مصير غامض يحيط باحتياطي “ذهب” ومليارات دولارات “حزب الله”، بعد تداول معلومات عن استهداف إسرائيل لـ”البنك المركزي” التابع له في الضاحية الجنوبية لبيروت ومن ضمنها فروع مؤسسة “القرض الحسن”، التي يودع فيها كبار رجال الأعمال المرتبطين بشبكة الحزب المالية وكذلك المؤسسات التابعة له ولأنصاره أموالهم.
لا شيء مؤكد حتى الساعة، بطبيعة الحال، فمكان وجود أموال الحزب ليس مركزاً عاماً أو مصرفاً كبقية المصارف. لكن ما تكشفه المعلومات والتقارير الصحافية حتى الساعة هو أن الضربات الضخمة التي استهدفت أمين عام “حزب الله” حسن نصرالله ومن بعدها خليفته هاشم صفي دين، نالت أيضاً من مستودعات الذهب وأموال كبيرة تابعة للحزب، إذ احترقت الدولارات وذوبت الذهب بشكل كامل، إضافة إلى ضربات أخرى في الضاحية الجنوبية ومناطق أخرى استهدفت مستودعات ومخابئ “القرض الحسن”، الذي هو مؤسسة مالية تابعة للحزب تأسست خلال الحرب الأهلية اللبنانية وتعطي القروض المالية للبنانيين.
وتوضح أنه بعد استهداف مقر نصرالله في 27 سبتمبر (أيلول) الماضي، نقلت جميع الأموال ومؤسساته إلى مقر استخبارات “حزب الله”، وجمعت بداخله المليارات وذهب المودعين في مؤسسة “القرض الحسن” بجميع فروعها في لبنان، التي باتت تحت الأنقاض، ومجهولة المصير، بعد استهداف “المقر الاستخباراتي” بالضاحية الجنوبية لبيروت في 30 سبتمبر الماضي وهو نفس المكان الذي شهد استهداف صفي الدين، الذي ما زال الجدل قائماً في شأن مصيره.
واستهدفت إسرائيل عدة فروع لـ”القرض الحسن” في الضاحية الجنوبية، تضم أموالاً وسبائك ذهب كانت موضوعة كودائع، وذلك شأنه شأن بقية مؤسسات الحزب الاجتماعية والإعلامية والغذائية فضلاً عن مراكزه العسكرية، مما قد يؤثر حتماً في مقدرته المادية ويزيد من حدة الاضطراب في إدارة المرحلة الحالية من الحرب، خصوصاً ما يتعلق بصرف الرواتب للعناصر العسكرية والميدانية وعائلاتهم وذويهم أو تأمين مساكن، الأمر الذي قد يظهر خلال الأشهر المقبلة، مع تزايد المستحقات وطول أمد الحرب، في ظل توقف أي أعمال تجارية أو اقتصادية للمواطنين، وتعطيل مؤسسة “القرض الحسن” التي كان يتم الاعتماد عليها بشكل مباشر من جانب “الحاضنة الشعبية”.
ثلاثة مصادر للتمويل
بحسب موقع “فويس أوف أميركا”، تعطلت ثلاثة مصادر رئيسة للتمويل النقدي لـ”حزب الله”، منها “القرض الحسن” التي يديرها الحزب، يضاف إلى ذلك مصدران أساسيان للتمويل النقدي، هما البنوك التجارية المرخصة التي تعاني من أزمات خانقة، والأموال الآتية من الخارج عبر رحلات جوية إلى مطار بيروت.
وتقدر بعض الأوساط المالية أن قيمة الخسائر تتراوح بين 1.5 إلى 2 مليار دولار، إلا أن أي بيان لم يصدر عن “حزب الله” أو جمعية “القرض الحسن”، حول حجم الخسائر أو كيفية تأثر المودعين، قبل أن يوضح مصدر مقرب من المؤسسة أنها حالياً لا تعيد الذهب إلى المودعين بسبب تعذر الوصول إلى مكانه، مشيراً إلى أن قسماً كبيراً من الذهب ليس في لبنان وتم شحنه سابقاً إلى خارج البلاد. وقد حاولت “اندبندنت عربية” الاتصال بعدة فروع لهذه المؤسسة المالية، لكن لم يجب أحد.
