وعلى رغم هذه التحديات سعت القوى الأمنية في لبنان إلى التكيف مع الظروف الجديدة من خلال تطبيق إستراتيجيات مبتكرة وتعزيز التعاون مع المجتمع المدني للحفاظ على النظام ومكافحة الجريمة، إذ انخفضت نسبة الجرائم المرتكبة إلى 26.2 في المئة خلال عام 2023 مقارنة مع 2022، فما هي أسباب التراجع؟ وكيف تواصل القوى الأمنية عملها على رغم تراجع المداخيل والظروف الاقتصادية الصعبة لأفرادها؟
أسباب التراجع
في السياق يقول مصدر أمني رفيع في قوى الأمن الداخلي إنه “بمهنية استثنائية وفي خضم التحديات التي تعصف بالبلاد تمكنا من إدارة الأزمات بنجاح، كما يتضح من نتائجنا المميزة، إذ تراجعت الجرائم والسبب الرئيس هو أنه خلال هذه الفترة العصيبة أظهر أفراد قوى الأمن الداخلي بسالة لافتة متغلبين على الصعاب الاقتصادية التي يواجهونها، إذ تعرضت مداخيلهم لانخفاض حاد بنسبة 90 في المئة تقريباً، بخاصة في بدايات الأزمة المالية التي ضربت لبنان، وفي ذلك الوقت كان الراتب الشهري يصل إلى نحو 30 دولاراً أميركياً، لكن بفضل التعديلات الأخيرة ارتفعت الأجور إلى نحو 150 دولاراً لكنها لا تزال قليلة”.
تحسن الكفاءة الأمنية
وعزا المصدر الأمني أسباب التراجع اللافت في الجرائم إلى “الحرفية العالية والتخطيط الممنهج والتدريب المكثف الذي خضع له الأفراد، مما أسهم في تقدمهم الميداني، كما يعود هذا النجاح غير المتوقع إلى فترة تحضيرية مبنية على أسس علمية وإستراتيجيات دقيقة، كما أن التركيز على ملاحقة رؤوس العصابات والمجرمين الخطرين عزز الأمن القومي الأمان والطمأنينة للمواطنين”، مشيراً في الوقت عينه إلى “استخدام تقنيات متطورة مع الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة”.
وأضاف، “أدت ملاحقة رؤوس العصابات والمجرمين الذين يشكلون خطراً كبيراً على الأمن القومي إلى تسطير هذا الإنجاز الذي لم يقتصر على اكتشاف الجرائم بل أيضاً سرعة المداهمة، مما رفع الطمأنينة عند الناس وردع كثيراً من المخططين لارتكاب الجرائم، بخاصة أن الوضع الاقتصادي المتردي يفتح المجال أمام هذه الحالات التي تشكل خطراً على الأمن”.
وتابع المصدر الأمني، “لا يمكن تجاهل مستوى الوعي بين المواطنين اللبنانيين الذين يبلغون السلطات الأمنية ويدعمونها في تنفيذ مهماتها بكفاءة”، فبحسب الأرقام الصادرة عن الموقع الرسمي لقوى الأمن الداخلي فقد “شهدت الجرائم الرئيسة تراجعاً بمعدل 26.2 في المئة عام 2023 مقارنة بالعام السابق، وتشمل تفاصيل التراجع انخفاضاً في سرقات السيارات بنسبة 4.65 في المئة، وتقلص حوادث سلب السيارات بمعدل 34.56 في المئة، بينما شهدت جرائم القتل تراجعاً بـ 10.73 في المئة”.
وعزا المصدر الأمني هذا التراجع الجزئي في هذه الحالات الثلاث إلى “زيادة التبليغ عن الجرائم مما ساعد القوى الأمنية في عمليات مكافحة الجريمة بصورة فعالة، إضافة إلى أن جرائم النشل أظهرت تراجعاً بـ 37.58 في المئة، والسرقة الموصوفة 33.89 في المئة، وسلب الأشخاص 3.78 في المئة”.
نسبة الجرائم
أما المناطق التي تركزت الجرائم فيها فأشار المصدر الأمني إلى “مناطق الاكتظاظ السكاني، خصوصاً في جبل لبنان وفي المناطق التجارية التي تجذب النشالين”، لافتاً في الوقت عينه إلى أن “معظم المجرمين ليسوا جدداً في عالم الجريمة بل هم أشخاص ذوو سوابق وخبرة”.
وختم المصدر الأمني “نحن نرى أنفسنا ليس فقط كعاملين في هذا المجال بل كمن يؤدي رسالة، ومهمتنا تتمحور حول خدمة مجتمعنا وضمان أمنه واستقراره مما يعكس التزامنا بتأمين بيئة آمنة تسمح للقطاعات الصحية والعلمية والجامعية والصناعية والخدماتية بالنمو والتطور، على رغم عقبات كثيرة نواجهها”، مؤكداً أن “الأمن هو الوقود الذي ترتكز عليه كل أشكال التنمية الاقتصادية في ظل الظروف الراهنة”.
مسار الجرائم
بدوره ألقى الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين الضوء على اتجاهات الجريمة، مشيراً إلى “استقرار حوادث سرقة السيارات بينما شهدت جرائم القتل ارتفاعاً، وعدد حالات الخطف في مقابل فدية انخفض من 47 في 2022 إلى 27 عام 2023، وتراجعت السرقات الموصوفة من 4768 إلى 3152″، لافتاً إلى أن “هذا الانخفاض يعزى إلى زيادة الوعي العام والجهود الأمنية الفعالة، إذ أصبحت الشبكات الإجرامية أكثر تعرضاً للكشف والمتابعة من قبل القوى الأمنية، مع الإشارة إلى أن الغالبية العظمى من المقبوض عليهم كانوا من جنسيات أخرى، أما في ما يتعلق بسرقات السيارات فقد ظلت الأعداد ثابتة نسبياً بين عامي 2022 و2023، مما يعكس زيادة الحذر بين المواطنين، أما بالنسبة إلى جرائم القتل فقد ارتفعت من 180 إلى 219، مما يعكس تحديات متزايدة في النظام الاجتماعي والاقتصادي، كما شهدت جرائم الخطف في مقابل فدية انخفاضاً نتيجة لتفكيك الشبكات الإجرامية”.
ويوصي شمس الدين بـ “ضرورة اتخاذ الأفراد مزيداً من الحيطة والحذر”، مؤكداً “أهمية الوعي والمسؤولية الشخصية في حماية النفس والممتلكات”، ومشدداً على “أهمية استخدام وسائل الرقابة مثل الكاميرات لتأمين المنازل والشوارع”.
ويقر أخيراً بأن الظروف التي أسهمت في ارتفاع معدلات الجريمة خلال الأعوام السابقة لا تزال قائمة، ويبقى توقع مسار الجريمة للعام الحالي غير مؤكد، ومع ذلك فقد أعرب الباحث شمس الدين عن تفاؤله بأن الوضع قد يشهد تحسناً بفضل زيادة الوعي والاحترازات من قبل السكان.