تحديات ومساع متعثرة
في السياق، أوضح كبير الاقتصاديين في أحد المصارف اللبنانية الدكتور نسيب غبريل في حديث خاص إلى “اندبندنت عربية” أن “مشروع قانون الكابيتال كونترول كان يجب أن يُقر في سبتمبر/ أيلول 2019، أي عندما ظهرت سوق موازية لسعر صرف الدولار بعد 25 عاماً من ثبات سعر صرف الليرة بسبب شح السيولة في العملات الأجنبية في الاقتصاد الوطني على خلفية تراجع تدفق رؤوس الأموال إلى لبنان. في هذه الحالة، تقوم السلطات في أي بلد كان بوضع سياسة لتجنب خروج أكبر عدد من رؤوس الأموال والودائع وهي إجراءات الكابيتال كونترول”.
أما بالنسبة إلى التحديات الأولية التي أدت الى عدم تطبيق الـ”كابيتال كونترول”، فيشير غبريل إلى أنه “في بداية الأزمة، لم تتوصل السلطات الرئيسة في لبنان، التنفيذية والتشريعية والنقدية، إلى اتفاق بخصوص تطبيق قانون الكابيتال كونترول، علماً أن ممثلين عدة من القطاع المصرفي طالبوا بفرض هذا القانون ولكن لم يحدث رد فعل، مما أدى إلى اتخاذ قرار سياسي بعدم تنفيذه”. ويضيف أنه “في ما بعد، قدم وزير المال حينها غازي وزني، مشروع قانون الكابيتال كونترول إلى الحكومة، ولكن خضعت النسخ المقترحة لتعديلات وتغييرات كبيرة، مما أسفر في النهاية عن سحب المشروع. وطرح المشروع في مجلس النواب لاحقاً ولكنه واجه تعديلات متكررة وتأجيلات”، لافتاً إلى أن “وضع المشروع على جدول أعمال مجلس النواب يثير هجوماً عليه من جهات مختلفة، من دون إجراء نقاش بناء، إضافة إلى انتقادات خارجية اتهمت لجنة المال والموازنة بالتفريق بين الودائع في حال تم اعتماد القانون”.
بدوره، يؤكد عضو لجنة المال والموازنة النيابية النائب بلال عبدالله في حديث إلى “اندبندنت عربية” أن “مشروع قانون الكابيتال كونترول كان يجب أن يقر في اليوم الثاني من بداية الأزمة الاقتصادية عام 2019″، معتبراً أن تأخر ذلك “مرتبط بالسلطة السياسية، إذ لم تكن متحمسة للموضوع في البداية لأنه كان مطلوباً من الحكومة أن تقدم رزمة كاملة تتضمن كل القوانين الإصلاحية ليقوم مجلس النواب بإقرارها”.
ويقول عبدالله إن “الخطأ الكامن في هذا المشروع هو وجود بعض المبالغة ضمنه، إذ كان من الأجدى بدل التركيز على السحوبات الداخلية الاكتفاء بضوابط السحوبات الخارجية، خصوصاً أن مناقشة الأمور الداخلية معقدة وغير محسومة ولا نرى سوى تقاذف في المسؤوليات بين المصارف ومصرف لبنان في موضوع كيفية الحفاظ على ودائع الناس وهذه هي النقطة المركزية”.
أما بالنسبة إلى السبب الرئيس الذي أدى إلى تفاقم المشكلة، فيوضح عبدالله أن “ودائع الناس هي أمانة كانت عند المصارف التي وضعتها عند الدولة طمعاً بالفائدة، والأخيرة قامت بصرفها”، مؤكداً “الحاجة إلى قانون لنضمن أن الدولة ملتزمة مع المصارف إعادة الودائع ولو بعد فترة أو بأي طريقة كانت. كما على النواب ألا يتحمسوا فقط لإقرار هذه الصيغة من دون أن يكون هناك وضوح بتأكيد حماية ودائع الناس”.
