أزمة النازحين السوريين في لبنان: حرب واحدة في دولتين
نجم الهاشم - اندبندنت عربية
Thursday, April 21, 2022
صباح 16 مارس (آذار) الجاري غادرت اللبنانية فريال نعيمة (مواليد عام 1959) منزلها في محلة برمانا، لكنها لم تصل إلى مركز عملها في إحدى المدارس الكائنة في المحلة ذاتها، وفقد الاتصال بها وتداولت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي خبر اختفائها وخطفها.
في اليوم نفسه عثرت دورية من قوى الأمن الداخلي عليها وعلى سيارتها في محلة الأوزاعي في ضاحية بيروت الجنوبية، ونقلت إلى المستشفى حيث تبين أنها تعرضت للخطف وسرقة أموالها، ووضعت داخل صندوق السيارة، وتمكنت من الخروج منه بعدما فتحت القفل من الداخل.
بنتيجة المتابعة الاستعلامية توصلت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي إلى تحديد هوية المتورطين في الاعتداء عليها، وهم خمسة سوريين من بينهم ناطور يعمل في البناية التي تسكنها. وهو الذي توجه إلى منزلها لأخذ 68 ألف دولار من الخادمة، بعد أن حصل منها على المفتاح وأجبرها على الاتصال بها لتنفيذ ما يطلبه. وفي الليلة ذاتها أوقفت قوى الأمن أربعة منهم وهم يحاولون الفرار إلى سوريا وضبطت معهم 53 ألف دولار، بينما بقي المبلغ الناقص مع المتهم الخامس.
هذه عينة من المشكلات التي بدأ لبنان يرزح تحتها بفعل ضغط النازحين السوريين عليه، إذ إنه يوجد فيه نحو مليوني نازح وصلوا تباعاً منذ عام 2011 تاريخ بدء الأحداث في سوريا، وسكنوا في تجمعات ومخيمات يقارب عددها ثلاثة آلاف انتشرت عشوائياً في المناطق كلها خصوصاً في الشمال والبقاع، في ظل أوضاع مأسوية اجتماعية وحياتية، ولكن في ظل بحبوحة مادية تؤمنها لهم المساعدات التي يتلقونها بالدولار الأميركي من الأمم المتحدة عبر مفوضية اللاجئين واليونيسف وغيرهما من جمعيات دولية تعنى بهم.
جرائم وسجناء وتهريب
طوال 12 عاماً عجز لبنان أمام حل معضلة النازحين السوريين. الضغط الأمني الذي يشكله هؤلاء يبقى جزءاً من المشكلة الكبرى التي تتفرع منها مشكلات كثيرة. بحسب الإحصاءات هناك نحو 40 في المئة من نزلاء السجون في لبنان من النازحين السوريين ويبلغ عددهم أكثر من ثلاثة آلاف سجين وهم في ازدياد دائم مع ارتفاع نسبة الجرائم التي يرتكبونها. والحادثة التي حصلت مع معلمة المدرسة ليست إلا صورة عن حوادث كثيرة تحصل وتؤدي أحياناً إلى ردود فعل سلبية ضد النازحين الذين أجبروا على مغادرة أكثر من بلدة بعد اعتداءات مماثلة حصلت من دون أن يكون لها خلفية طائفية معينة، ذلك أن عبء النزوح السوري بدأ يضغط على اللبنانيين الذين يعيشون أزمة معيشية ومالية لا قدرة لهم على تحملها. واعتراضهم يأتي في الدرجة الأولى على عدد النازحين الآخذ في الازدياد، ذلك أن أجيالاً من الولادات السورية تسجل في المخيمات من دون أن تسجل في سوريا بحيث قاربت نسبة ولادات النازحين نسبة الولادات عند عموم اللبنانيين. وبذلك يكون عدد النازحين مرجحاً للتضاعف كل ستة أعوام، إضافة إلى أن المولودين الجدد يتربون ويتعلمون في لبنان ولا يعرفون سوريا، ولا هويات سورية لهم. والنساء السوريات يحصلن على مساعدات لتغطية كلفة الولادة وبعد الولادة، بينما اللبنانيون يموتون أمام أبواب المستشفيات ولا يجدون أدوية للعلاج. وهذا الأمر ترك ردود فعل سلبية تجاه قضية النزوح. يضاف إلى ذلك أن اللبنانيين محرومون من التعليم في المدارس الرسمية بسبب الإضرابات نتيجة تدني قيمة رواتب الأساتذة، بينما يذهب التلاميذ السوريون إلى المدارس اللبنانية في دوام بعد الظهر، لأن المنظمات الدولية تدفع بدل تعليمهم أموالاً بالدولار الأميركي. حتى إن النازحين باتوا يتعرضون لانتقادات في أفران الخبز بعد اتهامهم بأنهم يحصلون على هذا الخبز الذي لا يزال سعره مدعوماً من الحكومة، ومن جيوب اللبنانيين الذين فقدوا أموالهم في المصارف. وأبعد من ذلك يعاني لبنان عمليات تهريب المواد الغذائية والمحروقات والدولار الأميركي من لبنان إلى سوريا التي تعاني عقوبات "قانون قيصر" الأميركي ومن الحصار الدولي عليها وهذا ما يعمق الأزمة الاقتصادية في لبنان ويسهم في انهيار العملة اللبنانية.
