو - مع بدء الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة في لبنان، القاضي نواف سلام، مشاورات التشكيل، عاد ملف توزيع الحقائب الوزارية ليكون في صلب الجدل السياسي، متخذاً من وزارة المالية عنواناً للخلافات الأساسية التي تعكس تعقيدات التوازنات الطائفية والسياسية في لبنان.

يصر “الثنائي الشيعي” على الاحتفاظ بوزارة المالية، وهي حقيبة يمسك بختمها منذ عام 2014، غير أن هذه المرة، وقد أكد رئيس مجلس النواب، نبيه بري، أن هذا المطلب يستند إلى تخصيص الحقيبة للطائفة الشيعية في مداولات اتفاق الطائف، وقال في تصريح لموقع “أساس ميديا”، “حصولي على حقيبة المال ليس تكريساً للمثالثة ولا للمرابعة. بُتَّت في الطائف ولم تناقش فحسب، ولذا أتمسك بها”.

لكن مراجعة تشكيل الحكومات بعد اتفاق الطائف تشير إلى أن وزارة المالية كانت متداولة بين مختلف الطوائف حتى عام 2014، حين أصبحت حكراً على الطائفة الشيعية.

ويصر زعيم حركة أمل رئيس مجلس النواب على تسمية ياسين جابر لتولي وزارة المالية، وفي هذا الإطار قال بري للحرة إن “المشكلة في تشكيل الحكومة ليست عند الثنائي الشيعي والآخرون يتذرعون بنا”، مضيفا: “خيارنا لوزارة المالية هو ياسين جابر والحملة ضده غير مبررة”.

إصرار “الثنائي الشيعي” على التمسك بحقيبة المالية يثير تساؤلات حول دوافع هذا التشبث، وما إذا كان الأمر يتجاوز الدور التنفيذي الذي تضطلع به الوزارة، ليشكل جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى حماية مصالح سياسية ومالية، وضمان التحكم في الملفات الحساسة داخل الدولة اللبنانية.

أبعد من النفوذ السياسي؟

منذ أن أصبحت وزارة المالية تحت سيطرة “الثنائي الشيعي” عام 2014، تعرّضت هذه الحقيبة الوزارية لاتهامات داخلية ودولية بسبب ما اعتبر توظيفاً لدورها لخدمة أجندات خاصة على حساب المصلحة العامة.

إنضموا الى قناتنا على يوتيوب

كانت البداية مع تسليم الحقيبة إلى معاون الرئيس بري، علي حسن خليل، الذي شغل المنصب حتى استقالة حكومة سعد الحريري عقب انتفاضة 17 أكتوبر 2019، حيث فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات عليه عام 2020، متهمة إياه بـ”التعاون مع حزب الله والتورط في قضايا فساد”.

وجاء في بيان الخزانة الأميركية أن خليل ” عمل على نقل الأموال من الوزارات الحكومية إلى المؤسسات المرتبطة بحزب الله بطريقة جنّبت فرض العقوبات الأميركية. بالإضافة إلى ذلك، استخدم منصبه كوزير للمالية لمحاولة تخفيف القيود المالية الأميركية على حزب الله حتى تواجه المجموعة صعوبة أقل في نقل الأموال”.

كما استخدم خليل، بحسب الخزانة الأميركية، “نفوذ منصبه لإعفاء أحد منتسبي حزب الله من دفع معظم الضرائب المستحقّة على الإلكترونيات المستوردة إلى لبنان، في مقابل دفع جزء من ذلك لدعم حزب الله، واعتباراً من أواخر عام 2019، رفض خليل كوزير للمالية التوقيع على شيكّات مستحقة الدفع للموردين الحكوميين في محاولة للحصول على عمولات. وطالب بدفع نسبة من العقود له مباشرة”.

وعلى الرغم من السجل المثير للجدل لوزارة المالية منذ إسنادها إلى “الثنائي الشيعي”، يبرر الثنائي تمسكه بها بالقول إن اتفاق الطائف خصصها للطائفة الشيعية، غير أن هذا الادعاء يتجاوز وفق ما يقوله الصحفي والباحث الاقتصادي، منير يونس، المسار الدستوري، مؤكداً أن “محاضر اتفاق الطائف لم تتضمن أي تخصيص لوزارة المالية لهذه الطائفة”.

