ولرد الاعتبار لجيشها. ولا تزال تلك الحرب ماثلة أمام أعين اللبنانيين، وتسيطر المخاوف عليهم، في كل تصعيد يحصل في الجنوب، ويستذكرون ما قاله أمين عام “حزب الله” حسن نصر الله بعد انتهاء الحرب بأيام قليلة، إن قيادة الحزب “لم تتوقع ولو واحداً في المئة أن عملية الأسر ستؤدي إلى حرب بهذه السعة وبهذا الحجم، لأنه وبتاريخ الحروب هذا لم يحصل… لو علمت أن عملية الأسر كانت ستقود إلى هذه النتيجة لما قمنا بها قطعاً”.
تتشابه ظروف تلك الحرب إلى حد معين، مع ما يحصل اليوم في الداخلين الإسرائيلي واللبناني، إذ وتبعاً لوصف جمهور “الحزب” على وسائل التواصل الاجتماعي، أن ما يحصل هناك بداية نهاية إسرائيل، على خلفية التظاهرات وعصيان جنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي. وعلى مقلب “الحزب” ومع استعصاء الأزمة اللبنانية والاتهامات التي توجهها المعارضة ضد سياساته، هو في أزمة داخلية لا تقل أهمية عن الأزمة الإسرائيلية، وهناك من يعتقد أنه قد يلجأ إلى نقل الأزمة إلى خارج الحدود، في معركة محدودة مع إسرائيل تكون متنفساً لهذا الاحتقان. وكتبت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن الجيش الإسرائيلي يلتزم حتى الآن الصمت، حيال الاستفزازات التي يقوم بها “حزب الله” عند الحدود، لكن من المتوقع أن ينتهي الصمت قريباً. وتابعت أن إسرائيل “تعتقد بوجود نية عند الحزب لمعركة قصيرة تستمر لأيام، وذلك هرباً من الوضع الاقتصادي في لبنان واستغلال الوضع الداخلي في إسرائيل. والخيمتان التابعتان لـ(حزب الله) (نصبهما قرب الخط الأزرق الفاصل حالياً بين البلدين) ليست لاستفزاز إسرائيل فقط، بل لهدف عسكري ولتعطيل إكمال بناء العائق الأمني وتحويل مساره”، وفقاً للصحيفة.
انتهاك للقرار (1701)
في السياق وضعت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا، رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، في أجواء جلسة مجلس الأمن، التي قدمت فيها مع وكيل الأمين العام لعمليات حفظ السلام جان بيار لاكروا إحاطة عن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حول تنفيذ القرار 1701، ويغطي التقرير الفترة الممتدة من 21 فبراير (شباط) إلى 20 يونيو (حزيران) 2023، ذلك قبل أسابيع قليلة من القرار الأممي الجديد بالتمديد لقوات حفظ السلام الدولية العاملة في الجنوب (اليونيفيل) لسنة جديدة في نهاية أغسطس (أب) المقبل. ويشير غوتيريش، في مقدمة تقريره، إلى أن “النقاش في مجلس الأمن تناول التوترات الأخيرة على طول الخط الأزرق بين لبنان وإسرائيل وضرورة قيام الطرفين بمنع وتجنب أي أعمال يمكن أن تؤدي إلى تصعيد سريع، بحيث إن الجانبين اللبناني والإسرائيلي لم ينفذا بعد كامل التزاماتهما بموجب القرار 1701، ولم يحرزا أي تقدم نحو التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار بين لبنان وإسرائيل”. ولفت التقرير إلى “أشغال البناء والهندسة التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي بالقرب من الخط الأزرق، ومواصلة إسرائيل خرق المجال الجوي اللبناني”، وأعرب عن “قلق بالغ تجاه إجراء (حزب الله) تدريباً عسكرياً في 21 مايو (أيار) شارك فيه مقاتلون مسلحون يرتدون الزي العسكري ويحملون الأسلحة الثقيلة، فهذا انتهاك للقرار 1701”.
استفزازات متبادلة
من جانبه يرى “الحزب” أن إسرائيل تتلكأ في الانسحاب من النقاط التي ضمتها في حرب 2006، وعمدت أخيراً إلى الضم النهائي للجزء الشمالي من قرية الغجر، وبدأت في وضع إنشاءات لتثبيت هذا الضم خلافاً لما ينص عليه القرار 1701، وهو الأمر الذي استدعى التحرك من خلال نصب الخيمتين، وبات هناك معادلة جديدة مفادها أن الانسحاب من قرية الغجر يقابله فك الخيمتين. وكان الحزب قد دفع بنخبة مقاتليه في “فرقة الرضوان” إلى الظهور أمام عدسات الكاميرا الإسرائيلية التي رصدت عناصر من الفرقة يتجولون مقابل الشريط الشائك وعلى مسافة أمتار قليلة من الجيش الإسرائيلي، والذي اكتفى بالتصوير. ونشرت قناة “المنار” فيديو مدته 27 ثانية لمراسلها وهو يصور رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي، إضافة إلى كبار الضباط في المنطقة الشمالية، في رسالة مباشرة أن هؤلاء في مرمى نيران “حزب الله” إذا أراد ذلك، وفق ما أشارت إليه معظم الصحف الإسرائيلية، والتي اعتبرت أن استفزازات “حزب الله” مستمرة، حيث جال مسلحون يرتدون بزات كاملة قرب مستوطنة “دوفيف” في الجليل الأعلى. ووفق أحد المراسلين “أن ما جرى يؤكد أن (الحزب) لا يراقب إنما يستعد”. وقال مراسل “يديعوت أحرونوت” يوسي هيوشع وبعد استيلاء عناصر قالت إسرائيل إنهم من “حزب الله” على كاميرات مراقبة قرب “المطلة”، “أن الحادثة خطرة… وتعتبر زيادة أخرى في جرأة (الحزب) الذي يبحث عن مزيد من الاستفزازات ضد الجيش”. أضاف “سنرى ماذا سيفعل الجيش عندما يستيقظ”.