خروج الجيش السوري من لبنان
عندما بدأت حركة الاعتراض الشعبي في سوريا في 15 مارس 2011 لم يتوقع النظام في دمشق أنها ستتحول ثورة قبل أن تصير حرباً وجبهات، وقتالاً مفتوحاً على التدخلات الخارجية. عاش لبنان آثار هذه الحرب منذ بدايتها، أثرت فيه وأثر فيها إلى الحد الذي يمكن معه اعتبارها أنها كانت حرباً في دولتين.
كان الرئيس السوري السابق حافظ الأسد يعلن دائماً أن ما بين لبنان وسوريا صنعه التاريخ والجغرافيا، وأن الشعبين اللبناني والسوري هما شعب واحد في دولتين صنعهما الاستعمار الأجنبي. ولذلك بنى استراتيجيته في الحكم على التدخل في لبنان منذ عام 1970، وعلى محاولة حكم لبنان من دمشق بعد عام 1975 من خلال التدخل العسكري ووجود نحو 40 ألف جندي سوري فيه.
عندما صدر القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي في 2 سبتمبر (أيلول) 2004، وطلب خروج الجيش السوري من لبنان، ورفض التجديد للرئيس اللبناني إميل لحود، لم يأخذ الرئيس السوري بشار الأسد الأمر على محمل الجد. واعتبر أن القرار حبر على ورق، متجاهلاً التحولات الدولية الكبرى بعد احتلال الجيش الأميركي بغداد، وإسقاط حكم الرئيس العراقي صدام حسين، ووصوله إلى الحدود الدولية مع سوريا. جدد الأسد ولاية الرئيس لحود، ولكن كان القرار واضحاً بخروج جيشه من لبنان بعد اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري في 14 فبراير (شباط) 2005. في 5 مارس أعلن الأسد أنه سيسحب جيشه إلى سوريا، وقد أدرك ربما أن الوقت حان لكي يدافع عن نظامه داخل حدوده، بعد أن كانت وصلته سلة الشروط الأميركية مع وزير الدفاع كولن باول.
في 26 أبريل (نيسان) 2005 أنهى النظام السوري سحب جيشه من لبنان لتبدأ مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين وينتهي معها ما كان يسمى عهد الوصاية السورية على لبنان الذي استمر منذ عام 1991 وتحكمت دمشق خلاله في القرار اللبناني بعد "اتفاق الطائف". عندما انقلب وزراء "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" و"حركة أمل" على الرئيس سعد الحريري في 11 يناير (كانون الثاني) 2011، وأسقطوا حكومته، وذهبوا إلى تسمية الرئيس نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة مكانه، لم يكونوا مدركين أن الأحداث في سوريا ستداهم القرارين اللبناني والسوري. ولذلك تأخر تشكيل الحكومة خمسة أشهر حتى 13 يونيو (حزيران). وكانت التظاهرات التي بدأت في درعا توسعت لتشمل باقي المحافظات السورية، ويبدأ القلق اللبناني تجاه هذه الأحداث قياساً على قلق النظام السوري.
