وبرزت الطائرات المسيرة باعتبارها أداة رئيسية في عمليات اغتيال إسرائيل لقادة حزب الله على طول الأراضي اللبنانية وحتى السورية، وكذلك في استهداف حزب الله للمواقع والمرابض الإسرائيلية.
ويسعى كلا الطرفين إلى التصدي لمسيرات الطرف الآخر، وآخر عملية ناجحة كانت، الأحد الماضي، إذ أعلن الجيش الإسرائيلي سقوط إحدى طائراته المسيرة في الأجواء اللبنانية بعد استهدافها بصاروخ أرض-جو.
وامتدت نيران حرب غزة إلى الجبهة الجنوبية للبنان في الثامن من أكتوبر، مع إعلان حزب الله عدم وقوفه على الحياد، وفتح “جبهة إسناد” لحركة حماس عملاً بقاعدة “وحدة الساحات”، وعلى مدى حوالي سبعة أشهر كسر وإسرائيل “قواعد الاشتباك “من دون الانزلاق إلى حرب شاملة.
إسرائيل.. الرائدة
تعتمد حروب الجيل الخامس على المسيرات، وفق الخبير الاستراتيجي والعسكري، العميد المتقاعد ناجي ملاعب لموقع “الحرة”، ويشكّل دخولها إلى ميادين القتال، بحسب الخبير في أسلحة الدمار الشامل والقانون الدولي أكرم كمال سريوي “عاملاً مهماً، غيّر مفاهيم وتكتيك المعارك والعمليات العسكرية بشكل كبير”.
وتحوّلت المسّيرات بحسب ما يقوله سريوي لموقع “الحرة” “إلى سلاح دقيق ومرتفع الفعالية، يسمح بتدمير أهداف مهمة للعدو بتكلفة رخيصة، ودون مخاطرة كبرى من الجنود”.
وتعد إسرائيل بحسب ملاعب “الرائدة عالمياً في مجال المسيرات، فهي من تصنّعها وتطوّرها، ومنها من لم تستخدمه بعد في لبنان، كفخر مسيّراتها، هارون تي بي، وهي بحجم طائرة ركاب، تسير بسرعة الصوت، تستطيع حمل طن من المتفجرات”.
أما الطائرات التي استخدمتها إسرائيل في لبنان فهي هيرميس 450 وهيرميس 900، وكلا الطرازين يطيران على علو منخفض ومتوسط، وقد نجحت الدفاعات الجوية لحزب الله من إسقاطهما.
وتمتلك إسرائيل أنواع عدة من المسيرات منها إيتان، أوربيتر، ثاندر بي، سباي لايت، مايكرو بي، وسكاي سترايكر الانتحارية وغيرها.
وتعود بداية سباق التسلح بالطائرات المسيرة وفق ما قاله الدكتور المدير التنفيذي لمعهد كورنيل للسياسة والتكنولوجيا في جامعة كورنيل، جيمس باتون روجرز، لـ”بي بي سي” “إلى أواخر السبعينيات أو أوائل الثمانينيات، حيث عملت كل من إسرائيل وإيران على تطوير طائرات بدون طيار منذ ذلك الوقت، والبلدان يعتبران أنظمة الأسلحة عن بعد جزءاً لا يتجزأ من الدفاع الوطني”.
قدرات حزب الله المتنامية
وفي عصر المسيرات الذي شهد ازدهاراً خلال السنوات الأربع الماضية، يمتلك حزب الله بحسب ما يقوله رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة، العميد الركن المتقاعد، الدكتور هشام جابر، لموقع “الحرة” “ترسانة متنوعة من هذه الأسلحة التكنولوجية، ولا شك أن إيران تلعب دوراً محورياً في تطوير قدراتها، حيث تعدّ رائدة في هذا المجال على مستوى المنطقة والعالم.”
ويمتلك حزب الله بحسب ما كشف مركز أبحاث “ألما” الإسرائيلي عام 2021 نحو 2000 مسيرة، منها ما تم تصنيعه في إيران، وأخرى صنعها الحزب، أو صينية الصنع، “والتي يمكن شراؤها من السوق المدنية، حيث يقوم الحزب بتعديلها حسب احتياجاته، سواء للتصوير الفوتوغرافي أو حمل القنابل وإسقاطها”.
ومن أنواع مسيرات الحزب، مسيرة “أيوب” المستوحاة من طائرة “شاهد 129” الإيرانية المستوحاة هي الأخرى من طراز “هيرميس 450” الإسرائيلي التي سقطت في بيروت خلال حرب 2006، كما يملك الحزب “مرصاد 1 و”مرصاد 2″ و”أبابيل ت”.
