وقد تمت الجولة الاولى بشفافية وديموقراطية وبمعايير لوجستية وأمنية جيدة وخلت هذه العملية من أي مشكلات غير عادية على الرغم من بعض التشنج الذي رافق سير هذه الانتخابات ذات الطابع العائلي والإنمائي بالدرجة الأولى والتي لا تخلو من مزاج سياسي وحزبي لتحديد الأحجام قبيل استحقاق الانتخابات النيابية العام المقبل.
وقد أظهرت النتائج وجود تحالفات سياسية متباينة بين منطقة وأخرى، وفيما حلّ التوافق بين «حزب الله» و«حركة أمل» في معظم البلدات والقرى الشيعية في أعالي جبيل والضاحية والقماطية في عاليه وجون في الشوف ما أدى إلى فوز هذه لوائح «التنمية والوفاء» في عين الغويبة، بشليدا وفدار، رأس أسطا، حجولا، فرحت، والمغيري، إنسحب هذا التوافق على بعض البلدات الدرزية الكبرى بين الحزب التقدمي الاشتراكي والحزب الديمقراطي اللبناني ولاسيما في الشويفات وعاليه مع تسجيل تنافس في بيصور والباروك وغيرها من القرى، فيما شهدت البلدات السنية في إقليم الخروب غياباً ل «تيار المستقبل» ومشاركة لمناصريه.
أما «أم المعارك» الانتخابية فتركزت في البلدات المسيحية وخصوصاً بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» ولوحظ تحالف «التيار» في بعض البلدات في جبيل مع النائب السابق فارس سعيد، في وقت جمع تحالف عريض في جونيه «القوات» مع الكتائب والنائبين نعمة افرام وفريد هيكل الخازن والنائب السابق منصور البون ما أدى إلى فوز اللائحة، وهذا ما حصل ايضاً في بلدية الجديدة سد البوشرية من خلال فوز لائحة أوغست باخوس المدعومة من كل من النائب ابراهيم كنعان والقوات والكتائب.
البلدات المسيحية
فيما أعلن «التيار الوطني الحر» الفوز في عدد من البلدات المسيحية بين عمشيت والمنصورية والحدث والكحالة وسوق الغرب وغيرها من البلدات وصولاً إلى تحالفه مع حزب الوطنيين الأحرار في دير القمر والفوز بالبلدية في مواجهة لائحة مدعومة من نائب «القوات» جورج عدوان والوزير السابق ناجي البستاني.
اتحاد بلديات المتن
وهكذا، فإن سقوط مرشحي «التيار الوطني الحر» في كل من جونية وجبيل والجديدة ورشميا قابله فوز في بلدات أخرى، للتأكيد أن هذا «التيار» ما زال حاضراً واستطاع إثبات وجوده على الرغم من النكسات التي تعرّض إليها، لترتسم صورة نوعاً ما عما ستكون عليه طبيعة المعركة النيابية في أقضية جبل لبنان بعد عام.
وفي انتظار إعلان النتائج الرسمية للانتخابات البلدية في المتن، تدور علامات استفهام حول من سيترأس اتحاد بلديات المتن، وهل استطاع حزب الكتائب تأمين العدد الكافي من البلديات المنضوية في الاتحاد لانتزاع الرئاسة من رئيسة بلدية بتغرين ميرنا المر شقيقة الوزير السابق الياس المر أم أن الأخير تمكن من تحقيق الفوز الذي يمكّنه من إبقاء رئاسة الاتحاد بعهدة شقيقته؟ وقد قال المر إنه «تم الفوز بـ19 بلدية من أصل 33 المنتمية إلى اتحاد بلديات المتن» مضيفاً أن «رئيسة الاتحاد ميرنا المر، تُحقق تقدّماً لافتاً لتصل إلى ما بين 20 و22 بلدية، حسب الإحصاءات الأولية».
تزامناً، عقد وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجار مؤتمرًا صحافيًا تناول فيه الانتخابات البلدية والاختيارية في محافظة جبل لبنان، شاكراً «كل من ساهم في إنجاح العملية الانتخابية» لافتًا إلى «الجهد الكبير الذي وُضع من أصغر موظف لأكبر موظف» مؤكدًا أنه «سيتابع العمليات الانتخابية في الأسابيع المقبلة». وقال: «قد أشرفتُ على النتائج بشكل مباشر مع جميع المعنيين، حيث تصدر النتائج عن لجان القيد، وتُسلَّم إلى القائمقام والمحافظ، كما طلبتُ منهم رفعها إلى وزارة الداخلية لأشرف عليها بنفسي، وذلك للتأكد من عدم وجود أي خطأ ولضمان أن تكون النتائج دقيقة ومؤكدة».
وأضاف الوزير «وضعنا برنامجًا على الحاسوب للتدقيق في النتائج قبل إعلانها بشكل نهائي عبر موقع وزارة الداخلية». وأشار إلى «أن وزارة الداخلية ستقوم بعملية تدقيق شاملة لكل الأسبوع الانتخابي لتدارك الثغرات والمشاكل اللوجستيّة التي حصلت وتلافيها في الأيام الانتخابية المقبلة».
