ويسبق قدوم لودريان استمرار للكباش بين الكتل النيابية المسيحية والمعارضة ورئيس مجلس النواب نبيه بري حول عقد الجلسة التشريعية المقررة لإقرار اعتمادات إضافية لرواتب موظفي القطاع العام.
وفي وقت حسمت القوات اللبنانية والكتائب و”حركة تجدد” وبعض التغييريين القرار بعدم المشاركة في الجلسة التشريعية فإن أي مقاطعة لها من قبل التيار الوطني الحر قد يحول دون اكتمال نصابها. واكتفى النائب سليم عون من التيار بالقول “إذا كان الحل متعذراً لرواتب القطاع العام فإن الحضور ضروري، ولكن بجدول أعمال محصور ببندين وليس فضفاضاً”.
كما سبق حضور لودريان نقاش حول اقتراح نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب إجراء انتخابات نيابية مبكرة، وهو اقتراح أعلنه بعد زيارته الرئيس بري في عين التينة، الأمر الذي فسّره البعض بأنه “لابتزاز” رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بعد ابتعاده عن حزب الله واعتماده خيار التصويت للمرشح جهاد أزعور بدلاً من السير خلف رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية. وفي اعتقاد هذا البعض أن أي انتخابات نيابية مبكرة ستقلّص حجم كتلة باسيل الذي استفاد من دعم حزب الله في بعض الدوائر الانتخابية ومن تجيير نواب لكتلته لتكون موازية لحجم كتلة القوات اللبنانية.
غير أن أولى ردود الفعل على اقتراح بو صعب أوحت برفض هذا الاقتراح واستهجان توقيت طرحه بدلاً من الذهاب إلى انتخابات رئاسية، في وقت عمد من يقفون وراء هذا الاقتراح بالذات على تأجيل الانتخابات البلدية التي كانت مقررة في أيار/ مايو الماضي.
واللافت أن الانتقادات لبو صعب جاءت من قلب التيار الوطني الحر على خلفية عدم مناقشة هذا الاقتراح قبل طرحه. أما القوات اللبنانية فرأت على لسان رئيس جهاز العلاقات الخارجية الوزير السابق ريشار قيومجيان أن “طرح الانتخابات النيابية المبكرة هو لتغطية تعطيل الانتخابات الرئاسية من قبل حزب السلاح وحركة أمل وحلفائهم”، وقال “بالطبع النائب الياس بو صعب يعلم جيدًا أن طرحه سيواجه اعتراضات”.
والملاحظ أن العلاقة بين حزب الله والتيار لم تشهد تهدئة بعد جلسة انتخاب الرئيس، ويبدي مسؤولون في التيار امتعاضهم من استمرار طرح إعلاميين مقربين من الحزب علامات استفهام حول وحدة التيار في ضوء الشكوك بعدم التزام نواب بالتصويت لأزعور. وردّ النائب سيزار أبي خليل على ما يراه “استهدافاً” للتيار، مؤكداً “أن التيار متماسك وموحّد، وأن الأصوات الـ59 التي نالها جهاد أزعور كانت مرشحة للارتفاع”، واعتبر أنه “بدلًا من الاحتفال بانتصارات وهمية علينا الذهاب للتحاور والنقاش والاتفاق على خارطة طريق”.
وعن العلاقة بحزب الله قال: “وقفنا وقفات كبيرة مع حزب الله كلّفتنا كتير وكلّفتنا جماهيرية”. وأضاف “لا يمكن المقارنة بين الرئيس ميشال عون الذي كان يملك كل الشرعية عند انتخابه وبين انتخابات اليوم لمرشّح جُيرت له الشرعية”.
كذلك، فإن النائب سيمون أبي رميا الذي كان إلى جانب زميليه ابراهيم كنعان وآلآن عون غير متحمسين لخيار أزعور، أعلن “التزام نواب التيار الوطني الحر بالتقاطع الذي حصل مع القوى الأخرى حول الاستحقاق الرئاسي”، نافياً “كل الافتراءات والأكاذيب التي طالت نوابًا من التيار في جلسة 14 حزيران/ يونيو”.