وتعتمد مؤسسة “القرض الحسن” على المودعين والدعم الخارجي، وهي مدرجة على قوائم العقوبات الأميركية لارتباطها بتمويل الحزب، وفي عام 2022 بلغ حجم المعاملات الإجمالية فيها 4.35 مليار دولار ووصل عدد المشاركين والمساهمين إلى أكثر من 400 ألف شخص وزاد عدد القروض على مليوني قرض، ما يعكس حجم الخسائر على المتعاملين مع المؤسسة في حال انهيارها، وانعكاسها على قدرتهم الشرائية ووضعهم المالي وتضرر المؤسسات التجارية المرتبطة بها.
الحرب الشاملة
اعتبر العميد المتقاعد الدكتور عادل مشموشي، أن إسرائيل اتخذت قراراً حاسماً لتقويض جميع قدرات “حزب الله” وإزالته لأنه يشكل خطراً يهدد أمنها، وأن الضربات لم تعد تقتصر على القدرات العسكرية للحزب، مما دفع إسرائيل للبحث عن أهداف جديدة تتعلق بالمؤسسات الاقتصادية والمالية الداعمة له، بما في ذلك الأفراد المتمولين القريبين منه أو المتعاونين معه في خدمة مصالحه.
وبرأيه، “الحرب الشاملة لا تقتصر فقط على الأهداف العسكرية، إنما البنية التحتية الاقتصادية التي تغذي الحزب، مثل المؤسسات المالية والتجارية المرتبطة به”، لزيادة الضغط على “حزب الله” والحد من قدرته على التكيف مع الظروف الجديدة، مشدداً على أن القدرات المالية تعتبر عاملاً أساسياً لجلب المسلحين وتلبية حاجات الأعمال الإدارية واللوجيستية الداخلية، إضافة إلى دعم العائلات المرتبطة به.
وأوضح أن الحرب تتطلب إنفاقاً كبيراً، بخاصة في ما يتعلق بصرف الرواتب للمقاتلين وعائلاتهم والشؤون اللوجيستية، ويتطلب الأمر أيضاً توفير حاجات المقاتلين من طعام ولباس ورعاية صحية، مما يزيد من تعقيد التحديات المالية التي يواجهها الحزب في ظل الظروف الراهنة.
وتوقع أن الحرب في المنطقة لن تنتهي بالقضاء على “حزب الله” فقط، إذ يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى استهداف هذه الأذرع واحدة تلو الأخرى، ليتمكن في النهاية من التحضير لمعركة حاسمة، وتعتبر “معركة الفصل” ضد القدرات الإيرانية، وقد يكون من ضمن مخططاته تدمير مشروع إيران النووي وصناعاتها العسكرية، وكبح نفوذها وتأثيرها في المنطقة قبل أن تتمكن من إعادة بناء قوتها.
تجاوز الحصار
في المقابل، يرى رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والأبحاث العميد هشام جابر، أن استهداف إسرائيل لمؤسسة “القرض الحسن” كان متوقعاً كونه جزءاً من المؤسسات التابع لـ”حزب الله”، موضحاً أن إسرائيل لن تتوانى عن استهداف أي من المؤسسات المالية أو المدنية أو الثقافية، بما في ذلك المراكز الدينية.
وتوقع ألا يكون التأثير دراماتيكياً أو مباشراً على “حزب الله”، لأنه يعتمد على مصادر تمويل متعددة، ويعتبر “القرض الحسن” جزءاً صغيراً من هذه المصادر، كما لن تؤثر هذه الضربة بشكل مباشر على عملياته الميدانية، مؤكداً أن الإمدادات المالية للحزب لا تزال قائمة على رغم محاولات إسرائيل قطعها بالحصار الجوي والبري والبحري.
