الأرجح أن نظرية جديدة شرعت في ترسيخ قدمها ضمن التفكير العلمي عن تشكل النظام الشمسي وكواكبه السيارة، تتضمن خفض الزمن الذي اقتضاه تكون الكرة الأرضية من 100 مليون سنة إلى ثلاثة ملايين سنة.
ووفق صحيفة “وول ستريت جورنال” التي أفردت مقالة مطولة عن تلك الدراسة، تتحدى الدراسة العلمية التي قادها البروفيسور إيزاك أونييت النظرة العلمية الراسخة عن تشكل كوكبنا الأزرق ضمن مسار تكون النظام الشمسي. وبحسب تلك الدراسة، لم يقتض الأمر سوى ثلاثة ملايين عام كي تتكون الكرة الأرضية.
وفي المقابل، لقد أركن العلماء طويلاً إلى نظرية وضعها عالم الفلك والفيزياء الفرنسي هنري لا بلاس، عن تشكل النظام الشمسي مما يشبه طبقاً دوراً هائلاً من الغبار الفلكي. ووفق لا بلاس الذي وضع نظريته في القرن الـ19، تظهر الشمس في مركز ذلك الطبق الفائق الضخامة فتكون النجمة المركزية فيه، ثم تتكون الكواكب السيارة تدريجاً حولها كتجمعات من ذلك الغبار. واستناداً إلى نظرية الطبق الدوار، مال العلماء إلى احتساب زمن تشكل الأرض بنحو 100 مليون سنة.
وفي العام 1995، نقل تلسكوب الفضاء “هابل” صوراً فلكية اشتهرت بإسم “أعمدة التكوين”، ظهر فيها نُظُم شمسية قيد التكوين. وآنذاك، سادت فرحة علمية لأسباب شتى من بينها أنها تطابقت مع تصور لا بلاس عن تشكل النظام الشمسي.
وبحسب “وول ستريت”، يميل العلماء عموماً إلى اعتبار أن تشكل النظام الشمسي بأكمله استغرق 4.6 مليار سنة. ويعني ذلك أن تشكل الأرض في ثلاثة ملايين عام، وفق دراسة البروفيسور أونييت، يمثل أقل إغماضة عين بالنسبة إلى الزمن الإجمالي لتشكل النظام الشمسي. إذا نظرنا إلى الـ4.6 مليار عام بوصفها يوم واحد، فسيكون عمر الأرض أقل من دقيقة من ذلك اليوم الفلكي الطويل.
وفي تفصيل مهم، تستند الدراسة إلى نظرية ما زالت موضع خلاف علمي، ترى أن كوكبنا الأزرق تشكل بأسلوب تسميه “تلاحم الحصى”. ويعني ذلك أن الأرض تشكلت ضمن الطبق الدوار الهائل الذي تكون فيه النظام الشمسي، لكن كتلتها الأولية اجتذبت إليها كتلاً صغيرة كأنها الحصى، شرعت تتلاحم مع بعضها البعض كي تشكل الأرض. واستكمالاً، احتوى بعض تلك الحصى الفلكية ماءً ثلجياً على غرار ما يظهر في تركيبة المذنبات، مثل بسرعة نسبية، أحد المصادر الأساسية للمياه على الأرض.
إشكالية الماء والغاز في الكواكب السيارة
في سياق متصل، أوردت “وول ستريت” رأي مارتن بيزارو، المتخصص في الكيمياء الفلكية والمشارك في الدراسة، بأنه إذا صح أن الأرض تشكلت وفق نظرية تلاحم الحصى التي يحتوي بعضها مياهاً منجمدة، فإن الأمر نفسه ينطبق على تشكل الكواكب السيارة في نظم شمسية أخرى. وبالتالي، تتوقع هذه النظرية الفلكية الجديدة أن عدد الكواكب السيارة التي تحتوي الماء الذي يعتبر أساس الأشكال الحية كلها، يفوق ما توقعته العلماء حتى الآن.
ثمة ملمح آخر في الفارق بين نظرية تلاحم الحصى والفكرة العلمية التقليدية عن تشكل الكواكب السيارة في نظام نجمي، مع ملاحظة أن النجوم هي شموس.
ووفق النظرية الجديدة، يفضي تلاحم الحصى إلى تشكيل ما يمكن اعتباره القلب الأساسي للكواكب السيارة. بعد ذلك، يجتذب كل واحد من تلك “القلوب” المختلفة، كميات متفاوتة من الغبار والغاز و”الحصى”، مما يتوفر في الطبق الدوار الضخم. وقد تجتذب بعض “القلوب” كميات ضخمة من الغازات، فتتكون الكواكب الضخمة الغازية التركيب على غرار المشتري وزحل. وفي المقابل، قد ينجذب عدد أكبر من “الحصى” إلى القلب الأولي لكوكب سيار، فتتشكل كواكب توصف بأنها صخرية كالأرض والمريخ، وتكون محتوية على كميات وفيرة من المياه في حصاها. وكذلك تضاف إلى تلك المياه ما يأتي من تساقط المذنبات والشهب عليها.
على نحو مغاير، لطالما اقترحت النظرية التقليدية أن المياه على الأرض جاءت في معظمها مما حملته المذنبات والشهب التي تهاطلت عليها أثناء زمن تشكلها الذي اعتقدت أنه امتد إلى 100 مليون سنة.
مرة أخرى، يحصل تجدد في النظرة العلمية فتتبدل وتتغير. وفي الغالب، يميل العلماء والمشتغلون في الفكر العلمي إلى اعتبار ذلك التجدد والتغيير أمراً طبيعياً في العلوم التي ينتجها العقل البشري. في المقابل، يمتلأ الفضاء الإعلامي العربي، وبصورة متكررة منذ زمن مديد، بالحديث عن “الحقائق العلمية الثابتة”. كيف يمكن لحقائق علوم الإنسان أن تكون ثابتة مع كل هذا الإرث الراسخ والطبيعي من التبدل والتغيير المستمرين؟