آثر عدد من الكتل النيابية وعلى رأسها «الثنائي الشيعي» وضع تهمة العرقلة الرئاسية في ملعب المسيحيين. وهنا يُنتظر ما سيكون عليه ردّ فعل هذا «الثنائي» وما إذا كان سيحترم الإرادة المسيحية أو إنه سيتصرّف كأنه الحاكم الوحيد للبنان ويقول «إما أن تنتخبوا مرشحي المرفوض مسيحياً أو لا رئيس في المدى المنظور».
وإذا تمّ الإتفاق على أي اسم بين المعارضة و»التيار الوطني الحرّ»، والأوفر حظاً كما بات معلوماً هو الوزير السابق جهاد أزعور، سترتفع حظوظ هذا المرشّح لأنه نال الإجماع المسيحي المطلوب وتخطّى رقمه الوطني الـ65 نائباً، وقد يلجأ عندها «الثنائي الشيعي» إلى لعبة تعطيل النصاب لفرض أمر واقع.
لن يُسلّم «الثنائي الشيعي» بخروج الأمور عن سيطرته. ويقاتل من أجل فرض فرنجية على المسيحيين واللبنانيين، لكن التطورات الداخلية سارت عكس تمنياته، إضافةً إلى السقوط المدوّي للمبادرة الفرنسية وعدم ضغط المملكة العربية السعودية على حلفائها للسير بسليمان فرنجية.
وتتحدث الأرقام في مثل هكذا معركة، وعندما يتمّ الإعلان الرسمي عن الإتفاق بين المعارضة و»التيار الوطني الحرّ» سيُصبح هناك واقع مسيحي مستجد لا يمكن تخطيه. وفي لغة الأرقام، هناك 59 نائباً مسيحياً ضد فرنجية وسيحصد مرشح المعارضة و»التيار» الأغلبية الساحقة منهم وتتوزع أصواتهم على الشكل الآتي: «الجمهورية القوية» 19 نائباً، «لبنان القوي» 17 نائباً، «الطاشناق» 3 نواب بعدما ابلغوا عدداً من المراجع المسيحية التزامهم بالاتفاق إن حصل، «الكتائب اللبنانية» 4 نواب، حركة «الإستقلال» نائبان، 6 نواب تغييريين ضد فرنجية وأغلبيتهم مع المرشح التوافقي. نائب «اللقاء الديموقراطي» راجي السعد، والنواب المعارضون: نعمة افرام، جميل عبود، شربل مسعد (ضد فرنجية وينتظر الاعلان الرسمي عن ترشيح ازعور)، ميشال ضاهر (ضد فرنجية ويتم العمل على اقناعه بالتصويت لمرشح التوافق)، غسان سكاف، جان طالوزيان، سجيع عطية (ينتظر موقف الاعتدال واتفاق المعارضة).
وأمام هذه المشهدية المسيحية والوطنية، يكون مرشح المعارضة و»التيار الوطني الحرّ» قادراً على حصد 59 نائباً مسيحياً من أصل 64 أي ما نسبته 92 بالمئة من أصوات النواب المسيحيين، في حين لن يتمكّن فرنجية من نيل سوى أصوات 5 نواب مسيحيين هم النواب: طوني فرنجية، ملحم طوق (وليم)، فريد هيكل الخازن، ميشال الياس المرّ وميشال موسى، وبالتالي بات واضحاً أين سيذهب الإجماع التاريخي النيابي المسيحي.
ولا يتوقّف الأمر على الكتل المسيحية، بل يذهب إلى حدّ دعم البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي لهذا التوافق إضافة إلى بقية المرجعيات الروحية المسيحية التي لا تريد كسر إرادة المسيحيين والقفز فوقها بغضّ النظر عن شخصية المرشح في الجهة المقابلة.
بات «الثنائي الشيعي» مطوّقاً مسيحياً في حال صدقت نوايا «التيار الوطني الحرّ». وسيكون هذا الإجماع المسيحي سابقة في تاريخ المسيحيين، ويتخطّى نتائج «الحلف الثلاثي» في إنتخابات 1968 التي كسرت «الشهابية» وأسست لمرحلة جديدة من تاريخ لبنان، ويتقدم على «التسونامي» الذي أحدثه العماد ميشال عون في انتخابات 2005 النيابية، وأيضاً يتفوّق على «إتفاق معراب» الذي وقّع في 18 كانون الثاني 2016. ويحاول «التيار الوطني الحرّ» عدم كسر الجرّة نهائياً مع «حزب الله». وهنا يواجه «الحزب» الواقع الجديد بتشدّد أكثر. لكن المشكلة الأصعب تكمن في أن حليفه المسيحي الذي أمّن له الغطاء المسيحي منذ العام 2005 خرج عن سيطرته ولم يتمكّن من إعادته إلى «بيت الطاعة» على رغم الوعود والمغريات والإغراءات والتهديدات.
من جهتها، ستكون فرنسا محرجة ومضطرة للتعامل مع الواقع الجديد مثل حليفها الجديد «الثنائي الشيعي»، ولا يمكن لسماسرة الإليزيه التصرّف وكأن مثل هذا الواقع غير موجود، لذلك سيعيد إتفاق «التيار» والمعارضة رسم حسابات الجميع حتى لو لم يُنتخب رئيس في وقت قريب.