تاريخياً
من جانب آخر، عرف لبنان تجارب عدة في مجال فرض الـ”كابيتال كونترول”، لذا هذا الأمر ليس جديداً، ويشير الاقتصادي غبريل إلى أنه “منذ عام 1967، وعلى مدى الحروب والأزمات التي شهدها البلد، وضعت الحكومة تفاصيل مشروع قانون وإجراءات الكابيتال كونترول، وصوّت مجلس النواب عليها في يوم واحد فقط. وفي مرحلة لاحقة، تم خفض هذه القيود بصورة موقتة ومن ثم رفعها بالكامل في وقت لاحق”.
تغير الأولويات والتحول في الأهداف
وعن أهداف مشروع قانون الـ”كابيتال كونترول”، يشرح غبريل أن “مشروع القانون يسعى إلى تنظيم السوق المالية ومنع التهافت والازدحام في المصارف، خصوصاً في ما يتعلق بسحب الودائع أو تحويلها إلى الخارج”، ويضيف أن “المواطنين والاقتصاد اللبناني دفعا ثمناً باهظاً بسبب الأزمة المستمرة منذ أربعة أعوام من دون وجود قانون للكابيتال كونترول، مما أدى إلى تغيرات في أهدافه، إذ يركز اليوم على المساواة في السحوبات المصرفية وضبط السوق لتفادي تقلبات سعر الدولار والتضخم”.
ويشدد غبريل على “أهمية إقرار هذا القانون كخطوة أولى لبدء العملية الإصلاحية وتحقيق التوازن في القطاع المصرفي وتوحيد الأسعار والصرف بصورة شفافة”، لافتاً إلى “أهمية التوعية والتوصل إلى توافق شامل حول أهداف هذا القانون وأسبابه لتفادي الخلافات والمزايدات والردود الشعبوية التي قد تعوق إقراره في الوقت الراهن”.
تحديد مصير الودائع؟
أما عن المشاريع القانونية الأخرى ومدى قدرتها على تحديد مصير الودائع، فيوضح غبريل أنه “على سبيل المثال لا يمكن لمشروع القانون المقترح عن إعادة هيكلة المصارف تحديد مصير الودائع، بينما يتعين ذلك من خلال قانون إعادة التوازن المالي الذي قدمته الحكومة. فهذا القانون يحدد مصير الودائع بناءً على الحد الأقصى للودائع والتحويلات والتي يتم توجيهها إلى أسهم في المصارف أو لصندوق استعادة الودائع”، مؤكداً أهمية أن “تقوم الحكومة ومجلس النواب بالتوضيح أولاً أن هذا القانون لا يحدد مصير الودائع” ومعتبراً أن “هذا السوء في التفسير هو ما يمثل العائق الرئيس حتى الآن”.
أسباب العرقلة
وعن السبب وراء عرقلة مشروع قانون الـ”كابيتال كونترول”، يرى النائب بلال عبدالله أن “المصارف تمارس قوتها في هذا الموضوع وتتهرب من مسؤوليتها وذلك أيضاً ينطبق على الدولة ومصرف لبنان، ولذلك هناك تقاطع وتضارب مصالح في مكان ما”، لافتاً إلى أن “مهمة مجلس النواب أن يشرع بطريقة عادلة ومتوازنة بين الحفاظ على اقتصاد البلد والحفاظ على السلامة النقدية وسلامة المودعين”.
سلة متكاملة
أما بالنسبة إلى الاقتراحات المطروحة، فيقول عبدالله، “ننتظر من الحكومة أن ترسل كل القوانين خلال الشهرين الأولين من العام الجديد، ومن ضمنها ثلاثة مشاريع أساسية هي مشروع قانون إعادة هيكلة المصارف ومشروع قانون إعادة توزيع الخسائر والكابيتال كونترول، ومن هنا يكون التشريع أدق ونستطيع حماية الودائع فعلياً وليس نظرياً”.