ورافقت وزارة الإعلام التغطية الإعلامية الميدانية في الجنوب اللبناني منذ اليوم الأول، ووضعت آلية للإجراءات التي جرى اتخاذها مع الجيش اللبناني و«يونيفيل» والصليب الأحمر، حسبما أشار وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد مكاري، لـ«الشرق الأوسط»، معتبراً أن الجيش اللبناني هو الذي يمسك بزمام الأمور في الجنوب وهو الذي ينسّق مع «يونيفيل» والصليب الأحمر.
وقال مكاري: «عملنا على عدد من التفاصيل التي تتمحور حول وضع الجيش اللبناني، ووزارة الإعلام إلى جوار كل ما له علاقة بالتغطية الإعلامية وبيانات الإعلاميين الموجودين في الجنوب، وارتأينا ألا نحدّد أماكن وجود الإعلاميين، لأنه إنْ حدّدنا بعض الأماكن وأراد الصحافيون تغطية أماكن أخرى يصبحون هدفاً للإسرائيليين».
وفي ملف التواصل مع «يونيفيل»، أكد مكاري أن الهدف من التواصل معهم «أن نرى إمكانية قيام نقاط تجمّع للإعلاميين والصحافيين، على غرار بعض البلدان، ولكن لم ينجح الأمر في الجنوب اللبناني لأنه تبيّن أنه ليس من ضمن المهام الموكلة إليهم».
كانت وزارة الإعلام قد تابعت كل النقاط والإجراءات التي وضعتها ومن ضمنها تنسيقها مع الصليب الأحمر اللبناني دورات تدريبية للصحافيين للإسعافات الأولية شاركت فيها المؤسسات الإعلامية على اختلافها. من جهة أخرى جرت مراسلة المؤسّسات الإعلامية من أجل التشديد على نقاط ثلاث؛ أولاها التدريب، تليها السلامة العامّة، والتأمين الطبي. وإذ أكد مكاري أنه لمس تجاوباً من المؤسّسات، لفت إلى أنه لا صلاحية لوزارة الإعلام على المؤسسات الإعلامية في لبنان، وعملها يبقى ضمن التوجيهات، وأضاف: «تأكّدنا من الشكاوى التي وردت إلينا، إضافةً إلى الشكوك في الخطوات التي قطعوها».
إجراءات مشتركة مع الجيش
وعمَّمت قيادة الجيش على الصحافيين ووسائل الإعلام دعوات لـ«التقيّد بإرشادات الوحدات المنتشرة فيما خص النقاط الخطرة»، و«عدم تصوير محيط المراكز العسكرية والأمنية أو نشر معلومات أو تفاصيل ميدانية يمكن للعدو الإسرائيلي استغلالها»، و«اتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر في أثناء تغطية الأحداث».
ويتبين أن الإجراءات التي اتُّخذت هي إجراءات مشتركة مع الجيش، لأن الوضع في الجنوب أمني وعسكري، كما لفت وزير الإعلام. وعمّا إذا كانت كافية لحماية الإعلاميين، قال مكاري: «لا يمكننا القيام بأكثر من ذلك، لأننا أمام عدّو همجي ولا يفرّق بين إعلامي ومدني وطفل».
لا منطقة آمنة في الجنوب
ويشعر الصحافيون اللبنانيون بخطر الاستهداف خلال التغطية في الجنوب. يقول مراسل قناة «MTV» اللبنانية نخلة عضيمة، الذي تعرّض في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي مع زملائه لصواريخ إسرائيلية في أثناء تغطيته ببلدة يارين الجنوبية، إنها ليست المرة الأولى التي يغطي بها حرباً، وهو الذي خضع لدورات تدريبية عدة في لبنان وخارجه، لكن برأيه «كل حرب أو صراع أو اشتباك يتمتّع بظروف معيّنة وخصوصيّة وله طريقة معيّنة في التعامل معه». ويشير في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن إسرائيل في كل الحروب التي شنّتها، منذ حرب 2006 إلى اليوم، «تحاول إسكات الصحافيين من خلال استهدافهم لطمس الجرائم التي ترتكبها»، ذلك أن «الحروب الإعلامية توازي الحروب الميدانية العسكرية، إذ إن المواكبة الإعلامية تؤثّر في الحروب ومسارها».
وإذ يؤكد عضيمة وجود مخاطر كبرى في تغطية المواجهات على الجنوب اللبناني، يشدد على «ضرورة معرفة كيفية التنقّل؛ فأمن الصحافي والفريق الذي معه من مصور ومساعد، أولويّة».
عضيمة وبعد نجاته وصحافيين آخرين من الاستهداف الإسرائيلي، يقول إنه «لا وجود لأي منطقة آمنة في الجنوب، ولكن هناك مناطق آمنة أكثر من غيرها، ومن هنا يجب الحذر»، كاشفاً عن أن الجولة الإعلامية في يارون «كانت بالتنسيق مع الجيش اللبناني و(يونيفيل)، ومن هنا أخذنا كل الاحتياطات بعدما لمسنا أن المنطقة مهجورة»، مشدداً على أنه «لو لم نأخذ ضمانة من الجيش و(يونيفيل)، لم نكن لنذهب».
