عتقد بعض الحالمين المساكين، وخاصة السوريين الذين ضاقت بهم السبل داخل البلاد بسبب الوضع المعيشي الكارثي الذي لم تشهده سوريا في تاريخها، يعتقدون أن بوادر الانفتاح العربية الخجولة على سوريا في أعقاب الزلزال ربما تكون بداية الفرج لملايين السوريين الذين لم يعودوا قادرين على شراء بصلة، نعم بصلة، فقد وصل سعر كيلو البصل إلى أكثر من عشرين ألف ليرة سورية، أي ربع راتب الموظف السوري، ناهيك عن جنون بقية السلع الأساسية التي لم يعد أكثر من تسعين بالمائة من الشعب قادراً على شرائها، فالراتب الشهري لا يتجاوز مائة ألف ليرة، وأحياناً أقل، بينما يحتاج المواطن السوري أكثر من خمسة ملايين ليرة ليعيش بشكل بسيط. الحياة تحولت إلى جحيم حقيقي، وكل من يستطيع الهرب حتى إلى مجاهل أفريقيا يهرب، بمن فيهم الأطباء، لا عجب أن نقيب أطباء سوريا قال قبل فترة على شاشة التلفزيون الرسمي إن مئات الأطباء السوريين هاجروا إلى الصومال. كان النظام يحذر السوريين من الصوملة، فحصل في سوريا ما هو أسوأ بعشرات المرات، ألا وهو السوّرنة، بحيث صار الكثير من السوريين يحلم بالهجرة إلى الصومال، لأن الوضع هناك أفضل من الوضع السوري بكثير، ومن الظلم الفادح استخدام «الصوملة» كمثال للبؤس والانهيار، لأن الصومال نهض وصار حاله جيداً إلى حد ما مقارنة بالوضع في بعض بلاد الثورات العربية وخاصة سوريا ولبنان واليمن. هل فعلاً أن بواد الانفتاح العربي والدولي على سوريا يمكن أن تكون الحل الناجع لنهوض البلاد وإغاثة العباد كما يأمل السوريون، أم إن مشكلة سوريا أصلاً لا علاقة لها مطلقاً لا بالعقوبات ولا بالحصار الدولي، ولننظر مثلاً إلى لبنان والعراق وحتى تونس، سنجد أن الانفتاح العربي وحتى الدولي على تلك البلدان لا يقدم ولا يؤخر ولا يساعد في تحسين الوضع فيها. لبنان مثلاً ليس محاصراً وليس عليه عقوبات كالمفروضة على سوريا، لكن الدولة اللبنانية انهارت وتجاوز سعر الليرة اللبنانية مائة ألف ليرة للدولار الواحد. وحتى العراق ثاني أغنى بلد نفطي بالعالم والذي تزيد ميزانيته السنوية على مائة وخمسين مليار دولار يعاني شر معاناة وليس لديه لا الكهرباء ولا الماء النظيف ولا حتى الوقود أحيانا، وصار ديناره برخص التراب مقابل الدولار بسبب الاضطراب والفساد في البلاد، فإذا كان ذلك وضع بلد نفطي غير مُحاصر كالعراق، فما بالك بوضع سوريا التي أكثر من نصفها تحول إلى ركام وتشرد معظم شعبها، وانهارت عملتها، وأصبح البنك المركزي خاوياً على عروشه.
هل أنقذ الانفتاح العربي على لبنان الشعب الذي بات معظمه يعيش على المعونات؟ بالطبع لا، لماذا؟ لأن لبنان كسوريا يواجه مشكلة مالية بالدرجة الأولى، ولا يمكن لأحد أن يساعده بعد أن توقفت المعونات الخليجية، أما استخراج الغاز فلن يبدأ قريباً. وحتى لو حصل لبنان على بعض المساعدات الخليجية كما يشاع، فهذا مجرد مسكنات مؤقتة، فلا يمكن الاعتماد على الإغاثة المالية لزمن طويل، ولا ننسى أن وضع لبنان أفضل من وضع سوريا بكثير، فبالإضافة إلى أنه غير محاصر، فلا يحتاج كسوريا إلى إعادة إعمار تكلف أكثر من سبعمائة مليار دولار حسب التقارير الدولية. مع ذلك، انظروا وضع لبنان المنهار الذي دفع السيد حسن إلى مناشدة دول الخليج كي تساعد لبنان بقليل من الأموال التي تنفقها على لاعبي كرة القدم. ولا تنسوا تونس التي باتت على كف عفريت مع أنها لم تعان خمسة بالمائة مما عانته سوريا على مدى العقد الماضي، فحتى أبسط أساسيات الحياة باتت معدومة في تونس ولا يجد الناس الحليب والخبز، وليس هناك أي بصيص أمل لتحسين الوضع إلا بالقروض الدولية التي تزيد الطين بلة. وحتى مصر اليوم رغم كل المعونات التي وصلتها وزادت على مائة مليار دولار تترنح تحت تأثير الانهيار المعيشي والاقتصادي، ولم يعد هناك من أمل في الحصول على مزيد من الرز الخليجي. وقد سمعنا وزير المالية السعودي وهو يقول إن دولته باتت تفرض ضرائب على الشعب السعودي، وليس من المعقول أن تبذر أموالها على مساعدة الآخرين، ويقصد طبعاً مصر وغيرها من البلدان العربية التي تواجه الإفلاس وتحولت إلى ثقوب سوداء تبتلع كل شيء. فإذا كان الخليجيون بدأوا يعاملون مصر بهذه الطريقة ويلجؤون إلى شراء الأصول المصرية بدل دعم الدولة، فهل يمكن أن يقدموا المليارات لسوريا مثلاً؟ من هي الدولة الخليجية التي ستقتطع عشرات المليارات من خزائنها لدعم إعادة إعمار سوريا في هذه الظروف الدولية المضطربة مالياً واقتصادياً؟ هل لاحظتم قبل أيام الضجة التي أثارها إيداع السعودية مبلغ مليار دولار في البنك المركزي اليمني؟ مجرد وديعة مالية صغيرة بالمقاييس الدولية لاقت اهتماماً إعلامياً كبيرة وطبل الإعلام وزمر لها طويلاً، مما يعني أن زمن تقديم المليارات الخليجية للدول المعوزة قد ولى إلى غير رجعة، نظراً لتغير الظروف العربية والدولية، فلا ننسى أن العالم أجمع يمر بأسوأ أزمة مالية واقتصادية ومعيشية منذ عقود، فحتى الدول الأوروبية باتت تئن تحت نير الصعوبات المعيشية، مما يعني أن السخاء الأوروبي بدوره قد ولى، ولا يمكن لسوريا أو غيرها أن تأمل تدفق المليارات عليها لإعادة إعمارها وإغاثة شعبها المنكوب.
ويجب أيضاً عدم التعويل كثيراً على الدعم الإماراتي، وبالمناسبة، فإن الإمارات لم تتوقف عن دعم النظام منذ عام 2014، حيث كان سعر الليرة مقابل الدولار ثلاثمائة ليرة للدولار الواحد، أما اليوم فتجاوز سعر الليرة سبعة آلاف ليرة مقابل الدولار، مما يعني أن الإمارات لم تُحدث أي فرق في الوضع الاقتصادي أو المالي السوري. ومعظم مساعداتها المالية تدور في فلك المائة أو مئتي مليون دولار وهي مبالغ تُعتبر مجرد «فكة» في لغة المال. ويجب ألا ننسى أن سوريا فقدت شريانها المالي الأول، ألا وهو لبنان بعد إفلاس البنوك اللبنانية وضياع عشرات المليارات السورية هنا. أضف إلى ذلك أن قرار مساعدة سوريا مالياً أو إعادة إعمارها ليس بيد الخليج ولا إيران ولا روسيا ولا الصين، بل في يد أمريكا حصراً، وكله متوقف على حل سياسي يبدو بعيد المنال في ظل الصراعات الدولية المتفاقمة.
ملاحظة : نحن ننشر المقالات و التحقيقات من وسائل الإعلام المفتوحة فقط و التي تسمح بذلك مع الحفاظ على حقوقها ووضع المصدر و الرابط الأصلي له تحت كل مقال و لا نتبنى مضمونها