تورّط إيران في أوكرانيا درسٌ للغرب الذي أضاع البوصلة!
علي حماده - النهار
Thursday, April 21, 2022
لا حاجة لنا للعودة الى غرق روسيا في وحول الحرب في أوكرانيا. لكن لا بد من التوقف قليلاً عند التورط الأهم في المرحلة الأخيرة، عنينا تورط إيران المباشر في حرب روسيا ضد أوكرانيا عبر تزويد موسكو بعشرات المسيرات المفخخة التي تنهمر منذ أيام عدة على المدن والمنشآت والبنى التحتية للدولة الأوكرانية، إضافة الى توافر معلومات استخبارية غربية تفيد بأن إيران زودت أو تنوي تزويد روسيا بصواريخ باليستية لاستخدامها في الحرب، مع ما يستدعي ذلك من توافد عشرات الخبراء الإيرانيين المتخصصين إلى أرض المعركة.
ومن المهم الاطلاع على تقرير وكالة "رويترز" البارحة حول الموضوع، إذ يستند الى مقابلات مع مسوؤلين إيرانيين تؤكد المعلومات كإشارة الى حجم التورط الإيراني بجانب روسيا المتعثرة جداً في حربها في أوكرانيا ودلالاتها على أن هذه الحرب ستتوسع في المدى المتوسط مع تدخل جهات جديدة فيها.
إيران هي الطرف الأبرز من خلال مشاركة مسيراتها المفخخة التي يعرفها الخليج العربي خير معرفة منذ سنوات عدة. فقد كانت إيران من أراضيها وليس ميليشيات الحوثي من أطلق عشرات المسيرات المفخخة لاستهداف منشآت آرامكو سنة 2019، وهي الهجمات التي ألحقت أضراراً جسيمة بالبنية التحتية لأكبر شركة نفط في العالم والمعتبرة رئة أساسية لتصدير النفط من السعودية والخليج عموماً الى أرجاء العالم. يومها اكتفت القوى الغربية الحليفة ، وفي مقدمها الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب ببيانات التنديد "الشديدة اللهجة"، وتوقف الأمر عند هذا الحد. بعد ذلك لم تتوقف هجمات ذراع إيران في اليمن، أي الحوثيين، بإمطار السعودية بعشرات لا بل بمئات المسيرات والصواريخ الباليستية التي استهدفت حصراً الأهداف والمنشآت المدنية. واستمر الأمر لأعوام من عهد ترامب، إلى عهد الرئيس الحالي جو بايدن، عندما توسعت الاعتداءات الإيرانية عبر ذراعها اليمنية لتصل إلى دولة الإمارات بعاصمتها أبو ظبي ومحيط مدينة دبي. هذا لم يمنع الإدارة الأميركية الحالية من رفع ميليشيات الحوثي عن لوائح الإرهاب، كما لم يمنعها من محاولة التضييق على موقف كل من السعودية والإمارات نزولاً عند ضغوط جناح اليسار في الحزب الديموقراطي، واللوبي الإيراني في واشنطن ولا سيما في داخل الإدارة نفسها التي اعتبرت عن حق أنها تمثل في العمق ولاية ثالثة للرئيس الأسبق باراك أوباما لكثرة أعضاء اللوبي المنظور وغير المنظور العاملين في البيت الأبيض، ومختلف أجنحة الإدارة.
والتضييق الذي نتحدث عنه كان حصاراً على مبيعات الأسلحة (لا نقول هبات أو مساعدات) المتطورة التي تحتاجها دول المنطقة الحليفة بفعل تعرضها لنتائج السياسة الإيرانية العدوانية بشكل دائم. وقد شكل إجهاض الرئيس جو بايدن وبعض أركان الكونغرس صفقة مقاتلات أف-35 للسعودية ثم للامارات علامة واضحة على أن "الخيار الإيراني" للإدارة الحالية راسخ تماماً. هذا كلّه في ظل الهرولة الأميركية منذ وصول بايدن، ومعها التهافت الأوروبي لخطب ود إيران لأسباب مالية وتجارية بحتة، مما شجع طهران على المضي قدماً في سياستها التوسعية في المنطقة من العراق، إلى سوريا ولبنان وغزة وصولاً الى اليمن. وقد استغلت إدارة بايدن ومعها مجموعة "3+1" الأوروبية المعنية بالاتفاق النووي الإيراني للعام 2015، من أجل الهرولة الى التفاوض من موقع الضعف، والتشتت، فيما بقيت الصين، ولا سيما روسيا تلعبان دوراً مفخخاً للمفاوضات، معرقلاً لأي قيود أقوى توضع على البرنامج النووي الإيراني المتفلت من كل الضوابط.
ما من شك في أن التورط الإيراني في حرب أوكرانيا، مع أن الحرب لا تمسها مباشرة، هو توسع في الاعتداء على دولة تتعرض لعدوان واضح المعالم. لكن الأهم بالنسبة إلينا في المشرق العربي، هو أن إيران التي يتهافت الغرب لخطب ودها تمضي في مسارها للوصول الى الاستحواذ على القنبلة النووية، ثم للتموضع كشريك أساسي لروسيا في حربها على أوكرانيا، تماماً كما دخلت روسيا بجانبها الحرب في سوريا عام 2015 آنذاك بتواطؤ موضوعي من إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، تحت شعار محاربة المتطرفين، فانتهت الأمور الى ارتكاب مجازر وحشية لم تصب المسلحين بل أصابت عشرات الآلاف من المدنيين العزل وجلهم من الأطفال والنساء.
وللتذكير فإن قائد العمليات الروسية في أوكرانيا اليوم هو نفسه الجنرال الروسي سيرغي سوروفيكين الذي أحرق المستشفيات والمدارس وحدائق الأطفال ومنازل المدنيين بآلاف الأطنان من القنابل والصواريخ التي كانت تلقيها الطائرات الروسية بلا تمييز بين هدف وآخر، تماماً مثلما يحصل اليوم في أوكرانيا. ان موسكو لم تتغير. العقيدة العسكرية لا تزال تقوم على مبدأ حرق الأرض، وضرب المدنيين وترويعهم بلا تمييز، مثلما كان يحصل في سوريا. قُتل عشرات الآلاف من المدنيين في سوريا بنار روسيا، وبقي المسلحون. مُسحت المدن والقرى والأحياء من الخارطة وبقي المسلحون. هذا ما يحصل في أوكرانيا.
واليوم تدخل إيران في حرب مباشرة ضد الغرب في أوكرانيا بمسيراتها وصواريخها التي تجاهلها الغرب طويلاً في الشرق الأوسط. ولذلك نود هنا أن نلفت واشنطن ومن خلفها أوروبا التي تشهد اليوم على التورط الإيراني في تدمير أوكرانيا، إلى أن التصدي لروسيا لا ينحصر في أوكرانيا، بل في أماكن أخرى. والهرولة المستمرة نحو ايران وعقد صفقات موضعية معها تارة تحت عنوان ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وتارة تحت عنوان تليين موقفها في مفاوضات فيينا تعزز التحالف الروسي – الإيراني في أوكرانيا والشرق الأوسط على حد سواء. لكن الأهم أنها تزيد من قناعة حلفاء أميركا التاريخيين في المنطقة بأن واشنطن وأوروبا أضاعتا البوصلة، وعلى الحلفاء أن يرسموا طريقهم لحماية مصالحهم أولاً.