وأثار الطلب الألماني استغراب الأوساط اللبنانية التي رأت فيه «خرقاً لسيادة المؤسسات اللبنانية». وأفاد المرجع القضائي الذي رفض ذكر اسمه، بأن الكتاب الألماني «عبّر بوضوح عن رغبته بإجراء مداهمة مباغتة وسريعة بمواكبة أمنية ومشاركة قضاة لبنانيين، وذلك في إطار المساعدة التي يقدمها لبنان للقضاء الأوروبي»، معتبراً أن «الطلب الألماني يشكّل انتهاكاً للسيادة اللبنانية وتعدياً على حصانة المؤسسات الرسمية، لا سيما مصرف لبنان الذي يتمتّع بميزة خاصة، ولا سيما أن القضاء اللبناني لم ينفّذ مثل هذه المداهمة عندما كان يجري تحقيقه المستقل في ملفّ حاكم البنك المركزي».
وقال المرجع القضائي إن القاضي عويدات «أحال الكتاب الألماني على قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا، لكون الأخير هو من يتولى تنفيذ الاستنابات القضائية الأوروبية، ويجب عليه تقديم الأجوبة اللازمة التي تراعي مبدأ السيادة الوطنية»، مشيراً إلى أن «جواب قاضي التحقيق على الطلب الألماني لن يتأخر».
ويلتزم لبنان احترام التعاون بينه وبين القضاء الأوروبي، انسجاماً مع مضامين اتفاقية مكافحة الفساد التي وقّعها لبنان في عام 2008، إلّا أن المرجع القضائي عد أن «ما يطلبه الألمان يتعارض مع روحية الاتفاقية التي تأخذ بالاعتبار مبدأ الحفاظ على سيادة الدول المنضوية فيها»، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن «الفريق القضائي الألماني الذي سبق له أن شارك ضمن الوفود الأوروبية في التحقيقات التي جرت في بيروت مع سلامة ومسؤولين في مصرف لبنان وأصحاب ومديري مصارف تجارية، أصرّ وحده على تزويده بمستندات من الملفّ القضائي اللبناني، وبالفعل حصل عليها».
وبينما يبحث القضاء اللبناني عن مخرج قانوني يجنّبه الإحراج في هذه المسألة، ولا يشكّل مسّاً بالتعاون بينه وبين القضاء الأوروبي، زار وفد من السفارة الألمانية قصر العدل في بيروت، والتقى بعض القضاة، وأفادت مصادر النيابة العامة التمييزية «الشرق الأوسط»، بأن «زيارة الوفد الألماني طبيعية ودورية غايتها متابعته القضايا التي تعني بلاده». وأشارت إلى أن «القضاء اللبناني يتعاطى بإيجابية ومرونة مع كلّ الوفود القضائية الأوروبية ويستمع إلى مطالبها، ويتعاون معها بما لا يشكل انتهاكاً لصلاحياته وسيادة الدولة». ونفت كلّ ما يروّج عن أن «الإنتربول» الدولي «سحب مذكرة التوقيف الصادرة عن القضاء الفرنسي بحقّ رياض سلامة بناء على طلب وكلاء الدفاع عن الأخير». وأكدت المصادر أن «المذكرة الفرنسية ما زالت سارية المفعول، وأن (الإنتربول) لم يسحبها كما تردد». وكشف المصدر أن «القضاء الألماني لم يكتفِ بتعميم مذكرة التوقيف التي أصدرها بحق سلامة، بل سمح بالتداول بها ونشر المعلومات التي تتوفر حولها». وقال المصدر إن النيابة التمييزية «لم تتسلّم أي شيء يتعلّق بملفّ استرداد سلامة سواء من فرنسا أو ألمانيا».
وينتظر أن يعقد قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا، الأربعاء، جلسة تحقيق في ادعاء النيابة العامة في بيروت ضدّ سلامة وشقيقه ومساعدته وكلّ من يظهره التحقيق بجرائم «الاختلاس وإساءة الأمانة والتزوير والإثراء غير المشروع وتبييض الأموال». وتوقعت مصادر مواكبة للملفّ، أن «يتغيّب المدعى عليهم عن الجلسة، وأن يقتصر الحضور على وكلاء الدفاع عنهم، الذين قد يطلبون مهلة لتقديم دفوع شكلية». وشددت على أنه «في حال أثار محامو الدفاع مسألة الدفوع، فإن القاضي أبو سمرا سيضطر إلى تأجيل الجلسة إلى موعد لاحق، وربما إلى مدة بعيدة باعتبار أن العطلة القضائية تبدأ منتصف الشهر الحالي وتستمر حتى 15 سبتمبر (أيلول) المقبل، إلّا إذا قرر أبو سمرا عقد جلسات متلاحقة أثناء العطلة القضائية».