منذ نحو عام أقفلت الدوائر العقارية في محافظة جبل لبنان إثر ملاحقات قضائية لعدد من الموظفين على خلفية شبهات فساد بناءً على إشارة المحامي العام الاستئنافي في جبل لبنان سامر ليشع. وطوال الأشهر الماضية لم تتوقف معاملات المواطنين إثر هذا الإقفال فحسب، بل انعكس ذلك على قطاعات عدة معنية بالقطاع العقاري، من تجار مواد البناء إلى أعمال المهندسين ومشاريعهم.
وقد تسبب إقفال الدوائر العقارية في جبل لبنان في حرمان أبناء هذه المحافظة من تسجيل معاملاتهم وتسديد الرسوم المطلوبة على سعر صرف 1500 ليرة لبنانية مقابل الدولار على غرار ما يحصل في الدوائر العقارية للمحافظات الأخرى، إذ يرجح أن يضطروا إلى تسديد الرسوم على سعر صرف أعلى من المفترض أن تحدده موازنة عام 2024، إذا لم يُعد فتح الدوائر قبل نهاية العام الحالي.
عشرات آلاف المعاملات متراكمة منذ نحو عام، وأعمال متوقفة في مختلف القطاعات المعنية التي قد يصل عددها إلى 83، وخسائر بالملايين تكبدتها خزانة الدولة جراء هذا الإقفال. واليوم، تعود هذه القضية إلى الواجهة مع أحاديث عن إعادة فتح الدوائر العقارية في جبل لبنان في القريب العاجل، فهل تصدق الوعود هذه المرة؟
حلول قريبة وموعد محدد
أعادت الدوائر العقارية في مختلف المحافظات الأخرى فتح أبوابها يوماً أو اثنين في الأسبوع، فيما بقيت تلك التي في محافظة جبل لبنان مقفلة. وتشير الأرقام إلى وجود 70 ألف معاملة متوقفة ما بين تلك المقدمة قبل الإقفال وتلك التي في صدد أن تتقدم. فعندما فتحت ملفات الفساد في الدوائر، طاولت الملاحقات كل الموظفين فيها الذين يبلغ عددهم 124 موظفاً. وفي ظل الشغور الحاصل، وفي غياب المخطط الواضح لضمان استمرارية هذا المرفق وتجنب كل ما لإقفاله من تبعات، أقفلت الدوائر في جبل لبنان. وطوال الأشهر الماضية، استمرت المساعي من قبل كافة الجهات المعنية لإعادة فتح هذا المرفق الحيوي الذي يشكل إقفاله خسائر فادحة لخزانة الدولة.
وتكررت الوعود، وفشلت المحاولات، لكن يبدو أن الأمور تتخذ منحى إيجابياً هذه المرة، ومن الممكن أن تتكلل المحاولات بالنجاح، وهذا ما أكده عضو تكتل الجمهورية القوية النائب رازي الحاج الذي يتابع الملف، مشيراً إلى أنه إثر اجتماع لجنة الإدارة والعدل الأخير الذي ضم كل المعنيين، توصل المجتمعون إلى اتفاق حول خطوات عديدة ستتخذ في الأيام المقبلة لإعادة تشغيل هذا القطاع المشلول منذ عام، فقد حرمت الدولة من الملايين التي يدرها على الخزانة، فيما هي في أمس الحاجة إلى هذه الأموال. وأولى الخطوات التي اتخذ القرار في شأنها، أن يقدم وزير المالية على اختيار موظفين من وزارته لينتقلوا إلى الدوائر العقارية لتسيير الأعمال المتراكمة، على أن يعود إلى العمل الموظفون الذي لم تصدر أحكام في حقهم في قضايا الفساد والهدر والرشى، كون هذا المرفق قد أقفل طوال الأشهر الماضية بسبب الشغور وعدم حضور الموظفين. ومن الخطوات التي اتفق المجتمعون عليها إجراء مباراة عبر مجلس الخدمة المدنية خلال الأيام الـ10 المقبلة لتعيين موظفين جدد حتى يعاد فتح المرفق، كما اتخذ القرار بأن يسدد المواطنون رسوم المعاملات التي كانت متوقفة على تسعيرة 1500 ليرة للدولار لتحقيق العدالة مع باقي المواطنين الذين سددوا الرسوم في دوائر أخرى على هذا الأساس.