كلام يونس يؤكده الوزير والنائب السابق بطرس حرب، الذي شارك في صياغة بنود الطائف، حيث أوضح في بيان، نشر في 24 يناير، أن الاتفاق لم يقر إيلاء وزارة المالية لأي طائفة بعينها، بل أكد مبدأ المداورة بين الطوائف في الحقائب الوزارية، “بحيث لا تكون أيّ وزارة حكراً على طائفة معيّنة، كما ليس من وزارة محظّرة على طائفة ما”.

ويقول يونس لموقع “الحرة” إن “الثنائي يعتبر وزارة المالية، وسيلة لتأمين مشاركة فعلية في السلطة التنفيذية من خلال ما يعرف بالتوقيع الثالث على المراسيم، إلى جانب توقيعي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة”.

كذلك يرى الكاتب الباحث السياسي، مكرم رباح، في حديث لموقع “الحرة”، أن “إصرار الرئيس بري على وزارة المالية يعكس سعيه لترسيخ مفهوم المثالثة، مستغلاً موقع الوزارة لتعزيز نفوذ الطائفة الشيعية في السلطة التنفيذية”.

ويضيف على ذلك الباحث في الشأن السياسي نضال السبع، في حديث لموقع “الحرة” أن “الثنائي الشيعي” يربط تمسكه بهذه الحقيبة بخساراته السياسية على صعيد رئاستي الجمهورية والحكومة، موضحاً أن “الثنائي يعتبر وزارة المالية ضمانة أساسية للطائفة، بعد تحوّل حزب الله من لاعب يفرض الحكومات إلى طرف يسعى للحفاظ على مكتسباته”.

اختلاس وفساد

لا يتعلق تمسك “الثنائي الشيعي” بوزارة المالية فقط بحماية الطائفة كما يروّج، بل يبدو مرتبطاً بحماية ملفات حساسة، حيث يتمتع وزير المالية بصلاحيات بارزة، أبرزها اقتراح أسماء حاكم مصرف لبنان ونوابه على مجلس الوزراء، وفقاً للمادة 18 من قانون النقد والتسليف.

هذا الدور يفسّر رفض بري استبدال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة خلال فترة ولايته، على الرغم من اتهامه في قضايا فساد محلياً ودولياً، وتحميله مسؤولية كبيرة عن الأزمة المصرفية والمالية التي تعصف بالبلاد.

وبسبب اتهامه بالاختلاس والفساد، أصدر النائب العام التمييزي القاضي، جمال الحجار، قراراً بتوقيف سلامة في سبتمبر 2024.

وسبق ذلك فتح دول أوروبية والولايات المتحدة تحقيقات في أنشطة سلامة، متهمة إياه بالتورط في “جرائم اختلاس أموال عامة، تبييض أموال، وفساد”، وتعتبر هذه الجهات سلامة أحد المسؤولين الرئيسيين عن الانهيار المالي والاقتصادي في لبنان.

وفي هذا السياق، يرى يونس أن وزارة المالية تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية عن الأزمة المالية في لبنان، موضحاً أن “دورها لا يقل أهمية عن دور مصرف لبنان، إذ إنها الجهة الوصية عليه”.

ويضيف “وزارة المالية مسؤولة عن تعيين مفوض الحكومة لدى مصرف لبنان وتدقق في ميزانيته السنوية، لكنها لم تقم بمهامها، مما يجعلها شريكة في الأزمة”.

على العكس من ذلك، يشير الخبير الاستراتيجي في المخاطر المصرفية والاقتصادية، الدكتور محمد فحيلي إلى أن شركة “ألفاريز ومارسال”، المكلفة بإجراء التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، “لم تطلب معلومات من وزارة المالية، بل اقتصرت في طلبها على حاكم مصرف لبنان، لإجراء وإتمام التدقيق الجنائي”.

ويشدد فحيلي، في حديث لموقع “الحرة”، على أن “السرية المصرفية إحدى العقبات الرئيسية أمام مكافحة الفساد في لبنان”.

ويشير إلى أن “التعديلات الأخيرة على قانون السرية المصرفية لم تكن كافية لتحقيق الشفافية المطلوبة”، مستشهداً بتقرير صندوق النقد الدولي الصادر في الربع الأول من عام 2023، والذي شدد على ضرورة إجراء تعديلات إضافية لتحويل القانون إلى أداة فعالة لمحاربة الفساد.

وكان رئيس حزب “القوات اللبنانية”، سمير جعجع، أكد أن “نقطة ارتكاز كل الفساد الذي شهده البلد طيلة الـ 15 عاماً هي وزارة المالية ومصرف لبنان”.

