وبقيت الكواليس السياسية أمس، تضجّ بالكثير من التقديرات والقليل من المعلومات بإزاء ما يوصف بأنه «الأمتار الأخيرة» من مسار التفاوض بين المعارضة والتيار الحر، حول ترشيح أزعور وسلّة الضمانات المطلوبة قبل «إبرام» تَفاهُمٍ لن يكون حصوله، إذا قُدِّر له أن يولد، إلا على طريقة «الخيار الاضطراري» الذي أَمْلاه تَقاطُع الحاجة بين طرفيْ الاتفاق المفترض إلى ترشيحٍ «متناسِب» مع تبني «حزب الله» ورئيس مجلس النواب نبيه بري لزعيم تيار «المردة» سليمان فرنجية.
وفي حين اتسعت «رقعة انتشار» نظرية أن رئيس «التيار الحر» النائب جبران باسيل أعطى موافقة مبدئية على دعم أزعور بعدما حُشر في زاوية إمكان طرْح النائب في تكتله إبراهيم كنعان، للرئاسة، كانت مصادر سياسية تشير إلى أن باسيل سرّب الـ «نعم» لأزعور ولكنه لم يُعْطِها، وأنّ هذا الخيار يواجه تعقيدات داخل تكتله، حيث يدور نقاش حول صوابية مقاربة الاستحقاق الرئاسي من دون مراعاة وقائع ومتغيراتٍ تجعل من غير الواقعية التغريد رئاسياً بمعزل عن «حزب الله» ولا سيما في ظل التحولات العميقة في التوازنات اللبنانية التي تستدعي تعريفاً جداً لـ «المسيحي القوي» يرتكز على «الحنكة» وعدم السير عكس التيار الإقليمي، الذي كان «التيار الحر» سبّاقاً في فتْح مساراتٍ ومساربَ له مسيحياً.
ووفق المصادر، فإن باسيل الذي يدرك تماماً حجم التعقيدات التي باتت تكمن له داخل تكتله ولم يعُد سراً أن «حزب الله» صار «شابِكاً» مع أجنحة فيه، لم يقل كلمته النهائية بعد في ما خص اسم أزعور، وأن الرهان لم يسقط من فريق الممانعة على أن يعود باسيل، سواء بقوة دفْعٍ من كتلته أو بقوة الأمر الواقع وتوازناته، إلى أحضان هذا الفريق وتغطية خيار فرنجية على قاعدة أنه «جايي جايي»، بدعْم رئيس التيار أو من دونه، وأن ثمة مصلحة للأخير بأن يَظهر وكأنه هو الذي أتى به ولو عبر تأمين النصاب، فيعمد مَن اختاروا في تكتله «مركب» زعيم المردة أو لا يمانعونه إلى التصويت له باعتباره أفضل ترجمة لاستراتيجية «صفر مشاكل» في المنطقة كونه «مرشّح أقوى طرف عسكري لإيران».
في موازاة هذا البُعد، ترى أوساط أخرى أن ما سُرّب عن ضمانات مطلوبة من باسيل من قوى معارِضة تتصل بتعهّده أن يصوّت كامل تكتله لأزعور يعكس تحديداً القراءة التي أشارت إليها المصادر السياسية، وسط ارتيابٍ مشروع في بعض الدوائر من أن يتحوّل نزول المعارضة إلى جلسة انتخاب رئاسية وتأمين نصابها بمثابة «فخّ» يسمح بتمرير فرنجية، وهو ما يجعل هذه الأوساط ترى أن المعارضة في غالبيتها تتساوى مع ثنائي «حزب الله» وبري في اشتراط ضمان فوز مرشحها قبل توفير أكثرية الثلثين لافتتاح أي جلسة.
وفيما كان لافتاً أمس، إعلان المعاون السياسي لبري النائب علي حسن خليل أن «منطق النكد السياسي لا يبني وطناً، منطق أن قوى سياسية تجتمع فقط على قاعدة إسقاط المرشح الذي دعمناه أي سليمان فرنجية وذلك من أجل التعطيل وهي تعرف تماماً أنها لا تملك الرؤيا الموحدة أو الموقف الموحد»، استوقف الأوساط السياسية تَهَيُّب أزعور نفسه أن يكون مرشح منافَسة لفرنجية ورغبته في أن يكون مرشح إجماع وتوافق، مشيرة إلى ما نقلته قناة «الجديد» عن أن أزعور أبلغ الجميع أنه «لا يريد أن يكون رئيس تحدّ، لأنه يدرك أنه سيسقط عند أوّل مطب في مجلسِ النواب».
ووفق القناة فإن أزعور، وهو مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، أمضى يومين في لبنان قبل أن يعود مع وفد الصندوق إلى الرياض، حيث يشارك في مؤتمر اقتصادي، وهو التقى عدداً من الشخصيات والمسؤولين في بيروت، بينهم باسيل وبري الذي قال له «لا شيء ضدك، لكن نحن كثنائي لدينا مرشحنا الطبيعي سليمان فرنجية، ومتمسّكون به وروح شوف طريقك».
وفي سياق متصل، حملت عظة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أمس، إشارةً إلى تلقفه بإيجابية ما يثار حول احتمال التقاطع بين المعارضة و«التيار الحر» على اسم أزعور، معلناً «نود أن نشكر الله على ما نسمع في شأن الوصول إلى بعض التوافق بين الكتل النيابية حول شخصية الرئيس المقبل، بحيث لا يشكل تحدياً لأحد، ويكون في الوقت عينه متمتعاً بشخصية تتجاوب وحاجات لبنان اليوم وتوحي بالثقة الداخلية والخارجية».
وجاء كلام الراعي عشية وصوله مساء اليوم الى فرنسا آتياً من الفاتيكان على أن يلتقي الرئيس ايمانويل ماكرون غداً وسط اقتناعٍ لدى دوائر عدة بأن دور باريس في الملف الرئاسي تراجَع بعدما قام على تحيُّز نافر لفرنجية، ما أثار استياء مسيحياً عارماً لإدارته الظهر لموقفٍ رافض لزعيم «المردة» في البيئة المسيحية، كما أنه لم يلْقَ قبولاً من واشنطن التي رغم انكفائها عن الانخراط المباشر إلا أنها تواكب الملف الرئاسي.
ويسود اقتناعٌ في أوساط على دراية بموقف محور «الممانعة» أن الأميركيّ اختار الدخول إلى الملف الرئاسي عبر «طرف ثالث» خارجي بما يجعل أي انكسارٍ لخيار هذا الطرف خسارة له لوحده، وهو ما يعزّز انطباعَ هذه الأوساط بأن واشنطن في النهاية ستتعاطى مع أي رئيسٍ لبناني لن يأتي بالنتيجة إلا عبر البرلمان ولو بعد أن تأخذ لعبة الإنهاك مداها على قاعدة أن «الرئيس هو فرنجية» الذي يستفيد من الرفع المتدحرج لفيتوات خارجية عنه، وإن من دون أن ترتقي الى مستوى الـ «نعم» لانتخابه.