وقدّر المركز أن لدى حزب الله أنواع إضافية من المسيرات المتقدمة، من أنواع “المهاجر” و”الشاهد” و”صامد”، و”كرار” و”الصاعقة”.
وحصل الحزب بحسب ملاعب “على مسيرات من طهران من طراز شاهد 136 وهي طائرة انتحارية قصيرة المدى، استخدمت في عملية عرب العرامشة، وقد يكون حصل على شاهد 238، المشابهة لمسيرة “هارون تي بي” الإسرائيلية من حيث القدرة، كما يملك مسيرات صغيرة للاستطلاع والمراقبة”.
ولا تقتصر إمكانيات حزب الله على المسيرات الاستطلاعية والهجومية فقط، بل يمتلك أيضاً وفق ما يقوله “منظومة دفاع جوي لم يتم الكشف عن تفاصيلها، “وقد أثبتت هذه المنظومة فعاليتها من خلال إسقاط طائرات مسيرة إسرائيلية من طراز “هيرميس 450″ و”هيرميس 900”.
وتتوفر في مسيرات الحزب ثلاث تقنيات، وردت في صحيفة “يديعوت أحرنوت” كما يشير ملاعب “الأولى تتمثل باستخدام كاميرا مثبتة عليها، مما يسمح للمشغل بالتحكم يدوياً بها، أما النظام الثاني فيستخدم مسار طيران محدد مسبقا يسترشد بإشارات الراديو من الأقمار الصناعية، مثل نظام تحديد المواقع العالمي “جي بي أس” والثالث، يتبع مسارا مخططا مسبقا دون اتصال خارجي، مما يزيد من صعوبة تعطيله”.
ويتبع حزب الله استراتيجية الكشف التدريجي عن قدراته في مجال المسيرات والدفاع الجوي، وفق جابر “مما يثير تساؤلات حول ما يخفيه من إمكانيات، حيث تبذل إسرائيل جهوداً مكثفة للكشف عن قدرات حزب الله في مجال المسيرات”.
وبدأ “الظهور العلني” لمسيرات حزب الله في عام 2004، حيث نجح كما ورد في تقرير “ألما” في إرسال مسيرة من طراز “مرصاد” جابت سماء شمال إسرائيل لمدة 18 دقيقة، قبل أن تعود إلى قاعدتها بسلام، وقد فعل الشيء نفسه في عام 2005.
وخلال حرب 2006، قام حزب الله ببعض المحاولات لإرسال مسيرات إلى الأراضي الإسرائيلية، بما فيها “أبابيل”، لكن تم اعتراضها كلها، وفي عام 2012، أطلق مسيرة عبر البحر الأبيض المتوسط، وصلت إلى منطقة النقب واعترضتها الطائرات الحربية، وفي السنة التالية، تم اعتراض مسيرة له بالقرب من خليج حيفا.
كما استخدم الحزب المسيرات خلال انخراطه في الحرب السورية، لاسيما خلال شنّه هجمات على منطقة القلمون.
وفي عام 2019 ادعى حزب الله أن طائرة استطلاع تمكنت من التحليق فوق منطقة الجليل خلال تدريب للجيش الإسرائيلي، كما أرسل طائرة إلى الأراضي الإسرائيلية في 2022، وفي ذات العام تبنى مسؤولية إطلاق “ثلاث مسيرات غير مسلحة باتجاه حقل كاريش”.
تفوق متعدد الأوجه
وتمتلك المسيرات بحسب سريوي “تقنية تعدُّد الاستخدام، كما في الجانب المدني، كذلك في النواحي العسكرية، فهي قادرة على الطيران إلى مسافات بعيدة، وتنفيذ مهام الرصد، والاستطلاع، والمراقبة، وضرب الأهداف في عمق العدو”.
وهي تتفوق على الطائرات النفاثة، كما يقول “وذلك بقدرتها على البقاء في الجو لمدة طويلة، تتراوح بين 20 إلى 72 ساعة. كما أنها أقل ضجيجاً، وبصمتها الرادارية أقل بكثير، والأهم من ذلك أنها قادرة على التسلل والطيران على ارتفاع منخفض، بحيث لا تستطيع الرادارات كشفها”.