وأضاف، في مقابلة مع قناة mtv في 23 يناير، أنه “يمكن أن يكون وزير المالية شيعياً، ولكن أن لا يكون له أي علاقة بالتركيبة التي كانت قائمة”.

تورّط وتعطيل

من أهمية وزارة المالية كذلك، أنه يمكن استخدام ختمها لتعطيل قرارات حيوية، مثل تعطيل التعيينات القضائية والأمنية والإدارية، كما يوضح رباح.

وهذا ما فعله الوزير الحالي في حكومة تصريف الأعمال يوسف خليل، حيث يلفت يونس إلى “امتناعه عن توقيع التشكيلات القضائية في عام 2022 التي كانت تهدف لتسهيل التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، ما عرقل سير التحقيقات”.

وكانت قد وجّهت إلى الوزير السابق علي حسن خليل تهم بالتورط في انفجار مرفأ بيروت، حيث أصدر قاضي التحقيق في القضية، طارق البيطار، مذكرة توقيف غيابية بحقه في أكتوبر 2021، بعد تغيّبه عن جلسة استجوابه.

وقد وجّه البيطار لعلي حسن خليل اتهامات تشمل جرائم القتل والإيذاء والإحراق والتخريب، جميعها معطوفة على القصد الاحتمالي. كما كلّف قاضي التحقيق كل مأمور قوة مسلحة بتنفيذ المذكرة وسوق خليل فوراً إلى دائرة السجن المختصة.

ومع ذلك، تعطلت الإجراءات القضائية حينها، بعد أن تلقى البيطار طلباً بكف يده عن القضية.

كما تلعب وزارة المالية دوراً محورياً في إدارة الإنفاق الحكومي، وفق ما يقوله فحيلي، حيث يشير إلى أن “توقيع وزير المالية ضروري لصرف الاعتمادات المالية، حتى لو كانت مدرجة في الموازنة العامة. هذه الصلاحية تمنح الوزير قدرة على تعطيل تنفيذ قرارات السلطة التنفيذية”.

ويضيف “توقيع وزير المالية هو بمثابة الركيزة الثالثة في السلطة التنفيذية بعد رئيس الجمهورية المسيحي الماروني ورئيس مجلس الوزراء المسلم السني”.

ورغم ذلك، يرى فحيلي أن إصرار “الثنائي الشيعي” على الاحتفاظ بوزارة المالية “مرتبط بالتوازنات الطائفية داخل السلطة التنفيذية”.

ويقول “رئاسة الجمهورية من حصة الموارنة، ورئاسة الحكومة من حصة السنّة، فيما يسعى الشيعة لضمان صوت قوي ومؤثر في السلطة التنفيذية من خلال وزارة المالية. الأمر يتعلق ببعد سياسي أكثر من ارتباطه بأي اعتبارات أخرى”.

كما تكمن أهمية وزارة المالية كما يشير يونس بالبعد “الإنفاقي”، موضحاً أن هذه الوزارة “تتحكم بالاعتمادات المخصصة للوزارات والإدارات الحكومية، حيث تمر الفواتير الصادرة عن المتعهدين والموردين عبرها، هذا النفوذ يمنحها قدرة واسعة على التحكم بآليات الإنفاق”.

ويبرز رباح بعداً إضافياً لتمسك بري بهذه الوزارة، يرتبط بموقعها في أي عملية إعادة إعمار مستقبلية.

ويقول “وزارة المالية تمنح بري ورقة مهمة في إدارة الأموال التي قد تأتي لدعم إعادة الإعمار”، لكنه يلفت إلى أن الوزارة “محكومة بشروط وإصلاحات يفرضها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي”.

ويضيف رباح أن “أي إصلاحات مستقبلية في وزارة المالية ستكون خاضعة مباشرة لمتطلبات الجهات الدولية المانحة”، معتبراً أن “تمسك بري بالوزارة يعكس محاولة للبحث عن وسيلة للنجاة من التحديات التي تواجه الثنائي الشيعي”.

يذكر أن رئيس جهاز العلاقات الخارجية في حزب “القوات اللبنانية”، الوزير السابق ريشار قيومجيان، اختصر أهمية وزارة المالية في منشور له على منصة “إكس”، في 23 يناير، أشار خلاله إلى أن هذه الوزارة تمنح “إمكانية التحكم، الابتزاز، التعطيل، وعرقلة عمل الحكومة والوزارات. فالوزير يحدد أولويات الصرف: متى؟ ولمن؟ وبأي عملة؟”.

