ليس عابراً أن يجد لبنان، في غمرة انشغاله وجبهته الجنوبية خصوصاً بإعلاء اسرائيل التدريجي لراياتِ «الى الشمال دُر»، مشدوداً إلى «رياحٍ هوجاء» هبّت على فرنسا التي «انعطفتْ» إلى أقصى اليمين على متن صناديق الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية التاريخية، وأخرى باتتْ في «عيْنها» الولايات المتحدة التي عوضَ أن يكون «حبسُ الأنفاس» سائداً على مرمى 4 أشهر من انتخاباتها الرئاسية حيال لمَن ستكون الغلبة، «الحمار» (الديموقراطي) أو«الفيل» (الجمهوري)، إذ بها «ترتبك» مع عاصفة الشكوك الأقوى التي لفّت قابلية الرئيس الحالي جو بايدن على المضيّ في المعركة وإمكان «تبديل الحصان» في المرحلة الأخيرة من السِباق إلى البيت الأبيض.
ومردّ الانهماك اللبناني بـ «اتجاهات الريح» في كل من فرنسا والولايات المتّحدة إلى أن كلاً منهما منغمسٌ في المسارات الديبلوماسية المكثّفة لمحاولة منْع انفلات جبهة الجنوب وانزلاقها نحو حرب كبرى، الأولى عبر موفدها الرئاسي جان – ايف لودريان والثانية من خلال كبير مستشاري بايدن لشؤون الطاقة والاستثمار آموس هوكشتاين.
ورغم أن المعلومات التي تحدّثت عن أن زيارة هوكشتاين يوم غد لباريس لمتابعة التنسيق مع المسؤولين الفرنسيين في ما خص المسعى الذي يقوم به بين تل أبيب و«حزب الله»، عبر الرئيس نبيه بري، ولضمان أن البلدين «على الموجة نفسها» في ما خص تفادي تمدُّد «الطوفان» إلى لبنان والمنطقة، تعكس أنهما ورغم الارتجاجات الداخلية متمسكان بإبقاء الاهتمام «على المستوى نفسه وأعلى» بجبهة الجنوب، إلا أنّ أي معطياتٍ جدية لم تَبْرز حيال إمكان نجاح هذه المحاولة في تحقيق الهدف الذي يَعتقد الساعون له أن حظوظه ترتفع ما أن تعلن اسرائيل في الأيام المقبلة نهاية الحرب على غزة في شكلها المكثف والانتقال لعمليات أكثر تركيزاً عبر ضربات جوية وغارات محدَّدة.
ولعلّ السبب الأكبر لغموض أَفُق هذا المسار المتعلق بجبهة لبنان يتّصل بأمرين:
– أوّلهما عدم إعطاء «حزب الله» جواباً بعد بإزاء كيفية تَعاطيه مع المرحلة «المخفَّفة» من حرب غزة وهل سيكون معنياً بالحدّ الأدنى باعتماد إيقاعٍ تَماثُلي عبر جنوب لبنان، بما يتيح إرساء تهدئة «على جرعات» بحسب تَطوُّر الواقع في القطاع. علماً أن مثل هذا الأمر يرتبط في جانب منه بموقف «حماس» من حربِ «الصوت الخافت» والموصولِ بدوره بما تحيكه تل أبيب من خطط «اليوم التالي» في غزة، ومن طلائعها الترويج لإنشاء ما يشبه «الجزر» أو «الفقاعات» داخل القطاع، عبارة عن مناطق محددة جغرافياً يمكن للفلسطينيين غير المرتبطين بحماس العيش فيها موقتا، بينما يقوم الجيش الإسرائيلي «بتطهير ما تبقّى من المسلحين».
– والثاني مرتكزات التهدئة المفترضة على جبهة الجنوب وتحديداً في «نهائياتها» التي تصرّ اسرائيل على أن تشتمل على منطقة عازلة بعمق بين 8 و10 كيلومترات تُرْسيها «بالقوة أو بالديبلوماسية»، وهو ما لا يجد «حزب الله» نفسه مضطراً، وفق مَوازين الحرب المحدودة الدائرة منذ 8 أكتوبر، للسير به، ولا سيما أن تطورات الميدان ولا سيما في الأسابيع الأخيرة راكمتْ، بحسب فريق الممانعة، نقاط قوة قابلة لـ «التسييل» على المقلب الآخَر من الحدود في أي عملية تَفاوُضٍ حول اليوم التالي في لبنان.
وبين هذين الحدّين، تأتي المهمة المرتقبة للموفد القطري «ابو فهد» الذي يُتوقع أن يزور بيروت قريباً وعلى جدول لقاءاته عنوان وحيد، ليس الأزمة الرئاسية، بل الوضع في الجنوب وإمكان ملاقاة خفْض وتيرة الحرب في غزة – في الطريق إلى إنهائها – بمسار موازٍ على الجبهة اللبنانية، أقله ريثما تكون اكتملتْ عناصرُ إخراج القطاع من «المحرقة»، وإنجاز الترتيبات الكاملة التي ستحكم الواقع جنوباً ووفق صيغة يُراد أن تكون مستدامة.
