زداد العبء الاقتصادي على السوريين في مناطق سيطرة نظام الرئيس بشار الأسد عقب تجاوز الدولار حاجز 5 آلاف ليرة، وارتفاع أسعار الوقود الذي رافقه ارتفاع في أسعار السلع الأساسية والخدمات.
وتشهد سوريا، التي تعيش نزاعا منذ 11 عاما، أزمة اقتصادية ومعيشية خانقة، وارتفاعا كبيرا في معدلات التضخم والأسعار وندرة في الوقود وانقطاعا طويلا في التيار الكهربائي يصل في بعض المناطق إلى نحو عشرين ساعة يوميا دون وجود بدائل حقيقية.
ويرافق ارتفاع أسعار الوقود، ارتفاع في أسعار المنتجات الغذائية والمواد الأولية التي تعتمد على المشتقات النفطية لتشغيل المولدات ونقل البضائع.
ويعاني السوريون الخاضعون لسيطرة نظام الأسد أساسا من تدني الرواتب بشكل كبير، فيما دفع تراكم الأزمات السكان إلى كارثة اقتصادية جعلتهم عاجزين عن توفير أبسط احتياجاتهم.
ومع انخفاض قيمة الليرة، بلغ معدل الرواتب والأجور أقل من 35 دولارا، كما أن توقف عجلة الاقتصاد وغياب الاستثمارات وتراجع الصناعات قلصت فرص العمل بشكل كبير.
وفي المقابل، لم تقدم الحكومة أي حلول عملية أو علمية لدفع الاقتصاد إلى التعافي، وحاولت طيلة السنوات الماضية وقف تدهور قيمة العملة عبر تشديد قبضتها على مفاصل الاقتصاد والحصول على النقد الأجنبي بطرق غير مشروعة.
ويقول محللون إن الأوضاع المالية لدمشق في حفرة مغلقة ولم يعد أمامها أي منفذ للتحسن بعد انقطاع أكبر مصادر تمويلها مع توقف تهريب العملة الصعبة من لبنان والدعم من طهران الغارقة في أزماتها الخانقة.
وكانت تقارير محلية قد تناولت خلال السنوات الماضية ظاهرة دخول كميات كبيرة من العملة السورية لسحب الدولارات من السوق اللبنانية لتمويل حاجات دمشق.
ونسبت وكالة الأناضول إلى الباحث الاقتصادي السوري يونس كريم قوله إن “انخفاض قيمة الليرة جعل معدل الرواتب يتراوح بين 20 و35 دولارا، وهو أقل بكثير من الحد الأدنى الذي يحتاجه المواطن لتوفير احتياجاته اليومية البالغ 600 دولار”.
وبحسب ما تشير إليه منصة سالري إكبلور التي تتابع مؤشرات الأجور في دول العالم فإن متوسط الرواتب في سوريا يبلغ 149 ألف ليرة (58.2 دولار) شهريا، وأن أكثر من نصف السوريين يتقاضون أجورا أقل من 58 دولارا.
وأوضح أن الفجوة الكبيرة بين متوسط الأجور الفعلي والمبلغ المذكور لا يمكن تغطيتها بالمساعدات الإنسانية، كما أن تعثر عجلة الاقتصاد في البلاد لا يتيح للناس الانخراط في عمل ثان، والحصول على دخل إضافي لرأب تلك الفجوة ولو جزئياً.
وأكد كريم أن جميع الأرقام والبيانات الصادرة من المنظمات التابعة للأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية ومنظمات المجتمع المدني، تشير إلى أن الوضع في البلاد بات كارثيا.
وتتجه البلاد نحو المجاعة، في وقت تسير مؤسسات الدولة للانهيار بسبب العزوف عن العمل الناجم عن انخفاض الرواتب.
وأدى افتقار دمشق إلى حلول اقتصادية ولجوئها إلى تشديد القوانين الناظمة للحوالات المالية بالنقد الأجنبي إلى تراكم المشاكل مما زاد من الضغط على المواطنين وخاصة الطبقة الفقيرة والمتوسطة التي لم يعد لها وجود نتيجة سنوات من الحرب.
وبحسب كريم تتجه الحكومة لتنفيذ ميزانيتها للعام القادم والبالغة قيمتها 16 تريليون ليرة (3.2 مليار دولار) عبر المزيد من التشديد على التجار، وتقييد الطلب على الدولار الشحيح أصلا في السوق المحلية بسبب عقوبات “قيصر” الأميركية.
وتأمل دمشق في أن يؤدي الفيتو الروسي إلى توقف آلية المساعدات الأممية عبر معبر باب الهوى الخارج عن سيطرتها شمال البلاد، وتحويل تلك المساعدات للدخول من مناطق سيطرتها لتسهم في تحسن قيمة الليرة.
ويقول كريم إن الحكومة باتت تجبر موظفي الدولة والقطاع العام على العمل تحت طائلة المحاسبة، لذا فإنهم يعملون دون رغبة وتحت إجبار السلطات الأمنية، وهذا يعني أن الأعمال في تلك المؤسسات لن تتم.
وقال “في ظل غياب الحلول المناسبة لدى النظام، فإنه يلجأ إلى حلول ملتوية وغير شرعية”.
وتشير تقارير إلى أن الحكومة لجأت إلى السماح بضخ دولارات مزورة في السوق، يمكنها أن تمر من الصرافات الآلية وذلك لزيادة المعروض من الدولار، وبالتالي محاولة خفض قيمتها.
وإضافة إلى الطرق غير المشروعة يلجأ النظام إلى الترويج ليطلق عليه “مشاريع التعافي المبكر” واستقبال مشاهير من المطربين وصناع المحتوى والاستعانة بأثرياء وتجار من أجل جذب الاستثمارات إلى مناطق سيطرته.
وثمة قناعة بأنه لا يمكن التنبؤ على وجه الدقة بمصير قيمة الليرة إلا بعد مراقبة كيفية تعامل النظام مع ميزانية 2023، إضافة إلى ما سيؤول إليه وضع المعابر والتجارة بينه وبين المناطق الخارجة عن سيطرته.
ولم يستبعد كريم أن تقف دمشق في نهاية المطاف بين خيارين، وهما السماح بتداول الدولار بحرية أو مواجهة انهيار اقتصادي كبير يؤدي إلى وقوع مجاعة.
وأثر التوقف شبه الكامل لعجلة الإنتاج على البلاد، فأصبح النظام يستورد السلع الضرورية، حيث تتم عمليات الشراء بالنقد الأجنبي وخصوصا الدولار، مما أدى إلى زيادة الطلب عليه، ونقصه في السوق، وبالتالي ارتفاع سعره على حساب الليرة.
ومن بين العوامل الأخرى عدم سيطرة دمشق على صناعة النفط وقطاع الزراعة وخاصة إنتاج القمح والبقوليات وعدد من السلع الإستراتيجية الهامة.
وإلى جانب ذلك، توقفت تحويلات المغتربين حيث بات السوريون في الخارج معنيين بدعم وإغاثة أهاليهم الذين تحولوا إلى نازحين داخل البلاد، ولاجئين في بلدان أخرى.
ملاحظة : نحن ننشر المقالات و التحقيقات من وسائل الإعلام المفتوحة فقط و التي تسمح بذلك مع الحفاظ على حقوقها ووضع المصدر و الرابط الأصلي له تحت كل مقال و لا نتبنى مضمونها