ورفض عضيمي التعليق على الانتقادات التي طالت بعض الصحافيين، والقول إنه لا خبرة عند بعضهم، وقال: «عندما أرى أن المواجهات خرجت عن السيطرة أنسحب، ولكن رغم أن الهدف توثيق الجرائم فإن الأولوية هي السلامة».
انتقادات لوسائل الإعلام
وتعرضت بعض وسائل الإعلام للانتقادات بعد 7 استهدافات لصحافيين في الميدان الجنوبي، ويتحدث المنتقدون عن عدم مراعاة أصول التغطيات الميدانية. في هذا الجانب، يؤكد أستاذ الإعلام والمدير السابق لكلية الإعلام في الجامعة اللبنانية الدكتور جورج صدقة، أن هناك مبادئ لتغطية الإعلاميين في مناطق النزاع، لافتاً إلى أن كل المؤسسات الدولية والمتخصّصة «تقدم دورات لأمن الصحافيين، لأنه غير مطلوب من الصحافي اليوم أن يكون شهيداً، لأنه عندما يستشهد تخسر الصحافة ويخسر الرأي العام». ومن هنا، يؤكد أهمية أن يعمل الصحافي في ظروف أمنية جيّدة لكي يستطيع أداء مهامه.
ويرى صدقة أن «ما يحصل اليوم فيه الكثير من الخروج على مبادئ الأمن الذاتي للصحافيين»، مضيفاً: «ندرك أن مؤسساتنا الإعلامية بأكثريتها لا تدرّب الصحافيين العاملين لديها، كما أنها لا تعطيهم المقومات الضرورية لحمايتهم». ودعا المؤسسات الإعلامية إلى «أن تُخضع الإعلاميين لدورات تدريبية من أجل حمايتهم وتأمين الظروف الضرورية خلال التغطية». وقال: «عند الخطر لا تجب المخاطرة. حياة الصحافي أهم من التغطية الإعلامية».
من جهة أخرى يرى صدقة أن المؤسسات الإعلامية تتنافس فيما بينها على قاعدة «مَن يغطي (مباشر) أكثر»، لأن التغطية المباشرة تجذب المشاهدين، مشيراً إلى أن «هناك الكثير من التغطيات المباشرة لا قيمة لها، إذ إنها لا تعطي أي إضافة إخبارية للمشاهد. أغلب ما يقدَّم للمشاهد إثارة وليست معلومة». ودعا المؤسسات إلى التراجع عن استعمال هذه الأساليب «لأنها أساليب رخيصة ومبتذلة إلى حد ما».
وقال صدقة: «التغطية المباشرة مهمة ولكن ليس بأي ثمن، فأنا بصفتي مؤسسة لا يحق لي التضحية بحياة الإعلاميين، وكل تغطية ليست ضرورية ولا تقدم إضافة للجمهور وتشكل إضاءة حقيقية على الحدث ليست ضرورية». ومن جهة أخرى، يؤكد صدقة أنه لا يعارض إرسال المتخرجين الجدد إلى الجبهة و«لكن بعد خضوعهم لدورات تدريبية بالتغطية والحماية الذاتية».
أخطر الحروب
وتسهم خبرة الميدان في تعزيز أمان الطواقم الإعلامية في التغطية على الأرض. ويقول المصوّر الصحافي في المؤسسة اللبنانية للإرسال «LBCI» طوني كيريلس، الذي يمتلك تجربة سنوات في تغطية الحروب، إن الأولوية بالنسبة له «هي حماية أنفسنا»، مشيراً إلى أن التنقل هو الأخطر.
ولفت كيريلس إلى أن تصوير الحرب أصبح مختلفاً عن الماضي «لا سيما في ظل وجود الهواتف وإمكانية التصوير بها، ولكن يبقى لوجودنا أهمية كالحضور لتوثيق جرائم العدو، علماً بأن كل شخص هو كاميرا وهاتف، وبات الأمر مغايراً عن الحروب السابقة».
وكشف كيريلس وجود إعلاميين غير مدرّبين على الميدان ومن دون خبرة في تغطية الحروب، مشيراً إلى أن تصوير الحرب «مختلف عن تصوير احتجاجات أو تغطية عادية، وهذا ما يعرّض الإعلاميين للخطر، وهذا الأمر لم يقتنع به كثيرون إلا بعد مرور 45 يوماً من الحرب».
ويرى أن هذه التغطية للمواجهات «هي الأصعب بمسيرتي المهنية»، لافتاً إلى أنه «بعد هذه التجربة تتغير النظرة إلى أمور الحياة»، مشدداً على أن التنبه والسلامة يبقيان الأهم.