بحسب الحاج، فتح هذا الملف القضائي بصورة ارتجالية بوجود شبهات فساد، لكن كان من المفترض التفكير باستمرارية هذا المرفق العام الذي تجرى فيه نسبة 60 أو 65 في المئة من المعاملات في البلاد، كما أن نسبة 65 في المئة من إيرادات الدوائر العقارية هي من محافظة جبل لبنان.
هذه المرة ليست كسابقاتها
إعادة فتح الدوائر العقارية في جبل لبنان مسألة أكدها أيضاً مصدر رسمي في الشؤون العقارية لـ”اندبندنت عربية”، موضحاً أن هذه المرة ليست كسابقاتها، وقرار إعادة فتحها جدي بعد كل المساعي، إذ من المفترض أن يعاد فتح هذا المرفق خلال أيام معدودة بالفعل.
كل ما له علاقة بالبناء والبيع والشراء في العقارات والرخص وغيرها من الشؤون العقارية متوقف منذ عام، ويتحمل المواطن العبء الأكبر كالعادة. ليس من الممكن أن يستمر الوضع على حاله لأن هذا القطاع المشلول أثر سلباً في الاقتصاد اللبناني. وتشير التقديرات إلى أن الخسائر قد تتخطى 250 ألف دولار شهرياً جراء هذا الإقفال الذي شل الحركة العقارية.
من جهته اعتبر المهندس شربل أبو جودة أن إقفال الدوائر العقارية في جبل لبنان “مؤامرة هدفها ضرب الاقتصاد اللبناني”، إذ تعد محافظة جبل لبنان مركز الثقل في المجال العقاري. وقال “توقفت 5000 رخصة بناء و3000 ملف عقاري وكافة عمليات البيع والشراء، وكل ما له علاقة بقطاع البناء، مع كل ما لذلك من تداعيات على المواطن، من دون أن ننسى أعمال المحامين والعقود وأعمال الزراعة ومجال المفروشات، فكلها متأثرة بهذا الإقفال، وهناك رسوم بناء بمليون دولار خسرتها الدولة خلال العام الماضي، وكأن في ذلك قراراً بتدمير لبنان، فكيف للاقتصاد اللبناني ألا يتأثر إذا كان يعتمد في نسبة 60 أو 65 في المئة منه على البناء؟ كان هذا الإقفال مدمراً على المستويين الاقتصادي والمالي بالفعل، وما حصل كان على حساب المواطن مع تجميد 70 ألف معاملة”.
ملاحقات عشوائية
التغاضي عن الفساد والعمليات المشبوهة والرشى ليس مطلباً على رغم ذلك، كما يوضح أبو جودة، إلا أن “المحاسبة تبدأ بالمراقبة لتوقيف الفاسد بعد ضبطه بالجرم المشهود، ولا تشمل 120 موظفاً بطريقة عشوائية. وعلى أثر المحاسبة، من المفترض توفير البديل عن الفاسد لتجنب شل المرفق العام الذي له كل هذه الأهمية. أما من هو فاسد، فليحاسب وفق الأصول القانونية من دون إذلال الكل والإساءة إلى سمعتهم”، بحسب المهندس.
ويتساءل أبو جودة حول كون المحاسبة طاولت الدوائر العقارية في جبل لبنان تحديداً، وكأن ذلك متعمد، فيما استمرت باقي الدوائر العقارية بالعمل وتقاضي الرسوم من المواطنين على تسعيرة 1500 ليرة مقابل الدولار، مما يؤكد انعدام المساواة في حال تطبيق تسعيرة أعلى لمعاملات جبل لبنان، علماً أن هذه المحافظة تشكل مركز الثقل الاقتصادي، حيث ترتفع أسعار العقارات فيها، وخصوصاً مقارنة مع باقي المناطق.