لكن اللافت هو استعداد هوكشتاين لاستكمال دور الوسيط في مفاوضات مرتقبة مع إسرائيل وقبرص للاتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين البلدان الثلاثة حول البلوكين رقم 8 و10، خصوصاً بعدما أبلغه وزير الطاقة اللبناني وليد فياض عن نية «الكونسورتيوم» القائم بقيادة شركة «توتال» الفرنسية تقديمَ عرض للتنقيب في هذين البلوكين، في إطار جولة التراخيص الثانية التي تنتهي المهلة المحددة لها في الثاني من نوفمبر القادم، وتشمل ثماني بلوكات (1 و2 و3 و5 و6 و7 و8 و10).
وللتأكيد على الاهتمام بتلزيم البلوك رقم 8 الذي يضم حقل قانا الغربي ويقع غرب البلوك رقم 9، أعطت وزارة الطاقة ترخيصاً لتحالف شركتي «برايت سكايز جيوساينس» (مقرها في القاهرة)، و«جيوكس إم.سي.جي» (شركة بريطانية)، للقيام بإجراء المسوحات وإعداد المعلومات التي ستكون مرجعاً لشركات التنقيب الراغبة في التقدُّم للاستثمار. مع العلم أن جولة التراخيص الثانية سبق أن أطلقت في عام 2019، وتم تأهيل أكثر من 40 شركة عالمية. ورغم التمديد المتكرر، لم تتقدم أي شركة بعرضها لالتزام التنقيب والاستكشاف، ويعود السبب إلى حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني في لبنان، مع استمرار عجز مجلس النواب عن انتخاب رئيس للجمهورية، رغم مرور 10 أشهر على «الفراغ الرئاسي»، وكذلك ما يواجه حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي من صعوبات وعراقيل، في ظل الانهيار المالي والنقدي والاقتصادي والاجتماعي، وانعدام الثقة لدى الدول والشركات في المنظومة السياسية والإدارية المسؤولة عن ملف النفط والترسيم.
ولذا دعا الرئيسُ ميقاتي الوسيطَ الأميركي أثناء اجتماعه به إلى العمل على تشجيع الشركات الأميركية للمشاركة في استثمار البلوكين 8 و10، لكن هوكشتاين، المطلع بدقة على تعقيدات الواقع اللبناني، يدرك أن البلد يتأرجح حالياً على إيقاع توترات سياسية وأمنية، متأثراً بتطور عملية شد الحبال الجارية في منطقة الشرق الأوسط، وقد دعا الأطراف السياسية إلى الإسراع بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة قوية وكاملة الصلاحيات، تستطيع أن تؤمّن الاستقرار السياسي والأمني وخلق أجواء جاذبة للاستثمار ومشجعة للشركات العالمية على تقديم عروضها لدولة تحظى بثقة المجتمعين العربي والدولي.
وبما أن واشنطن تولي اهتماماً أساسيا للانتهاء من ملف الترسيم البري بعد البحري، فإن مساعي هوكشتاين تصب في هذا الاتجاه، وذلك لتكريس مبدأ الاستقرار جنوباً، لكن يبدو أن مسار إظهار الحدود البرية سيكون بحاجة إلى وقت، ولجولات مكوكية بين بيروت وتل أبيب، في ظل تضارب المعلومات بين إمكانية الوصول إلى صيغة متوافق عليها سريعاً، واحتمال أن لا تكون هناك جهوزية لذلك، فتبقى الأمور معلقةً إلى حين تأتي ظروف تساعد على نجاح الوسيط الأميركي في مهمته.