ولفت ابي رميا في لقاء مع ناشطين في التيار تداعوا إلى منزله في إهمج إلى “أنها حملة ممنهجة يتعرض لها التيار وسنتصدى لها بقناعاتنا المرتكزة على مصلحة لبنان ووحدة التيار”.
تزامناً، أعرب البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي عن أسفه لفشل الجلسة الـ12 في انتخاب رئيس، وسأل في عظة الأحد: “كيف نستطيع مع شعبنا، الذي تكويه في الصميم الأزمات، أن نقبل بمهزلة ما جرى في جلسة انتخاب رئيس للجمهورية الأربعاء الماضي، بعد ثمانية أشهر من الفراغ والانتظار، حيث انتهك الدستور والنظام الديمقراطي بدم بارد، وتوسّع جرح الانقسام والانشطار، في وقت يحتاج فيه لبنان إلى شد أواصر الوحدة الداخلية؟ أهكذا نحتفل بمئوية لبنان المميز بميثاق العيش معا مسيحيين ومسلمين، وبالحريات العامة، والديمقراطية، والتعددية الثقافية والدينية في الوحدة؟ أهكذا ننتزع من لبنان ميزة نموذجيته، ونجرده من رسالته في بيئته العربية؟”، مضيفاً “لا بد من عودة كل مسؤول إلى الصلاة والوقوف في حضرة الله بروح التواضع والتوبة والإقرار بخطئه الشخصي، لكي يصحح خطأه، ويتطلع إلى حاجة الدولة والمواطنين من منظار آخر”.
بدوره، رأى متروبوليت بيروت وترابعها للروم الاورثوذكس المطران الياس عودة “أن 12 جلسة لانتخاب الرئيس لم تكن سوى عمليات إجهاض تمنع إنقاذ بلد يكون وطناً لجميع أبنائه”، واستهجن مسألة الصوت الضائع، سائلاً “هل ضياع صوت أمر عادي لا يستحق الوقوف عنده؟”.
في المقابل، فإن قيادات حزب الله رأت أن نتائج جلسة الانتخاب حملت رسالة واضحة وحاسمة بأن لا خيار إلا بالحوار، وهذا ما أكد عليه عضو المجلس المركزي الشيخ نبيل قاووق الذي اعتبر “أن الجلسة باعدت أولئك الواهمين والحالمين عن شعاراتهم غير الواقعية، وأعادتهم إلى الواقع بأن شعاراتهم أكبر من أحجامهم، وأن البلد لا يحتمل المزيد من المغامرات غير المحسوبة”، مشيراً إلى “أن طبيعة التوازنات النيابية لا تسمح لأحد بفرض مرشحه على الآخر، وهي تقطع الطريق على منطق المواجهة والتحدي”.
وقال: “إن حزب الله وحركة أمل يجددان الموقف الوطني الداعي إلى حوار غير مشروط على مستوى المرشحين والمشاركين”.
بدوره، قال عضو “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب علي فياض في انتقاد للطرف الآخر “منذ اللحظة الأولى لفتح الاستحقاق الرئاسي، أعلنوا أنه ممنوع على المرشح المقرب من المقاومة أن يصل إلى سدة الرئاسة، وهذا موقف يتناقض مع الديمقراطية اللبنانية بخصوصيتها المعروفة، لأنه ينطوي على انتزاع مسبق لحقوق مكرّسة دستورياً، ويقوم على نزعة عدائية واضحة، بينما في المقابل، أعلنا منذ اللحظة الأولى، الدعوة للحوار والتوافق، كترجمة سياسية أمينة لنظام الثلثين المكرّس عرفاً في تطبيق الدستور، وعندما تريثنا في إعلان مرشحنا، انتقدوا هذا الموقف واعتبروه تعطيلاً، ورفضوا الدعوة التي دعا إليها رئيس المجلس النيابي”.