وفي هذا الوقت، ورغم التراجع في حدة المواجهات جنوباً والانطباع بأن بنيامين نتنياهو لن يكون في وارد توسيع الحرب مع «حزب الله» ولبنان قبل كلمته المرتقبة أمام الكونغرس في 24 الجاري، فإن «الحرب» الكلامية والنفسية تشتدّ من الطرفين، بالتوازي مع استعداداتٍ ميدانية على شكل تحرّكات أو «رسائل مشفّرة» بعملياتٍ نوعية، توحي بأن الصِدام الكبير قد يكون لا مفرّ منه.
وفي حين يسود اقتناع لدى دوائر قريبة من «الممانعة» بأن «السيناريو الأسوأ» من جانب اسرائيل سيكون تطوير المواجهة على طريقة «الحرب الذكية» التي تستهدف ترسانة «حزب الله» ومرافقه وتحيّد المدنيين والبنى التحتية للدولة اللبنانية والتي تَعتقد تل أبيب أنها لا تستدرج «الاصطدام المروع» بل تسرّع بالحلّ «الجاهز» وتفرضه على الحامي، فإنّ الحزب يرى أنه وجّه في الفترة الأخيرة ما يكفي من إشارات إلى أنه جاهز للحرب إذا فُرضت عليه، وأظْهَر «ما يجب» لإفهام الاسرائيليين بأن ثمة توازن رعب وليس ردعاً فقط يجعل أي حرب كبرى بمثابة «عملية انتحارية».
ولم يكن عابراً أنه في موازاة ترسيم «حزب الله» حدود أي مرحلة جديدة في «حرب الجنوب» ولو على شكل «أيام قتالية»، فإن رقعةَ الردع بلغت مدى واسعاً انخرطت فيه إيران مباشرة أولاً بتحذير بعثتها لدى الأمم المتحدة من أنه إذا شرعت إسرائيل في عدوان عسكري شامل على لبنان فستندلع «حرب إبادة»، ثم بتأكيد القائم بأعمال وزير الخارجية الإيراني علي باقري كني أمس خلال محادثة هاتفية مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان «جاهزية قوى المقاومة اللبنانية لمواجهة تهديدات إسرائيل»، محذرا الأخيرة من أن «أي عمل عدواني سيكلفها غالياً، نظراً لقوة المقاومة التي لا مثيل لها في لبنان».
وفي المقابل، وبعدما صدرت أصوات اسرائيلية (يائير كاتس وهو رئيس مجلس العاملين في صناعة الطيران والفضاء)، رداً على «تهديد الإبادة»، لوّحت بـ «سلاح يوم القيامة الكاسر للمعادلة»، مضت تل أبيب في لغة «الشيء وعكْسه»، حيث أكد وزير الدفاع يوآف غالانت إن تل أبيب لا تسعى لحرب مع «حزب الله»، ولكنها مستعدة لها، في الوقت الذي قال وزير المال بتسلئيل سموتريتش إن لا مفر من حرب حاسمة وسريعة مع الحزب، قبل أن يعلن عضو مجلس الحرب بيني غانتس، «أن عدم التسوية على حدود إسرائيل الشمالية يعني أن الدولة اللبنانية ستدفع ثمن إرهاب حزب الله الذي عليه أن يقرر إذا كان إيرانياً أم لبنانياً وإلا سيدفع الثمن».
وفي السياق نفسه، برز وصْف رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت مآل الحرب الكبرى، في محاكاةٍ واقعية خلصت الى أنّ «اندلاع حرب شاملة مع (حزب الله) ستكون فكرة سيئة (…) من المرجح أن يختفي لبنان، وإذا استخدم الحزب كل القوة، وهو سيستخدمها، ستعاني إسرائيل من ألم أكبر من أي وقت في تاريخ مواجهاتنا مع الدول العربية».
«لوفتهانزا»
وعلى وهج هذه المناخات المحمومة والتي كانت اسرائيل غذّتها في اليومين الماضيين بتكثيف حرب الترويع بغاراتٍ وهمية استمرت أمس جنوباً بعدما كانت شملتْ للمرة الأولى ليل السبت العاصمة بيروت وعموم الأجواء اللبنانية، وفي موازاة التحذيرات التي توالت من دول عربية وغربية لرعاياها من زيارة لبنان والدعوة لمغادرته، برز ما نُقل عن شركة «لوفتهانزا» الألمانية من أنّها قرّرت تعليق رحلاتها الليلية من بيروت وإليها، من حتى 31 يوليو وأنّها اتّخذت هذا القرار «بسبب الوضع في الشرق الأوسط».
وقد أوضح المدير العام للطيران المدني في مطار بيروت فادي الحسن (لموقع النهار الالكتروني) أن «لوفتهانزا» لم توقف رحلاتها إلى بيروت، بل تم تحويل الرحلات الليليّة إلى نهاريّة، لافتاً إلى أنه «منذ اندلاع حرب غزّة حصلت بعض التعديلات».