وأوضح قيومجيان أن وزير المالية يمتلك القدرة على “تعطيل التعيينات والتشكيلات القضائية والأمنية والإدارية من خلال الامتناع عن توقيع المراسيم، وعرقلة التحقيق الجنائي في ملفات الفساد، والتدخل في موازنات الوزارات الأخرى، بالإضافة إلى اقتراح تعيين حاكم مصرف لبنان، والتمتع بالكلمة الفصل في خطة التعافي المالي”.

واعتبر أن تمسك الثنائي الشيعي بهذه الوزارة يأتي بدوافع “أوهام سيطرة ونفوذ حزبي، تتجلى زوراً باسم الطائفة وموقعها في السلطة والنظام، والذي يضمنه أصلا الدستور والميثاق”.

محميات محصنّة

يصف يونس وزارة المالية بـ”أم الوزارات” نظراً لأهميتها، مؤكداً أن هذه الوزارة تدار في لبنان بعيداً عن الأهداف الإصلاحية.

ويوضح أنه “كان يفترض بهذه الوزارة أن تقود إصلاحات ضريبية ومكافحة التهرب الضريبي والجمركي، لكنها لم تفعل، في ظل سيطرة الثنائي الشيعي عليها”.

ويضيف يونس أن غياب الإصلاحات جعل الوزارة “محط شبهات فساد كبيرة”، مشيراً إلى أن “الدولة اللبنانية بأكملها تعاني من الفساد، لكن وزارة المالية تحوم حولها الشبهات الأكبر بسبب وجود دوائر محصّنة تعتبر بمثابة محميات لا يمكن المساس بها، لذلك إصلاحها خاصة في المجالين الضريبي والجمركي، يجب أن يكون أولوية مطلقة”.

أياً يكن، فإن تمسك الثنائي بهذه الحقيبة، وتسمية الوزير والنائب السابق ياسين جابر لتوليها، يتناقض كما يقول السبع “مع الرؤية السعودية الداعية إلى تشكيل حكومة اختصاصيين بعيدة عن المحاصصة السياسية”.

ويؤكد أن “السعودية تمارس ضغوطاً على الرئيس المكلف نواف سلام للإسراع في تشكيل حكومة تلبي تطلعات الشعب اللبناني، بدلاً من توزيع الحقائب الوزارية كمكافآت سياسية”.

ويشير السبع إلى أن سلام يواجه خيارين أحلاهما مرّ، حيث إن “التجاوب مع مطالب الثنائي الشيعي قد يتيح له تشكيل الحكومة ونيل ثقة البرلمان، لكنه قد يؤدي إلى امتعاض سعودي وخليجي ينعكس سلباً على الدعم الخارجي للبنان”.

ويستشهد السبع بتصريحات رجل الأعمال الإماراتي خلف الحبتور الذي أعلن أمس، الثلاثاء، عزوفه عن الاستثمار في لبنان، “ما يعكس تزايد الامتعاض الخليجي”.

في المقابل، التزام سلام بالنصائح السعودية يعني كما يقول السبع “تشكيل حكومة اختصاصيين بعيدة عن المحاصصة، لكنه قد يخلق تصادماً داخلياً يعوق حصول الحكومة على 65 صوتاً لنيل الثقة، رغم حصول سلام على 85 صوتاً عند تكليفه”.

في وقت يواجه فيه لبنان تحديات أمنية واقتصادية واجتماعية، يبقى التمسك بالحصص الطائفية مؤشراً على استمرار النهج القديم الذي يدفع بالبلاد نحو مزيد من التدهور، في ظل غياب أي إرادة حقيقية للخروج من هذه الدوامة.

تابعوا أخبارنا على Google-News

نلفت الى أن منصة صدى الارز لا تدعي بأي شكل من الأشكال بأنها وسيلة إعلامية تقليدية تمارس العمل الإعلامي المنهجي و العلمي بل هي منصة الكترونية ملتزمة القضية اللبنانية ( قضية الجبهة اللبنانية) هدفها الأساسي دعم قضية لبنان الحر و توثيق و أرشفة تاريخ المقاومة اللبنانية منذ نشأتها و حتى اليوم

ملاحظة : التعليقات و المقالات الواردة على موقعنا تمثل حصرا وجهة نظر أصحابها و لا تمثل آراء منصة صدى الارز

اكتشاف المزيد من صدى الارز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading