عبر حسابٍ أنشأته حديثا على تطبيق “إنستغرام” لم تترك زوجة رئيس النظام السوري أسماء الأسد لحظة من زيارتهما إلى الصين إلا ووثقتها بالصور والفيديو، وحتى باتت المشاهد التي نشرتها بكثرة، يوما بعد يوم، مع مديرة مكتبها دانا بشكور تطغى على الهدف الأساسي للرحلة، الذي وصفته وسائل الإعلام الرسمية بـ”القفزة التاريخية والهامة”.
ومنذ لحظة وصولهما إلى مدينة هانغتشو، ومن ثم إلى بكّين، استعرضت أسماء الأسد تفاصيل دقيقة تحولت من خلالها الزيارة الرسمية وكأنها “رحلة عائلية”.
وفي إحدى التسجيلات عبر “إنستغرام” وثقت لحظة ترتيبها الملابس التي يرتديها الأسد قبل توجههما إلى مأدبة الغداء.
وأظهرت تسجيلاتٍ أخرى نشرتها على الحساب الحديث في “إنستغرام” جولاتها مع زوجها وأبنائها الثلاثة إلى معابد دينية وقرى وبلدات صينية، ولحظات حضورهما حفل إطلاق دورة الألعاب الآسيوية، التي تشارك فيها سوريا بعدة رياضيين.
وقبل 3 أعوام نادرا ما كانت أسماء الأسد تخرج بإطلالات إعلامية أو تجري مع زوجها زيارات رسمية جنبا إلى جنب، لكن ومع مرور الوقت وتوالي التطورات الداخلية في سوريا وبدء النظام السوري الظهور بـ”حالة المنتصر” بعد انحسار رقعة المعارك بشكل تدريجي تغيّر ذاك المشهد على نحو كبير ولافت.
وما بين إطلالة هنا واجتماع وكلمةٍ هناك وزيارة إلى قرى ومحافظات سورية، حجزت زوجة رئيس النظام السوري صورة إعلامية مختلفة لها، وبينما التزمت بهذا المسار لفترة من الزمن، تصاعد حضورها مؤخرا بالزيارة الخارجية التي أجرتها مع الأسد إلى دولة الإمارات، ومن ثم إلى روسيا، يونيو الماضي، في أثناء حضورها “حفل تخرج ابنها حافظ من جامعة موسكو الحكومية”، وصولا إلى زيارتهما معا إلى الصين.
وجاء هذا الصعود في وقت تحدثت الكثير من التقارير الإعلامية المحلية والأجنبية عن دور اقتصاديٍ باتت تلعبه داخل “القصر الجمهوري”، استهدفت من خلاله طبقة خاصة ببعض أمراء الحرب، والفقراء الذين يقيمون في مناطق سيطرة النظام السوري.
وسبق أن كشف موقع “الحرة” عن خفايا هذا الصعود ضمن تقريرين نشرا في ديسمبر 2020 ويونيو 2021، فيما سلطت تقرير لصحيفة “فاينانشال” تايمز البريطانية، في أبريل 2023، الضوء على “الدور القيادي والنفوذ الواسع لزوجة الأسد”، على مختلف قطاعات الاقتصاد السوري.
“بصماتها واضحة”
ومن خلال التسجيلات التي توثق إطلالات أسماء الأسد، دائما ما تبدو الأخيرة كأنها “تلعب دورا قياديا ما”، ورغم أنها لم تتطرق إلى الأوضاع التي تعيشها سوريا في الوقت الحالي سواء سياسيا أو اقتصاديا، وركّزت في معظم عباراتها على “خطابات اجتماعية وإنسانية في آن واحد”.
وفي الأماكن العامة، تقدم أسماء (48 عاما) الرعاية للأمهات وأسر العسكريين والأطفال المصابين بالسرطان والناجين من الزلزال، لكن في السر حوّلت نفسها إلى موقع قوة، وفقا لمقابلات أجرتها “فاينانشال تايمز”، قبل خمسة أشهر، مع 18 شخصا على دراية بأنشطة النظام.
وتتحكم أسماء، وفق الصحيفة البريطانية في “العديد من مستويات الاقتصاد”، إذ تصنع السياسات وتجني الأرباح، وتساعد في تمكين النظام، وتظهر بصماتها بشكل واضح في قطاعات عدة، مثل العقارات والبنوك والاتصالات، وإن كان ذلك من خلال الشركات الوهمية والحسابات الخارجية المملوكة لشركاء مقربين.
وحسب ما قالت 3 مصادر متقاطعة في تصريحات سابقة لـ “موقع الحرة” فإن صعود أسماء الأسد إلى الواجهة مؤخرا “ليس عبثا”، بل يصب في إطار حملة واسعة تديرها على المستوى الاقتصادي لسوريا، وكانت قد بدأت العمل بها في وقت سابق.
وتحدثت المصادر، في ديسمبر 2020، أن “أسماء الأسد شكّلت لجنة تحمل اسم (استرداد أموال الفاسدين وتجار الأزمة)، لهدف واحد هو تحصيل الأموال التي جمعها عدد من المسؤولين ورجال الأعمال المصنفين على تجار الحرب، وذلك ضمن خريطة مرسومة”، وكان أبرز ضحاياها ابن خالة رئيس النظام، رامي مخلوف.
ويوضح الصحفي السوري، كنان وقاف، الذي اضطر قبل أشهر للخروج من سوريا بسبب ملاحقة الأجهزة الأمنية للنظام، أن “أسماء الأسد أطبقت على سوريا اقتصاديا منذ سنوات، من خلال المكتب الاقتصادي (المكتب السري) وفرع الخطيب الأمني”.
ويقول وقاف لموقع “الحرة”: “لا يوجد أي منافس لها حاليا بغض النظر عن بعض الفتات الذي ترميه لماهر الأسد، من خلال الحواجز وتجارة المخدرات والكبتاغون”.
“كاقتصاد عادي هي المسيطر الوحيد، وفي الجانب الاجتماعي سيطرت في الفترة الأخيرة على كل الجمعيات الخيرية وحتى شركات الإنتاج الدرامية”، حسب حديث الصحفي وقاف.
وفي مقابل صعودها الإعلامي، حتى باتت تزاحم صور ومقابلات الأسد، كان اسم أسماء قد تردد خلال الأشهر الماضية على لسان نشطاء في الساحل، انتقدوا سياسة النظام السوري علنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وكسرت صرخات هؤلاء، من بينهم أيمن فارس ابن مدينة بانياس، الذي انتهى حاله بالاعتقال الصمت الذي لطالما خيّمت على مناطق الساحل السوري، التي توصف بأنها “الخزان المؤيد للأسد” وداعمه الرئيسي.
ووجه فارس، في أغسطس الماضي، ضمن فيديو نشره على “فيسبوك” انتقادات وكلمات لاذعة استهدفت رأس النظام السوري، بقوله: “ماذا فعلت؟ أنت وزوجتك يا بشار الأسد أفقرتم الشعب وتهرّبون الأموال للخارج”، مضيفا: “سوريا كلها عبارة عن أفرع أمنية ورؤسائها يتحدثون بالقصور والمليارات.. وروح بلط البحر”.
ويعتبر الصحفي السوري، نضال معلوف، أن “الدور الذي باتت تلعبه أسماء الأسد سلبي للغاية فيما يخص زوجها بشار الأسد بالتحديد”، موضحا أنها “تبعده أكثر فأكثر عن الواقع، وتجعله يخسر حاضنته ومؤيديه إن صح التعبير”.
ويقول معلوف لموقع “الحرة”: “من خلال معرفتي التامة لتركيبة النظام السوري لا يمكن بقاء الأخير في حال غاب بشار الأسد عن السلطة ولا بأسماء ولا بغيرها”.
ويضيف أن “النظام باق فقط ببقاء بشار الأسد ولو بشكل صوري على رأس السلطة، بينما تعجّل أسماء الأسد وتسهّل المهمة في الاستغناء عنه”.
وقبل عامين أو ثلاثة، عندما بدأت أسماء الأسد “تكريس الدور”، كان لزوجها حاضنة ومؤيدين وأناس “لديهم أمل فيه”.
لكن بعد ذلك، وبالتزامن مع الصعود “انتهت هذه الصورة”، وزاد من كسرها الواقع المعيشي والاقتصادي المتدهور الذي وصلت إليه الناس في المحافظات الخاضعة لسيطرة النظام السوري.
ويتابع معلوف: “في الداخل اليوم لا يتمتع بشار بأي حاضنة أو تأييد، ولعبت زوجته أسماء دورا كبيرا في ذلك”.
ما الذي تريده زوجة الأسد؟
ترأس أسماء الأسد المجلس الاقتصادي “السري” التابع للرئاسة، بحسب صحيفة “فاينانشال تايمز” ووفق ما أكدته مصادر متقاطعة لموقع “الحرة” قبل عامين.
وهذا المجلس، لا يلعب دورا بارزا رسميا في سوريا، وفق الصحيفة، بينما تعمل المنظمات غير الحكومية التابعة لزوجة الأسد في بناء شبكة محسوبية واسعة للعائلة، وتتحكم في أماكن وصول أموال المساعدات الدولية في البلاد.
وخلال السنوات الأولى من الحرب، تراجعت أسماء الأسد عن المشهد العام، لكن بحلول عام 2016، ومع سيطرة الأسد على جزء كبير من سوريا “خرجت بكامل قوتها”، وأصبحت محل تقدير كبير من العلويين، من خلال عملها الخيري.
وساعدت معركة علنية مع سرطان الثدي عام 2018 في التقريب بين آل الأسد، وبعد فترة وجيزة، عهد بشار إلى زوجته بتولي أجزاء من محفظة الدولة الاقتصادية، وفق التقرير السابق للصحيفة البريطانية.
وتقدّر وزارة الخارجية الأميركية أن صافي ثروة عائلة الأسد يتراوح بين مليار وملياري دولار، فيما تبلغ ثروات المقربين منه مليارات الدولارات.
وكشفت الوزارة في مايو 2022 أن أسماء الأسد، التي أدرجتها على قوائم العقوبات، أسست شبكة تمارس نفوذا على الاقتصاد السوري، ناهيك عن نفوذها على اللجنة الاقتصادية التي تدير الأمور الاقتصادية في البلاد.
كما وسّعت نفوذها في القطاعات غير الربحية والاتصالات في السنوات الأخيرة، وأنها تسيطر على “الأمانة السورية للتنمية” التي أسستها في 2001 لتوجيه تمويل المبادرات في المناطق الخاضعة للنظام.
واستولت أسماء على “جمعية البستان الخيرية” من رامي مخلوف، وعينت مسؤولين مقربين منها في مجلس إدارة شركة سيرياتيل للاتصالات، كما أسست شركة اتصالات “إيماتيل” مع رجل أعمال سوري.
وتولى مهند الدباغ ابن خالة أسماء وشقيقها فراس الأخرس إدارة شركة “تكامل” التي تدير برنامج البطاقة الذكية، التي تستخدم لتوزيع الغذاء المدعوم في سوريا.
وتشير بيانات سابقة للخارجية الأميركية إلى أن عائلتي الأسد والأخرس “جمعتا ثروتيهما على حساب الشعب السوري من خلال سيطرتهما على شبكة ممتدة وغير مشروعة لها روابط في أوروبا والخليج وأماكن أخرى”.
ويرى الصحفي وقاف أن “أسماء الأسد تواجه رفضا شديدا من المجتمع”، وهو ما يشير إليه الصحفي نضال معلوف أيضا.
وفي الوضع السياسي يقول وقاف: “يبدو أنها بدأت منذ عامين بمحاولة الدخول إلى المعترك من خلال تعيين أشخاص تابعين لها في مناصب بعينها، وأحيانا تكون هذه المناصب عسكرية”.
كما بدأت أجهزة الأمن بنشر إشاعات عن نيتها الترشح للرئاسة بعد انتهاء ولاية بشار الأسد الحالية، كونه لا يحق له الترشح كما ينص الدستور الحالي.
ويضيف وقاف: “من مصادري الموثوقة وهم ضباط كبار فإن زيارتها الأخيرة إلى موسكو التي كانت ظاهريا التواجد في حفل تخرج نجلها هي في الحقيقة محاولة لإقناع الروس بدعم ترشحها، وقوبل الأمر بالرفض”.
“مشهد غير متزن”
من جانبه، يوضح الصحفي نضال معلوف أن “هناك شيئا غير متزن وغير منطقي أو يفتقد لأي درجة من درجات الذكاء فيما يتعلق بالأسد وزوجته أسماء”.
ويقول: “عندما ننظر إلى تصرفاتها، بات من الواضح أنها تتحكم بالواقع الاقتصادي وكأنها تحاول جمع أكبر من الثروة قبل انتهاء عمر النظام”.
لكن من حيث النتيجة يرى معلوف أن “أدوارها سلبية، سواء من خلال سلب أموال السوريين الفقراء أو حتى الأغنياء، وملاحقتها بأساليب مختلفة لأمراء الحرب، من خلال القصر الرئاسي أو فرع الخطيب”.
“لا يوجد أي دور إيجابي بناء على أكاديميتها لإعادة الروح للاقتصاد السوري”.
وعلى العكس “تلعب دورا يقوم على تجفيف كل الطرق والمداخل التي يمكن أن يتعافى منها الاقتصاد السوري”.
وسبق أن حمّل الباحث الاقتصادي السوري، الدكتور كرم شعار، مسؤولية التدهور المعيشي والاقتصادي في سوريا للسياسات الفاشلة المتعلقة برأس النظام السوري، وزوجته أسماء الأسد.
والأسد وزوجته قررا بعد منتصف العام 2019 وبداية 2020 “التعامل مع الأزمة الخانقة من خلال السيطرة على ثروات رجال الأعمال، وهو ما شكّل حالة رهاب عند هؤلاء”.
وبذات الفترة ضربت سوريا صدمات عدة، كان من بينها دخول قانون قيصر حيز التنفيذ، والآثار التي عكستها الأزمة المصرفية في لبنان، بالإضافة إلى آثار جائحة كورونا وانسحاب واشنطن من الاتفاقية النووية مع إيران.
ويضيف شعار: “سوريا تدفع ثمن ما سبق وبشكل عملي”، وأن الليرة السورية فقدت 95 بالمئة من قيمتها، منذ عام 2019.
وفي مقابل دورها على الأرض، لا يستبعد الصحفي معلوف أن تكون صعود وإطلالات أسماء الأسد متعلقة بـ”شيء تجميلي للخارج”، وهو ما بزر خلال رحلة الصين، إذ التقت طلابا ومواطنين صينيين “لا يمتلكون أي فكرة عنها”.
ويوضح معلوف: “أسماء الأسد يقف ورائها مكتب علاقات عامة كبير يعمل على إظهارها بصورة الملكة، كما كنا نعرف في سوريا”.
وكان لديها “كادر جاء من بريطانيا يعنى بصورتها ومظهرها بالتحديد”.
ومع ذلك، يرى الصحفي السوري أن هذا المشهد لا يتناسب مع واقع السوريين التي، من خلالها ممارساتها، تبتعد عنهم شيئا فشيئا”، مضيفا بالقول: “هي وزوجها خسروا الحاضنة. مؤيدة النظام يكرهونا أكثر من بشار”.
ويستبعد أن “يؤدي الدور الذي تلعبه لأي نفوذ مستقبلي أو يصب في زيادة شعبيتها”، مؤكدا أن “هناك شيء غير متزن بها وبزوجها”.
ولا يظن الصحفي كنان وقاف أنها “ستنجح في الوصول للدور الذي تخطط له لوجود رفض شعبي قوي”، ويقصد هنا الدور السياسي، ويضيف أن “نفوذ زوجها يتيح لها الهيمنه لانعدام أي منافسة، والقبضة الأمنية الشديدة”.