فما الغاية؟
يقول الباحث والكاتب حسن الدر لـ”اندبندنت عربية” إن إسرائيل هي من ابتدأت بالاستفزاز عندما ضمت الجزء الشمالي اللبناني من قرية الغجر، وذلك باعتراف الأمم المتحدة، واعترافها هي نفسها ضمن قرار 1701، واتفاق الإطار أثبت ذلك. ويضيف “الحزب كمقاومة يعلم تماماً متى يتدخل وفق قراءته الواقع الداخلي الإسرائيلي تجنباً لحرب هو لا يسعى إليها. والحزب يرد فقط وفق تثبيت قواعد الاشتباك، غير ذلك لن يفرط بتراكم الإنجازات التي قام بها، وإسرائيل هي التي تدعو إلى حرب لأيام وفق إعلامها، الذي يعلن أن بنيامين نتنياهو لو ضمن حرباً محدودة لقام بها، لكنه يتخوف أن تتحول إلى حرب مفتوحة، وتفتح جبهات إضافة إلى الجبهة اللبنانية. من هنا جاء وضع الخيمتين ضمن نقاط مدروسة ومحسوبة، ورسالته هي أننا ما زلنا جاهزين وحاضرين ومستعدين للمواجهة”، وهذا ما أعلنه السيد حسن نصر الله، بحسب الدر.
استعراضات إعلامية
يقول الكاتب الصحافي أسعد بشارة لـ”اندبندنت عربية” إنه لا توجد مصلحة جدية وحقيقية لدى كل من إسرائيل و”حزب الله” بالذهاب إلى مواجهة، فالمعادلة التي حكمت الحدود منذ عام 2006 تاريخ صدور القرار 1701 لا تزال سارية مع بعض التعديلات، التي لا تخرج عن كونها مجرد استعراضات وتوترات إعلامية، واللعب لكسب نقاط أمام الرأي العام لتسجيل بعض الانتصارات التعبوية، لأن الحدود البحرية التي رسمت تفرض استقراراً في المنطقة ومن مصلحة الطرفين التزام ذلك. ويضيف بشارة “أراد الحزب أن يغير شيئاً من هذه المعادلة، لكن من دون أن يغامر أو يخاطر بالذهاب إلى مواجهة كبرى. ومنذ عام 2006 لم تسجل أي مواجهة حقيقية بين الطرفين، وحتى عند إطلاق الصواريخ الأخيرة حرصت إسرائيل على القيام بغارة في منطقة خالية تقريباً، وفي كل مرة تطلق صواريخ كانت إسرائيل تحرص قبل الحزب على القول إنها لمنظمات فلسطينية، لنزع فتيل أي مواجهة، بسبب أعمال التنقيب عن الغاز. هناك تطبيع واقعي على الحدود”.
ويشير الكاتب حسن الدر إلى أن دخول الحزب حالياً في حرب لن تفيده وليس لمصلحته على الصعيد الداخلي، بخاصة أن الوضع الاقتصادي في حالة انهيار، ولن يكون الرأي العام اللبناني مؤيداً له بتاتاً، من هنا لن يدخل حرباً إلا إذا كانت دفاعية. أما عن ظهور “فرقة الرضوان” العلني على الحدود، فهو تحد، والتوجه للجيش الإسرائيلي بالقول “كما تقوم بدوريات، نحن أحرار بالقيام بدوريات مماثلة على أرضنا”. والإعلام المقرب من الحزب قد أشار إلى أن الخيمتين قد تصبحان خياماً، ولربما ستتحول إلى أبنية من باطون، وقد يقيم “الحزب” أبراج مراقبة.
“أخضر بلا حدود”
في السياق وقع إشكال فردي في يوليو 2022، في بلدة رميش المسيحية على الحدود الجنوبية مع مجموعة من “الحزب”، وتجمع قسم من أهالي البلدة وطالبوا بتأمين حمايتهم من قبل الجيش اللبناني وقوات “اليونيفيل”. جاء ذلك عندما قام أحد أبناء البلدة بقطع الحطب في “منطقة قطمون” في خراج بلدته، إلا أن عناصر “حزب الله” ومن خلال جمعية “أخضر بلا حدود” البيئية، اعترضته ومنعته من إكمال مهمته مستخدمة السلاح الحربي وإطلاق النار. واتهم جمهور “الحزب” المواطن بأنه يقطع الشجر لكشف نقطة للمقاومة توازياً مع قيام جرافات إسرائيلية بقطع الأشجار في الجانب المحتل من الحدود. ويعلق أسعد بشارة على الحادثة بأن الجمعية هي جناح عسكري مغطى بعنوان بيئي تابع لـ”حزب الله”، وما يجري أن “الحزب” يصادر خراج البلدة ويعتبرها منطقة عسكرية، حيث يعتبر أن له القرار في كل المنطقة الجنوبية وأن له الحق ببناء قواعد عسكرية هناك. ويعتبر حسن الدر أن “رميش بلدة جنوبية محررة ومن قام بقطع الأشجار بعض الشبان من حزب (القوات اللبنانية)، حيث يوجد نقطة للحزب مما جعلها مكشوفة للعدو الإسرائيلي”.
وكان رئيس بلدية رميش ميلاد العلم قد أوضح حينها أن “الإشكال كان بسبب قطع الحطب، وأنا وجميع أعضاء البلدية لا نقبل أبداً بقطعه، إضافة إلى رفع السلاح الذي حصل أيضاً لا نقبل به”.