مدن أشباح ... في ظل الأزمة الخانقة : سوريون يروون معاناتهم اليومية بحثا عن الكهرباء والدفء
الحرة
Thursday, April 21, 2022
بعد سنوات من الحرب والحرمان، يعاني السوريون الآن من أزمة وقود خانقة، زادت من تعقيد الوضع المتأزم أصلا جراء عقد من الاقتتال.
وأغرقت أزمة الوقود معظم المدن السورية في ظلام دامس منذ فترة، حيث تعاني البلاد من انقطاع شبه دائم للتيار الكهربائي.
وفي العاصمة دمشق تحصل بعض الأحياء على 15 دقيقة من الكهرباء كل 24 ساعة "بينما تظل الأنوار مضاءة لفترة أطول بالقرب من القصر الرئاسي" وفق تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.
ومع نقص الوقود أيضا، غالبا ما تكون الطرق الرئيسية خالية من حركة المرور، فيما أصبحت الحدود السورية اللبنانية سوقا سوداء مزدهرة للوقود.
وفي حمص، ثالث أكبر مدينة في سوريا، يستغرق الأمر من عائلة أسبوعا لغسل كمية من الملابس.
يقول محمد متحدثا للصحيفة عبر الهاتف من حمص وسط البلاد "لا يوجد وقت محدد للكهرباء، أحيانا تأتي لمدة ساعة، وأحيانا لساعتين، وأحيانا أخرى لمدة 10 دقائق فقط" قبل أن يستدرك "وفي بعض الأحيان لا تأتي على الإطلاق طوال اليوم".
تغسل والدة محمد معظم الملابس يدويا، وتترك الملابس التي تحتاج إلى غسالة، إلى حين عودة التيار، وقد يستغرق ذلك أياما.
"مدينة أشباح"
يقول محمد الذي تحدث للصحيفة الأميركية مشترطا عدم ذكر اسمه الكامل "حمص أصبحت مدينة أشباح".
ويعتمد معظم السوريين على المولدات لتوليد الكهرباء، لكنها هي الأخرى تحتاج إلى الوقود، بينما تحولت عائلات أخرى والتي لا تستطيع تحمل تكاليف المولدات إلى بطاريات كبيرة، موصولة بألواح شمسية "لكن كثيرين ليسوا محظوظين مثل هاتين الفئتين" تقول واشنطن بوست.
الباقون، يعتمودون على حرق الأحذية، والنايلون، والزجاجات البلاستيكية للتدفئة.
يلفت محمد بالخصوص قائلا "يمكنك رؤية الناس في الشارع، وهم يجمعون البلاستيك من أكياس القمامة، وحتى أكياس القمامة نفسها، ويحرقونها".
وفي السنوات الأخيرة، خلال الأشهر الباردة، مات الأطفال اختناقا بعد أن أحرق آباؤهم البلاستيك والأقمشة للتدفئة، لكن حتى الآن، كان فصل الشتاء الحالي معتدلا.
وتمتلك عائلة محمد بطارية، وهي قوية بما يكفي فقط لمصابيح LED، بينما يقوم هو بشحن هاتفه بواسطة بطارية شحن (Power Bank)، والذي يعيد شحنه في كل مرة في منزل أحد أقاربه الذي يملك ألواحا شمسية.
وللحفاظ على البطاريات الضخمة قيد التشغيل، يقوم رجال الأسرة بحملها وتوصيلها بالسيارة لشحنها.
يقول محمد: "معظم الناس يستخدمون السيارة بهذه الطريقة"، مشيرا بنبرة ساخرة إلى أن السيارة نفسها بالكاد تتحرك بسبب نقص الغاز.
تأخر إيران
في أواخر نوفمبر الماضي، ألقى وزير النفط السوري، بسام طعمة، باللوم في الأزمة على تأخر الشحنات من "الأصدقاء"، في إشارة إلى إيران، التي تمد حكومة الرئيس بشار الأسد بالنفط منذ عام 2013.
وقال طعمة للتلفزيون الحكومي "ما كان يتم استيراده من النفط كان حسب الحاجة فقط".
وخلال الحرب التي استمرت 12 عاما، خسرت سوريا معظم شمال شرقها الغني بالنفط بما في ذلك حقل العمر، أكبر حقول النفط في البلاد، لصالح مقاتلي تنظيم "داعش"، ثم إلى القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة.
واعتماد سوريا على إيران للحصول على النفط، وهي التي تتعرض لعقوبات عديدة، يضعها تحت رحمة قوى خارجة عن سيطرتها.
في الصدد، أشار طعمة إلى حادثة أبريل 2022، عندما احتجزت اليونان سفينة ترفع العلم الإيراني، بينما صادرت الولايات المتحدة جزءا من شحنتها النفطية مؤقتا .
السوق السوداء
لحل مشكلة الوفرة، يتطلع السوريون إلى لبنان المجاور، حيث قد يكون الغاز باهظ الثمن ولكنه متاح بسهولة على الأقل.
لذلك، أصبحت الطرق في الجزء الذي يربط بين البلدين سوقا غير رسمي حيث يتم شراء وبيع الزجاجات البلاستيكية المليئة بالوقود بحرية.
وقال أحد السائقين السوريين الذي ينقل الأشخاص بين البلدين، في حديث للصحيفة الأميركية، إن وقود السوق السوداء هذا "قدم الإغاثة للناس".
ووسط سيارات تحمل لوحات أرقام لبنانية مصطفة على جانب الطريق في المنطقة؛ يسحب السائقون الوقود من صهاريجهم ويبيعونه لأولئك الذين يقودون سياراتهم إلى سوريا.
يقول الرجل في الصدد: "إذا عبرت الحدود السورية يتغير السعر ويصبح ربحك أفضل".
ويضيف ذات السائق الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن ضباط الجمارك اللبنانيين، المعروفين منذ فترة طويلة بعدم قبول الرشاوى، يكسبون المال الآن من هذه التجارة.
وعلى فيسبوك، موقع التواصل الاجتماعي المفضل لدى السوريين، تزدحم المجموعات المخصصة لإيجاد محطات وقود مفتوحة الآن بعروض بيع الوقود في قارورات الزيت القديمة ودلاء المياه.
واضطرت الحكومة إلى الاعتراف بنقص الوقود وتنفيذ سلسلة من الإجراءات المؤقتة، حيث قام الاتحاد الرياضي العام في البلاد بتأجيل جميع مباريات كرة القدم وكرة السلة إلى أجل غير مسمى.
وفي الشهر الماضي، تم منح الموظفين العموميين يومين إضافيين إجازة في الأسبوع.
وفي أكتوبر، أعلن المسؤولون أنهم سيجعلون التوقيت الصيفي دائما، مما دفع السوريين إلى السخرية منهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
وعلق أحد سكان حماة قائلا: "لم يتمكنوا من توفير البنزين لفصل الشتاء، لذلك قرروا إلغاء الشتاء كله" وكتب آخر ساخرا: "غدا سنبرد لمدة ساعة إضافية".
ملاحظة : نحن ننشر المقالات و التحقيقات من وسائل الإعلام المفتوحة فقط و التي تسمح بذلك مع الحفاظ على حقوقها ووضع المصدر و الرابط الأصلي له تحت كل مقال و لا نتبنى مضمونها