سادت لدى الأنظمة العربية الانقلابية بدءاً من خمسينيات القرن الـ20، فكرة الخروج من بلدانها لمحاربة ما كانت تصفه بالاستعمار والرجعية. كانت شعوب انقلابات “الضباط الأحرار” ترزح في فقر وكتم أنفاس، ولا يوجد أفضل من شعار “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة” حتى يؤجل قرار الرخاء والديمقراطية إلى حين الانتهاء من محاربة بريطانيا والولايات المتحدة و”ربيبتها” إسرائيل. الخروج الكارثي الأول كان لجمال عبدالناصر الذي زج في “حرب اليمن” جيشاً وصل تعداده في مرحلة من المراحل إلى 70 ألف جندي، بعدما كانت التقديرات عام 1962، حين اندلاع الثورة على “نظام الإمامة”، بأن ألف جندي مصري عدد كافٍ لينتصر الضابط عبدالله السلال. المخزي أن قوات عبدالناصر قصفت مدينتي جيزان ونجران السعوديتين في تاريخ لافت هو مايو (أيار) 1967، أي قبل شهر من “حرب 67″ التي انتهت بـ”النكسة”.
تدور الأيام وترث إيران نهج “الضباط الأحرار” في الخروج إلى جبهات المنطقة، ولكن بواسطة أدواتها. خسر عبدالناصر 5 آلاف قتيل في اليمن، ولكن إيران تقاتل العرب بالعرب، ففي اليمن هناك الحوثي، وفي لبنان هناك “حزب الله” المتنقل بين جبهات الجنوب اللبناني والجبهات السورية وصولاً إلى العون العسكري للحوثيين. في مراجعة لاذعة لسياسة عبدالناصر اليمنية وفي رواية “الباقي من الزمن ساعة”، كتب حائز جائزة نوبل للآداب المصري نجيب محفوظ “أسمعت ما يُقال عن أغنية أم كلثوم أسيبك للزمن؟ يقال إن الأصل أسيبك لليمن”. وفي مقابلة صحافية عام 2008، قال الفريق عبدالمحسن مرتجي قائد القوات المصرية في اليمن عن عبدالناصر “كان يرسل أموالاً من خزانة الدولة إلينا حتى ندفعها للقبائل اليمنية، وعندما طالبنا بالانسحاب من اليمن لأن الخسائر أصبحت كبيرة، قال مش ممكن ننسحب our prestige هيضيع”. ولكن ثمة ما ضاع في حرب “يونيو 67”.
وقبل أن تعتمد إيران نظرية “الخروج إلى البلدان الأخرى”، النسخة غير الأصلية للضباط الأحرار المصريين تمثلت في ثورة “الفاتح من سبتمبر” التي قادها عقيد ليبي اسمه معمر القذافي. عام 1978 دخل القذافي في حرب مع جارته تشاد، وإضافة إلى اعتماده على فرق من قبائل تشادية، استقدم جنوداً من السودان، تحديداً من قبائل دارفور لمناصرته في احتلال منطقة أوزو التي تبلغ مساحتها نحو 80 ألف كيلومتر. مغامرة قائد “الضباط الأحرار” في ليبيا انتهت بهزيمة لم تحل دونها إسعافات من لبنان قادها الحزب الشيوعي والقومي السوري والاشتراكي. ونترك الكلام لجورج حاوي أمين الحزب الشيوعي آنذاك، وما قاله لغسان شربل في مجلة “الوسط” عام 1996 “هذه من طرائف الوضع. الدنيا أخذ وعطاء. لا يمكنك أن تأخذ من دون أن تعطي. أخذنا من ليبيا دعماً سياسياً ومالياً وعسكرياً كبيراً كحركة وطنية وكحزب، ودخلت ليبيا في صعوبة فكان لا بد لنا من أن نفي بالتزاماتنا. حصلت انهيارات على الجبهة في أوزو فكنا مبادرين، وليد جنبلاط وأنا وعدد من القوى الفلسطينية الصديقة، في إرسال متطوعين من لبنان، نحن والحزب التقدمي الاشتراكي والحزب السوري القومي الاجتماعي. أرسلنا نحو ألف شاب وانتشروا فوراً على الجبهات، وأدى انتشارهم إلى رفع معنويات المقاتلين الليبيين وقيادتهم”، المهم المعنويات.