وتابع «ستصدر النتائج تباعًا خلال الساعات القليلة المقبلة، وقد اتخذنا القرار النهائي بإجراء الانتخابات في موعدها، رغم التحفظات وقلة الإيمان في إمكانية تحقق ذلك، ونجاح هذه الإنتخابات يعود إلى جهود الدولة وموظفيها، ووسائل الإعلام، ووعي المواطنين ومحبتهم لوطنهم وإيمانهم بإعادة تفعيل العمل الإنمائي في بلداتهم» وختم «مما لا شكّ فيه أن انطلاق العهد الجديد وتشكيل الحكومة انعكسا إيجابًا على كل البلد».
تهنئة الرئيس
وهنأ رئيس الجمهورية العماد جوزف عون الفائزين في الانتخابات البلدية والاختيارية، مثنياً «على انجاز المرحلة الأولى منها التي انطلقت في محافظة جبل لبنان في اجواء من الديمقراطية والشفافية، وعكست من خلال اقدام المواطنين على المشاركة الفاعلة فيها اصرارهم على ايصال اصواتهم وايمانهم العميق بأهمية العمل البلدي ودوره الاساسي في تعزيز التنمية المحلية».
وشدد أمام زواره الذين التقاهم في قصر بعبدا على «أن هذه الانتخابات تؤكد أن لبنان يخطو على مسار النهوض والتعافي، رغم كل الازمات والتحديات التي مر بها».
كما نوّه «بالجهود التي بذلتها وزارة الداخلية والقوى الامنية في سبيل إتمام هذا الاستحقاق والمحافظة على حسن سير العملية الانتخابية» متوجهاً «بالشكر إلى جميع من ساهم في انجاح هذه المرحلة، والوسائل الإعلامية التي واكبتها في كافة الأقضية منذ الصباح الباكر وحتى ما بعد صدور النتائج». واعتبر «أن المسؤولية تبدأ بعد الانتخابات، وأن خدمة المواطنين وتلبية احتياجاتهم هي الهدف الأساسي من العمل البلدي والاختياري». وختم «رغم التنافس فيها، فإنها تبقى مناسبة لتعزيز الوحدة والتضامن بين أبناء الوطن» معولاً «على استكمال مراحلها اللاحقة بالزخم والمناقبية اللتين اتسمت بهما المرحلة الأولى».
تقرير «لادي»
وأصدرت «الجمعية اللبنانية لديمقراطية الانتخابات ـ لادي» تقريرها عن الانتخابات البلدية والاختيارية، وتحدثت عن «ثغرات لدى هيئات الأقلام وخروقات للصمت الانتخابي وسرية الاقتراع رغم التنظيم الجيد».
ومما جاء في مقدمة التقرير الأولي «مع انتهاء المرحلة الأولى يمكن الحديث عن عدد من الإيجابيات، بدءًا من النجاح في إجراء الاستحقاق في موعده، رغم كل الظروف المحيطة، وكل الشكوك حول تأجيل الانتخابات، وصولاإلى استجابة وزارة الداخلية السريعة للشكاوى، ولكن أيضًا يجب التنبيه إلى الثغرات التي اعترت العملية الانتخابية، خصوصًا في ما يتعلق بضعف هيئات أقلام الاقتراع، وعدم إلمامها بالقانون الانتخابي، إضافةً إلى الخروقات التي سُجلت للصمت الانتخابي وسرية الاقتراع، وكذلك الإشكالات الأمنية والفوضى في بعض المراكز».
وأعلنت الجمعية أنها «ستُواصل عملية المراقبة حتى انتهاء مهل تقديم الطعون والبت فيها لدى مجلس شورى الدولة» مشيرة إلى «أن فرق الجمعية انتشرت على الأرض من خلال 300 مراقب ومراقبة، توزّعوا بين 200 مراقب ومراقبة ثابتين في أقلام ومراكز الاقتراع، و100 آخرين جوّالين تنقلوا بين المراكز، بالإضافة إلى فرق ليلية خُصصت لمراقبة عمل لجان القيد بعد إقفال الصناديق». وقالت «جرت الانتخابات في 263 بلدية ضمن محافظة جبل لبنان، بعدما أعلنت وزارة الداخلية والبلديات فوز 70 بلدية بالتزكية، موزّعة على مختلف الأقضية». ورأت أنه «في السياق العام الذي جاءت فيه هذه الانتخابات، فهو سياق استثنائي ودقيق، ما يعزّز من أهميتها».
وأضافت «فهي الأولى منذ تسع سنوات، بعد ثلاثة تمديدات متتالية للمجالس البلدية والاختيارية، كما أنها تُجرى للمرة الأولى منذ بدء الانهيار الاقتصادي في عام 2019 الذي أضعف قدرات البلديات وفاقم الأزمات المعيشية والخدماتية في مختلف المناطق اللبنانية. كما أن هذه الانتخابات جاءت أيضًا في ظل ظروف سياسية وأمنية معقدة، بفعل تداعيات الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان واستمرار الاعتداءات على بعض مناطقه، إلى جانب تصاعد الخطاب الطائفي خلال الحملات الانتخابية، ما أضفى مزيدًا من التوتر على الأجواء العامة. وقد أحاطت أجواء من الضبابية بهذه العملية الانتخابية حتى اللحظات الأخيرة، مع استمرار الشكوك في إمكانية إجرائها ضمن المهلة الدستورية، خصوصًا في ظل غياب حسم مصير الانتخابات في العاصمة بيروت، وهو ما انعكس تفاوتًا في الحماسة الشعبية للمشاركة بين منطقة وأخرى».