كشفت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، الأحد، بأن مسؤولا أمنيا مقربا من رئيس النظام المخلوع بشار الأسد، أبلغ مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) أن الصحافي الأمريكي أوستن تايس قُتل في عام 2013 بأمر من الأسد، وهي رواية لم تؤكدها الولايات المتحدة بعد، لكنها تمثل المرة الأولى التي يتحدث فيها مسؤول رفيع في نظام الأسد إلى مسؤولين أمريكيين بشأن مصير تايس، والذي كان يعمل تايس مراسلاً مستقلاً لصحيفة “واشنطن بوست” وشركة ماكلاتشي للنشر، وكان من أوائل الصحافيين الأمريكيين الذين وصلوا إلى سوريا بعد اندلاع النزاع في عام 2011، و خُطف خلال رحلة عمل إلى سوريا في أغسطس/آب 2012،
وقالت الصحيفة الأمريكية (link is external) إنّ الحكومة الأمريكية تتحقق من صحة الادعاءات التي قدمها بسام الحسن، أحد أعضاء الدائرة المقربة من الأسد ومستشاره للشؤون الاستراتيجية، وفقاً لمسؤولين أمريكيين وأشخاص آخرين مطلعين على الأمر، تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم نظراً لحساسية القضية.
استجواب الحسن من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية (CIA) جرى على مدار عدة أيام في أبريل/نيسان، في العاصمة اللبنانية بيروت.
ورفض مكتب التحقيقات الفيدرالي التعليق على ما أثير، مشيراً إلى أن التحقيق لا يزال جارياً، لكنه أكد أنه “مصمم بشدة على تحديد مكان الرهائن أو رفاتهم وإعادتهم إلى عائلاتهم”. كما امتنعت وكالة الاستخبارات المركزية عن التعليق.
الأسد أمر بقتل تايس
أبلغ الحسن مكتب التحقيقات الفيدرالي، بحضور مسؤولين لبنانيين، أن الأسد أمره بقتل أوستن تايس، وأضاف أنه حاول دون جدوى إقناع الأسد بالعدول عن الأمر، بحسب مسؤولين أمريكيين وشخص آخر مطلع على القضية.
وذكر الحسن أنه أمر أحد مرؤوسيه بتنفيذ عملية القتل، وأن ذلك وقع في عام 2013، وفقاً لما أفاد به المسؤولون والمطلعون على القضية. وأضافوا أن الأمر جاء بعد أن تمكن تايس لفترة وجيزة من الهروب من زنزانته.
وأشارت الصحيفة إلى أنّه في السنوات الأخيرة، استعاد مسؤولون أمريكيون مذكرة تم تعميمها على الأجهزة الأمنية السورية تطلب منهم البحث عن أوستن تايس، مشيرة إلى أنها صدرت في أواخر أكتوبر 2012 وهو تاريخ لم يُكشف عنه علنًا من قبل مما يشير إلى أنه كان قد فرّ من الأسر في تلك الفترة، بحسب ما أفاد به المسؤولون. وقد اعتُبرت هذه المذكرة دليلاً على أن نظام الأسد كان يحتجزه، رغم نفيه الرسمي لذلك.
وتابع الحسن إنه نصح الأسد بأن تايس، الذي كانت قضيته محل اهتمام من البيت الأبيض، يمكن استخدامه كورقة ضغط مع الولايات المتحدة، وأنه أكثر فائدة حياً من ميت، بحسب ما نقله المسؤولون وشخص آخر مطّلع على الأمر للصحيفة.
لكن، وفقًا لشخص ثانٍ مطّلع على القضية، فإنه من المشكوك فيه أن الحسن حاول فعلاً معارضة القرار. وأضاف هذا الشخص أن من الأرجح أن الحسن كان يحاول “التنصل من مسؤوليته”، لكنه أشار إلى أن الجزء المتعلق بأن الأسد أصدر أمرًا بقتل تايس يبدو “ذا مصداقية”.
الحسن يصف موقع دفن تايس عندما انهار نظام الأسد في أواخر العام الماضي عقب تقدم خاطف لقوات المعارضة، رأت عائلة تايس أن الفرصة قد حانت أخيرًا. لكن مع إفراغ السجون السيئة السمعة للنظام، لم يظهر أي أثر لأوستن تايس. الحكومة السورية الجديدة تعاونت مع الجهود الأميركية وجهود عائلة تايس للعثور عليه.
أما بسام الحسن، الذي فرضت عليه الحكومة الأمريكية عقوبات في عام 2014 بسبب صلته ببرنامج الأسلحة الكيماوية السوري، فقد فرّ إلى إيران قبيل سقوط النظام في ديسمبر، بحسب ما أفاد به مسؤولون أمريكيون. وأضافوا أنه سافر في ربيع هذا العام إلى بيروت، حيث يقيم بعض أقاربه.