إخفاء الثروات
من ناحيته، يشير المحلل السياسي مجيد مطر، إلى أن “حزب الله” يعتمد استراتيجيات لإخفاء ثرواته، مثل تسجيل الممتلكات والأموال بأسماء أشخاص موثوقين، مما يصعب عملية تتبعها. وأكد أن التنظيم يمتلك آليات متعددة لحماية موارده المالية، لكنه أشار إلى أن العقارات والمستودعات قد تكون معرضة للاستهداف والخسارة.
وأوضح أن “حزب الله” قد يمر بأزمة مالية كبيرة في المرحلة المقبلة، إلا أن مستقبله وإمكانية تعافيه يعتمد على موقف الدولة اللبنانية، حيث قد يتمكن من الاستمرار إذا سمح له بالتصرف كقوة فوق الدولة. وقال “الأمر يتوقف على مدى قدرة الدولة اللبنانية على التعامل معه بعد هذه الحرب، إذا استمرت الدولة في السماح له بالتصرف فوق مؤسساتها، فإن الحزب سيستمر في استراتيجيته”.
قيادات التمويل في “حزب الله”
وبعد الضربات القاسية التي تلقتها الهيكلية العسكرية والتنظيمية لـ”حزب الله”، وسعت إسرائيل عملياتها لتشمل رجال الأعمال الموضوعين على لائحة العقوبات الأميركية بتهم تمويل ونقل أسلحة للحزب، فاستهدفت محمد جعفر قصير المعروف أيضاً باسم الشيخ صلاح وحسين غولي وهو أبرز رجال الأعمال المقربين من الحزب وأهم العناصر التي تعمل على حماية وتعزيز “بيت مال” الحزب، والذي وضع على لائحة عقوبات مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية بسبب “الخدمات والمساعدات لفيلق القدس الإيراني وللحوثيين وحزب الله”.
وفي الرواية الإسرائيلية، فإن قصير شغل منصب قائد الوحدة “4400” لأكثر من 15 عاماً، وكان في السنوات الأخيرة مسؤولاً عن مجال التمويل في “حزب الله”، ونقل الأموال من إيران وسوريا إلى الجماعة اللبنانية بقيمة مئات ملايين الدولارات سنوياً، وأن قصير “قاد مبادرات اقتصادية بهدف الحصول على تمويل لأنشطة إرهابية مثل مشاريع اقتصادية في لبنان وسوريا وشبكات اقتصادية ورجال أعمال في أنحاء العالم”.
وبعد أيام قتل شقيقه حسن قصير، فور وصوله إلى سوريا لخلافة مسؤول في “حزب الله” كان قد قتل هناك، وهو صهر الأمين العام لـ”حزب الله” السابق حسن نصرالله، وتتهمه إسرائيل بأنه المسؤول عن شراء وسائط يستخدمها الحزب لتطوير قدراته التكنولوجية.
وقبل أشهر قتل “الصراف” محمد سرور الخاضع أيضاً إلى عقوبات أميركية، والذي تم استدراجه وقتله في منطقة بيت مري بقضاء المتن، والتي قيل حينها إن “الموساد” استدرجه وانتزع منه اعترافات قبل تصفيته، وذلك بسبب تلقي سرور أموالاً إيرانية ونقلها إلى حركة “حماس”. وكذلك استهدفت إسرائيل مرات عدة، شاحنات وصهاريج تابعة للحزب قرب الحدود اللبنانية– السورية، حيث يتمركز الحزب على الجانبين، وذلك في قطع طرق إمداده في سوريا عبر تدمير نقطة المصنع التي تضم طريقاً بين البلدين بسلسلة غارات جوية.