ويشدد على أنه “حتى من ناحية مدى الطيران، فهناك مسيرات مثل MQ-4 الأميركية، يفوق مداها 15 ألف كلم، بينما لا يتجاوز مدى أفضل الطائرات النفاثة الفي كلم. وتتمتع هذه المسيّرة بميزات وقدرات هامة جداً، فهي يمكنها التحليق فوق منطقة العمليات، وإرسال صور وفيديوهات دقيقة جداً، بشكل فوري، إلى مركز القيادة، في عدة أماكن من العالم في نفس الوقت”.
كما أن تحريك وقيادة الطائرة من مركز بعيد محصّن على الأرض، يسمح بحسب الخبير في أسلحة الدمار الشامل “بمعالجة المعلومات بشكل دقيق، وبسرعة عالية. هذا إضافة إلى عامل الأمان، الذي يشعر به طاقم قيادة المسيرة”.
ويتابع “أصبح بإمكان المسيرات حمل قذائف وصواريخ موجهة، جو-ارض وجو-جو، وهذا يسمح لها بضرب أهداف بأحجام مختلفة، وبدقة عالية، لدرجة ملاحقة الأفراد، وتنفيذ عملية اغتيال، واستهداف قادة الوحدات، وكذلك مراقبة السفن والفرقاطات في عرض البحار واستهدافها”.
كما تفوقت المسيرات بحسب سريوي “على سلاح المروحيات، في تنفيذ مهام ضد مدرعات العدو، ومراكز القيادة، على خط الجبهة، وكذلك في عمق دفاعات العدو، وتحوّلت المسيرات الانتحارية، إلى قذائف ذكية، بعيدة المدى، تقطع آلاف الكيلومترات”.
“سباق” المسيرات
مما لا شك فيه أننا دخلنا بحسب ملاعب “عصراً جديداً، ستلعب فيه المسيرات دوراً بارزاً، قد تغيّر مفاهيم ومبادئ القتال، التي كانت سائدة حتى اليوم”.
وأثبتت المسيرات فعاليتها في تغيير مسار المعارك، يقول ملاعب “كما حدث في أوكرانيا مع طائرة بيرقدار التركية الصنع والتي كان لها دوراً حاسماً في وقف تقدم القوات الروسية ومنع حصار العاصمة كييف، وهي تتمتع بمميزات عديدة تجعلها أداة قوية في الحروب الحديثة، ومن أهمها، قدرتها على التحليق على ارتفاعات عالية، والبقاء في الجو لفترة طويلة، والدقة العالية في إصابة الهدف، والتكلفة المنخفضة، وسهولة الاستخدام”.
وتعمل معظم الدول اليوم وفق سريوي “على تطوير ترساناتها من المسيرات، بأحجام مختلفة، وعلى اتجاهين، الأول: صناعة مسيرات كبيرة الحجم، لتحل مستقبلاً بشكل كامل مكان الطائرات المقاتلة، والثاني: مسيرات صغيرة الحجم (بحجم نحلة)، تكون بمثابة رصاصة ذكية، بحيث يتم إطلاق الآلاف منها فوق منطقة العمليات، وتتجه تلك الرصاصات لملاحقة جنود العدو والفتك بهم، حتى لو كانوا داخل الغرف او التحصينات، فهذه المسيرات ستكون قادرة على الدخول من فتحات صغيرة جداً، وذكية كفاية لإصابة جنود العدو في مكان قاتل”.
ويضيف: “هناك إمكانية استخدام مسيرات صغيرة، وتحويلها من الاستخدام المدني إلى العسكري، كما فعلت “حماس” في مسيرات “الزواري” التي بات بإمكانها اسقاط قذائف متنوعة حتى قذائف الهاون من عيار 120 ملم، وبشكل دقيق على الأهداف، ويمكن تدمير دبابة سعرها 10 ملايين دولار، بمسيرة لا يتعدى سعرها 500 دولار”.
ومع التطور التقني الكبير واستخدام الذكاء الصناعي في سلاح المسيرات، ستصبح المسيرات بحسب سريوي “السلاح الأخطر في ميادين القتال، وستتحول قريباً إلى مصدر للرعب، وإثارة القلق، حتى لدى أقوى جيوش العالم”.
لكن تبقى المشكلة الوحيدة حتى الآن في المسيرات، كما يقول “هي بطء سرعتها، فغالبيتها لا تتجاوز سرعتها الـ200 كلم في الساعة، وتصل سرعة أفضلها إلى حوالي 575 كلم في الساعة، وهذا يجعلها أهدافاً سهلة لأسلحة المضاد للطائرات المتنوعة والمتعددة، كما أنها ما زالت ضعيفة في مواجهة الطائرات المقاتلة”.