مثلا، جعجع توجه للحزب أن “إذا كان أخطأ في حساباته وفي دخوله الحرب “فالرجوع عن الخطأ فضيلة”، معتبرا ان يجب “وقْف الحرب العبثيّة التي لا مبرّر ولا أفق لها”، و”أنْ يفعلها الحزب متأخراً خيرٌ من انْ لا يفعلها ابداً لأنّ ما خسرناه على فداحته قليلٌ مقارنةً بما قدْ نخسره لاحقاً. على حزب الله ان يتحلّى بشجاعة اتخاذ الموقف الوطنيّ الصحيح لأنه لا يكفي أن يتحلى بشجاعة القتال فقط”….
والى دعوته الصريحة للحزب هذه والتي اعتبر فيها ان وقف الحرب هو “شجاعة” وليس هزيمة او كسرا للحزب، قال جعجع “إنّ قراءتنا لعناصر القوة الوطنية تدفعنا إلى مصارحة “حزب الله” بأنّ حزن وألم عائلات شهدائهمْ وجرحاهمْ لا يعني شعور فرحٍ وغبطةٍ لدينا او لدى لبنانيين آخرين. بلْ على العكس، نحن نحزن لسقوط لبنانيين إخوةٍ لنا وشركاء في الوطن، ولما يحلّ في الجنوب من دمارٍ وخراب، ولما يصيب أهلنا منْ مآسٍ وحروبٍ حاولْنا كثيراً بمواقفنا وعملنا السياسيّ والنيابيّ تجنيبهم إيّاها”… واستطرد “إنّ ما يصيب أيّ طرفٍ لبنانيٍّ يصيبنا نحن أيضاً، ومنْ غير الصّحيح أنّنا نراهن على هذا العامل أو ذاك الاستحقاق أيّاً وأنّى يكنْ. رهاننا الوحيد كان وسيبقى على أنفسنا ووعْي اللبنانيين الآخرين. ولنا مثالٌ حيٌّ على ذلك في مصالحة الجبل التاريخية، التي نتمسّك بها ونحميها برموش عيوننا كلّ الوقت، ونتطلّع الى أنْ تكون مثالاً يحتذى، وكبقعة الزيت تمتدّ تباعاً جنوباً وشمالاً وشرقاً لتشمل كلّ الجغرافيا اللبنانيّة قاطبةً”. وشدد جعجع على أن “رهاننا أنْ نبقى موجودين كلّنا، بشراكةٍ حقيقيةٍ كاملة، بتركيبةٍ للدولة تحقّق هذه الشراكة، وبعيداً عن استئثار أيّ مكوّنٍ لبنانيٍّ بالسّلطة لوحده، منْ خلال تشكيله قوةً مسلّحةً خارج الدولة مهما كانت الحجج والمبرّرات”.
وضع جعجع اذا بخطابه هذا، حدا نهائيا لمَن يحاولون إلباسه تهمة العمل على زرع الفتن والشقاق والقسمة بين اللبنانيين واعلن تمسّكه بوضوح، بالشراكة، على ان تكون الدولة راعية الجميع وتتعاطى مع القوى كلها، والاخيرة تتعاطى مع الدولة ايضا، على قدم المساواة. ايضا، وبكلماته المدروسة التي تعاطف فيها جعجع مع ما يصيب بيئة الحزب، رد على كل الحملات التي شُنت وتشن منذ اشهر ضد القوات، لتصويرها وكأنها تفرح لما يصيب الحزب، وانها تراهن على استمرار القتل، لانهائه، والاستفادة مِن هذا الواقع في السياسة في المستقبل. بل دعا الى حقن الدماء ووقف هذا الحمّام الذي تدفع ثمنه بيئة الحزب قبل اي طرف آخر.. جعجع مد اليد للحزب وخاطبه بالعقل والفكر لا بالغريزة، تتابع المصادر، واقترح ايضا التحاور معه ومع الجميع حول طاولة في بعبدا لكن بعد انتخاب رئيس للجمهورية.
رغم كل ذلك، سارع المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان في بيان، الى الرد على جعجع قائلا “يجب أن تتعلم من التاريخ، لأن من لم يتعلم من التاريخ تأكله زلات اللسان، وكأساس للموقف الوطني أقول: لبنان التضحيات والإنتصارات السيادية لا يد لواشنطن وتل أبيب فيه، والوظيفة السياسية التي تخدم إسرائيل لا محل لها في هذا البلد، والخطاب الذي يمر بتل أبيب لا يمر بعين التينة ولا بحارة حريك، ولبنان أقرب إلى غزة من واشنطن، ومن لا ضمير له لن تنفعه بركة الملائكة، ونعم، هذه الحرب ليست حربك لأنها حرب على إسرائيل، وهي لا تمثلك لأنها تمثل لبنان ومصالحه الإقليمية والسيادية بوجه إسرائيل وأميركا، والسلاح الذي هزم إسرائيل وحرر لبنان ليس سلاحك لأنه نفس السلاح السيادي الذي طحن ويطحن عظام إسرائيل على طول معارك الجبهة الجنوبية اليوم”. اضاف “وبصراحة أكثر، حركة “أمل” و”حزب الله” أكبر قوة سيادية في هذا البلد، ولولا هذا الثنائي المقاوم لتصهين لبنان منذ التاريخ المشهود لشراكة البعض مع الإسرائيلي الذي احتل لبنان، ولم يكن ينقص خطابك بالأمس سوى أن تكون على ظهر دبابة إسرائيلية، وزمن العنتريات انتهى”… كما ان الاعلام الممانع وجّه انتقاداته الى كلمة جعجع..
فهل هذه الردود تمثّل نفَس الحزب وقراءتَه لخطاب جعجع؟ هل فضّل صم آذانه عن كل ايجابيات ومنطق الخطاب والاستمرار في التخوين، بدلا من ملاقاته في منتصف الطريق؟