حجم الدمار
وفي موازاة ذلك، وعلى وقع إعلان الأمم المتحدة «ان حجم الدمار في جنوب لبنان يتجاوز ملياري دولار»، شهد الميدان سلسلة غارات نفذها الطيران الاسرائيلي على قرى جنوبية وإحداها طال للمرة الأولى منزلاً في بلدة البياضة – قضاء صور.
من جهته، ردّ «حزب الله» بعلميات، إحداها استهدفت «مبنى يستخدمه جنود العدو الإسرائيلي في مستعمرة راموت نفتالي بالأسلحة المناسبة»، علماً أنه كان ردّ ايضاً أول من أمس على استهداف منزلٍ في حولا سقط فيه 3 من عناصره بهجوم جوي «بِسربٍ من المسيّرات الانقضاضية على مقر كتائب المدرعات التابعة للواء 188 في ثكنة راوية» (استُهدفت للمرة الأولى)، فيما أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن تسعة جنود إسرائيليين أصيبوا بجروح بينهم إثنان جروحهما خطيرة وذلك نتيجة سقوط مسيّرة مفخخة في قاعدة إسرائيلية في الجولان.
هبة قطرية بـ 20 مليون دولار لدعم رواتب الجيش اللبناني
تسلمت قيادة الجيش اللبنانيدفعة جديدة من الهبة المالية القطرية، وقيمتها 20 مليون دولار، مقدّمة من أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى المؤسسة العسكرية، «وذلك في إطار الدعم المتواصل لها في ظل التحديات الراهنة».
وأعلنت قيادة الجيش – مديرية التوجيه أنه «سيصار إلى توزيع الهبة على العسكريين بالتساوي فور الانتهاء من الإجراءات الإدارية».
وشكر قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون، هذه المبادرة القيمة، مؤكداً أنها «تساهم في تخفيف وطأة الأزمة عن كاهل العسكريين».
وكان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي التقى سفير قطر لدى لبنان سعود بن عبدالرحمن بن فيصل الثاني آل ثاني وشكر الدوحة على وقوفها الى جانب لبنان، وطلب «نقل رسالة الى رئيس الحكومة وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني لشكره على الهبة المالية القطرية الجديدة لدعم رواتب العسكريين وقيمتها 20 مليون دولار، والتي تندرج في إطار سلسلة من الدفعات لدعم الجيش».
نواب في المعارضة دقوا «ناقوس الخطر»: لا لجرّ لبنان إلى حرب مدمّرة لإعلاء شأن إيران
| بيروت – «الراي» |
دقّ نواب من قوى المعارضة في لبنان «ناقوس الخطر»، داعين إلى تجنيب لبنان «حرباً مدمرة» ورافضين أن «يدفع بلدنا ثمن أي معادلات جديدة».
وشدد نواب يمثلون حزبي «القوات اللبنانية» والكتائب وقوى أخرى ومستقلون على «ضرورة عدم ربط المسارين اللبناني والفلسطيني لجهة ما يحصل في غزة»، مؤكدين وجوب منْع انجرار لبنان «إلى حرب أوسع لا هدف لها سوى إعلاء شأن إيران في المعادلة الإقليمية، ولن نرضى أن نُجرّ إلى حرب شاملة لا تفيد القضية الفلسطينية، وتدمّر لبنان، ولن نسلّم، بأن تقوم مجموعات مسلحة، تعمل على الأراضي اللبنانية، محلية كانت أم أجنبية، بفرض منطق وحدة الساحات، المرفوض من غالبية اللبنانيين، خدمة للمشروع الممانعة الإقليمي الذي يستخدم القضية الفلسطينية ولا يخدمها بأي شكل، وبأن تستجلب العداء للبنان مع المجتمعين العربي والدولي، وآخرها قبرص والاتحاد الأوروبي».
وأكدوا «أهمية وضرورة تطبيق القرار 1701 بكافة مندرجاته، وقرارات الشرعية الدولية 1559، و1680 وغيرها من المعاهدات الدولية ذات الصلة، لتكريس سيادة الدولة على أراضيها وعلى قرار الحرب والسلم، بالإضافة إلى مندرجات اتفاق الطائف ذات الصلة». وشددوا على «أن تفادي حرب أوسع من تلك الدائرة حالياً مازال ممكناً، وذلك يتطلب من حكومة تصريف الأعمال المبادرة فوراً إلى وضع حد لكل الأعمال العسكرية خارج إطار الدولة اللبنانية وأجهزتها والتي تنطلق من الأراضي اللبنانية ومن أي جهة كانت وإعلان حال الطوارئ في الجنوب وتسليم الجيش اللبناني زمام الأمور فيه وتكليفه بالتصدي لأي اعتداء على الأراضي اللبنانية والتحرك على الصعيد الديبلوماسي من أجل العودة إلى اتفاقية الهدنة الموقعة عام 1949 وتطبيق القرار 1701 كاملاً».
كما دعوا إلى «عقد جلسة مناقشة نيابية لموضوع الحرب الدائرة في الجنوب ومخاطر توسعها».