وقدم الحسن لمحققي مكتب التحقيقات الفيدرالي أوصافًا للموقع الذي يمكن العثور فيه على رفات أوستن تايس. وعلى الرغم من أن تلك الأوصاف تغيّرت بعض الشيء، إلا أنها تظل دائمًا ضمن منطقة دمشق، بحسب أحد المسؤولين. ويحاول مكتب التحقيقات الفيدرالي الوصول إلى تلك المواقع من أجل البحث عن الرفات.
قال أحد الأشخاص المطلعين على القضية: “لا يوجد، على الأقل في الوقت الحالي، ما يؤكد صحة ما يقوله الحسن”، لكنه أضاف: “ومن ناحية أخرى، وبالنظر إلى موقعه في النظام، من الصعب فهم سبب رغبته في الكذب بشأن أمر كهذا”.
وأكد مسؤول سوري سابق آخر في مقابلة مع واشنطن بوست أن الحسن كان يحتجز أوستن تايس.
بعد اختطاف تايس في أغسطس 2012، احتُجز في البداية في سجن مؤقت داخل كراج سيارات يقع على بعد شارع واحد من مكتب الحسن في جنوب دمشق، بحسب ما قاله صفوان بهلول، الذي وصف نفسه بأنه جنرال برتبة ثلاث نجوم في جهاز الاستخبارات الخارجية السورية.
ولم يكن المسؤولون الأمريكيون على علم بوجود بهلول حتى ظهوره في مقابلة نُشرت مؤخرًا في مجلة الإيكونوميست، ولم يتمكنوا من التحقق من روايته، بحسب مسؤول أمريكي.
وقال بهلول، الذي يتحدث الإنكليزية بطلاقة ويعيش في بريطانيا، إن الحسن كلّفه باستجواب تايس وسلّمه هاتفه الآيفون. وأوضح أن مهمته كانت التحقق مما إذا كان تايس “مجرد صحافي” أم “جاسوسًا أمريكيًا”.
وأضاف أن تايس أصر على أنه جندي سابق في مشاة البحرية الأمريكية و يعمل كصحافي مستقل. وأشار بهلول إلى أن تايس كان يُعامل بشكل جيد لكنه كان مقيّد اليدين، وهو ما طلب بهلول إزالته خلال جلسات الاستجواب التي استمرت لثلاثة أيام. وأضاف أن جلسات التحقيق لم تخلُ من لحظات خفيفة، حيث دارت بينهما أحاديث عفوية عن نجم موسيقى الكانتري جوني كاش.
وقال بهلول أيضًا إن الحسن هو من رتّب تصوير الفيديو الذي نُشر على موقع يوتيوب في سبتمبر 2012. وقد خلص مسؤولو الاستخبارات الأمريكية منذ البداية إلى أن المقطع كان مُفبركًا من قبل عناصر النظام، لإيهام العالم بأن تايس محتجز لدى جماعات متشددة.
ويذكر أن الخارجية السورية قد تعهدت في أبريل الماضي بإنشاء مكتب اتصال في وزارة الخارجية للعثور على الصحافي الأمريكي المفقود أوستن تايس، وورد ذلك التعهد ضمن المفاوضات بين دمشق وواشنطن بشأن رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا.
وكان وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني قد عمد خلال أول كلمة له أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الجمعة إلى إظهار أن سوريا تلبي بالفعل هذه المطالب، بما في ذلك ما يتعلق بالأسلحة الكيميائية والبحث عن أمريكيين مفقودين في سوريا.
وجاءت كلمته متوافقة مع محتوى رسالة سوريا الخاصة إلى الولايات المتحدة. ولم يُنشر محتوى هذه الرسالة سابقا.
وفي الوثيقة المكونة من أربع صفحات، تتعهد سوريا بإنشاء مكتب اتصال في وزارة الخارجية مهمته البحث عن الصحافي الأمريكي المفقود أوستن تايس، بجانب تعهدات أخرى تتعلق بالأسلحة الكيماوية.
والدة تايس في دمشق
وفي يناير الماضي، وصلت والدة الصحافي الأمريكي أوستن تايس، إلى دمشق، السبت، لتكثيف جهود البحث عن ابنها، وعبّرت عن أملها في أن تتمكن من العودة معه إلى الوطن.
وقادت والدته ديبرا تايس السيارة إلى العاصمة السورية قادمة من لبنان برفقة نزار زكا، رئيس منظمة “هوستيدج إيد وورلد وايد” الدولية المعنية بمساعدة الرهائن والمحتجزين في أنحاء العالم، والتي تتابع قضية أوستن وتعتقد أنه لا يزال في سوريا.