مع مشارفة السباق إلى البيت الأبيض في العاصمة الأميركية واشنطن على أمتاره الأخيرة بالانتخابات الرئاسية في الخامس من نوفمبر الجاري، هبطت هدايا المرشحين نائبة الرئيس الحالية كامالا هاريس والرئيس السابق دونالد ترامب على اللبنانيين.
سعي من إدارة الرئيس جو بايدن إلى تأمين وقف لإطلاق النار عبر مبعوثه أموس هوكشتاين الذي وصل إلى إسرائيل أمس والتقى رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، لتفيد منه هاريس بأصوات العرب واللوبي اليهودي، فيما خاطب ترامب الجالية اللبنانية ووعدها «بوقف المعاناة والدمار».
المساعي الأميركية من الإدارة الحالية، والممكنة من ترامب الذي يمني النفس بالعودة إلى البيت الأبيض بعد غياب أربع سنوات، تتوقف في محطة نتنياهو الذي يقف في موقع قوة يمكنه من تقديم خدمات تستحق على المرشحين الرئاسيين الأميركيين، فيما يقف جيشه عاجزا بسهل الخيام عن تخطي وادي العصافير وبلوغ قلب المدينة، بينما تتسبب طائراته في تهجير الناس من الجنوب، ومحاولة تهجير التاريخ من مدينة الشمس بعلبك، التي غادرها أهلها الأربعاء بعد إنذار من المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي للإعلام العربي أفيخاي أدرعي.
تضغط إسرائيل في الديموغرافيا باستهداف مكون لبناني أساسي من أبناء الطائفة الشيعية، بتدمير بلداتهم وقراهم وتهجير ناسها، وزيادة الضغط على حكومة لبنانية منهكة في بلاد منهارة ماليا واقتصاديا، وتخشى تصدعا داخليا قد يلي، كما يتوقع الغالبية، «اليوم التالي» للحرب الإسرائيلية.
حكومة تعول مع قسم لا بأس به من اللبنانيين، على استعادة قرار السلم والحرب الممسك به «حزب الله» منذ 1996 (إثر تفاهم أبريل بعد عملية «عناقيد الغضب» الإسرائيلية)، وكما يطالبها أيضا المجتمع الدولي، إلا أنها تواجه بأعباء داخلية وأخرى إسرائيلية ليس أقلها النيل من السيادة اللبنانية واحتلال الأرض، وتجاوز الخط الأزرق الحدودي، وعدم الانسحاب من مزارع شبعا وتلال كفرشىوبا.
بين هوكشتاين ومكيال نتنياهو بين المرشحين الرئاسيين الأميركيين، لا يعول اللبنانيون كثيرا على وقف وشيك لإطلاق النار، انطلاقا من التجارب التي شهدتها غزة، إلى موقف الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم الذي قال انه «إذا قرر الإسرائيلي وقف إطلاق النار فنحن نقبل ولكن بالشروط التي نراها مناسبة ومواتية، ولن نستجدي وقف النار، وكل الحراك السياسي الآن هو طحن في كركعة».
بين جهود هوكشتاين والواقع الميداني الصعب في البلاد لجهة نزوح أكثر من ثلث عدد سكانها المقيمين، لا يتفاءل اللبنانيون، ويتعاملون مع اليوميات كما هي، والتي باتت فيها الطرقات تشكل خطرا على سلامتهم، باستهداف الطائرات الحربية والمسيرات الإسرائيلية سيارات تبين أن غالبيتها تابعة لأفراد في «حزب الله»، وبينها سيارات نقل ركاب تنقل صواريخ كما حصل في بلدة عاريا. فيما تردد أن سيارتين عادتا إلى البقاع بعد توقف في أحياء مدينة عاليه وتجمهر شبان من البلدة حولهما والحيلولة دون متابعة سيرهما نزولا إلى بيروت. وموجة التفاؤل التي سادت الأوساط السياسية والشعبية حول الوصول إلى عتبة الاتفاق على وقف إطلاق النار، أثارتها تسريبات إسرائيلية عن صيغة اتفاق أصبحت جاهزة للتفاهم حولها، إضافة إلى تصريح لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي بأنه تلقى إشارات إيجابية من الموفد الأميركي العائد إلى المنطقة لمناقشة الطرح اللبناني مع حكومة نتنياهو.
غير ان موجة التفاؤل هذه تراجعت بعد تأكيد إسرائيلي ان المعلومات المسربة وما تناولته وسائل الاعلام عن الحل قديمة وغير واقعية. كما أن البيت الأبيض اعتبر أن التسريبات لا تعكس الوضع الحالي للمفاوضات. فيما أكد مسؤول أميركي انه لن يحصل أي اتفاق هدنة قبل الانتخابات الأميركية، وكل ما يثار يهدف إلى إشاعة أجواء إيجابية على صلة بالانتخابات.
وقالت مصادر وزارية لـ «الأنباء»: «إذا كان الاتفاق لم ينجز تماما، فإن خطوات إيجابية قد تحققت من خلال مقترح غير معلن لتنفيذ القرار 1701 وضعه الرئيسان نبيه بري ونجيب ميقاتي بعهدة الموفد الأميركي خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان في 21 أكتوبر الماضي وبقي طي الكتمان. وأكد الرئيس ميقاتي موافقة الحكومة ومن بينهم وزراء حزب الله على الدعوة إلى وقف إطلاق النار، وتبني الموقف بنشر الجيش في الجنوب وفقا للقرار 1701، مبديا العتب على حزب الله لتأخره في قرار فصل الساحة اللبنانية عن غزة».
وفيما اعتبر بعض المراقبين ان خطاب الأمين العام الجديد لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم شكل ما يشبه سحب التفويض من الرئيس بري حول موضوع المفاوضات، قالت المصادر «ان ما تضمنه من رفع لنبرة الخطاب هو موقف طبيعي كأول خطاب يلقيه كأمين عام للحزب وفي محاولة شد العصب في هذه المرحلة»، واستبعدت ان يكون هناك أي تغيير فيما يتعلق بالتفويض. وأضافت المصادر أن تقدما حصل في تطورات الوضع، دفع الموفد الأميركي آموس هوكشتاين والمسؤول في البيت الأبيض بيريت ماكغورك بالتوجه إلى إسرائيل، وسط ترجيح زيارة الموفد الأميركي إلى بيروت السبت، فيما لو حقق أي تقدم في محادثاته مع نتنياهو، الذي تقول المصادر الإسرائيلية انه يريد الذهاب بعيدا في الحرب من خلال حملات التدمير.
وترى المصادر أن إسرائيل تحاول الضغط على لبنان من خلال النزوح الذي أصبح «قنبلة موقوتة».
في جانب آخر، لوحظ مغادرة بعض قاطني أحياء في الشطر الغربي من العاصمة بيروت، «بسبب وجود مراكز ومؤسسات تابعة لحزب الله وتنظيمات تدور في فلكه قرب منازلنا»، بحسب أب لعائلة في متوسط الخمسينيات من عمره. وقال لـ «الأنباء»: «أدفع بدل إيجار لوحدة سكنية في المنصورية بالمتن الشمالي، لشراء راحتي النفسية وتجنب القلق، خصوصا بعد استهداف النويري والبسطة التحتا حيث سقط أبرياء».
وأعلنت وزارة الصحة اللبنانية أن حصيلة الهجمات الإسرائيلية في لبنان بلغت حتى مساء أمس الاول 2822 قتيلا و12937 مصابا منذ أكتوبر 2023.