لبنانيون مع النظام وضده
لم تكن حكومة ميقاتي حكومة حرب، ولكنها كانت التغطية على تدخل "حزب الله" عسكرياً في هذه الحرب. منذ البداية انقسم لبنان تجاه طريقة التعاطي مع الأحداث في سوريا: قوى 14 مارس كانت أقرب إلى المعارضة التي كانت تتكون وتأخذ طابعاً سلمياً، و"حزب الله" مع حلفائه كانوا إلى جانب النظام. وتدرج هذا الانقسام وتطور مع تطور تلك الأحداث وتحولها إلى حرب عسكرية اقتربت من الحدود اللبنانية ودخلتها.
في البداية لم يكن "حزب الله" يتوقع أن تهز هذه الحرب النظام السوري. بدأ يتدخل في هذه الحرب تحت شعار الدفاع عن اللبنانيين الذين يعيشون في سوريا في قرى متاخمة للحدود مع لبنان، ثم طور هذا الغطاء إلى الدفاع عن المقامات الدينية الشيعية في سوريا، وخصوصاً مقام السيدة زينب في دمشق، الذي له أهمية دينية كبرى لدى الشيعة في العالم، ثم أعلن أنه يرسل قواته للقتال إلى جانب النظام، وخاض معركته الأولى الكبرى في منطقة القصير، حيث أسهم مع الجيش السوري في طرد المنظمات المعارضة الأصولية من هذه المنطقة وتهجير سكانها، متكبداً خسائر كبيرة فيها في عام 2013، وانتقل هؤلاء بالآلاف إلى لبنان.
في أغسطس (آب) 2014 ردت التنظيمات الأصولية في منطقة القلمون السوري بالدخول إلى منطقة عرسال اللبنانية وجرودها في هجوم باغت الجيش اللبناني، وأسفر عن أسر عدد من عناصره وعناصر قوى الأمن الداخلي. خلال هذه المرحلة كانت تنظيمات لبنانية سنية تجاهر بدعمها التنظيمات الأصولية المعارضة للنظام. وحتى عام 2015 كادت هذه التنظيمات تحاصر دمشق لولا التدخل العسكري الروسي الذي بدأ في 30 سبتمبر (أيلول). هذا الدخول العسكري الروسي كان بعد عجز التنظيمات الإيرانية و"حزب الله" والنظام السوري أمام الهجمات الكبرى التي نفذتها قوات المعارضة التي تنتمي إلى التنظيمات الأصولية مثل "الدولة الإسلامية في العراق والشام" أي "داعش" و"جبهة النصرة" وغيرهما، وكانت سيطرت على مناطق واسعة في سوريا وعلى طول الحدود اللبنانية من القنيطرة في الشرق حتى المصنع في الوسط وصولاً إلى مناطق متاخمة لمنطقة عكار.
العمليات الانتحارية
خلال هذه الفترة بدأت العمليات الانتحارية ضد "حزب الله" في لبنان. كان هناك انتحاريون فلسطينيون ولبنانيون ينفذون العمليات. وتفاقم الانقسام اللبناني حول الحرب في سوريا بين من يدعم المعارضة ومن يدعم النظام. وزاد تدخل "حزب الله" في الحرب بعد التدخل الروسي، وتوجهت وحدات من الحزب للقتال في سوريا من دون أي موقف رسمي لبناني يحد من هذا التدخل، إذ إن الحزب كان يرسل عناصره عبر معابر حدودية يسيطر عليها، وجاهر أمينه العام حسن نصرالله بأنه مستعد لإرسال 100 ألف مقاتل إذا اقتضى الأمر. وبين عامي 2015 و2018 تمكن الحزب مع الجيش السوري والجيش الروسي من دفع مسلحي "داعش" و"النصرة" والتنظيمات المعارضة الأخرى إلى منطقة إدلب، بينما حافظت قوات سوريا الديمقراطية الكردية في معظمها على سيطرتها على منطقة القامشلي والجزيرة مستفيدة من غطاء أميركي تؤمنه وحدات عسكرية أميركية لا تزال تتمركز شرق سوريا. هذه المرحلة شهدت معركة "فجر الجرود" التي طرد فيها الجيش اللبناني مسلحي "داعش" و"النصرة" من جرود البقاع الشمالي، بين بلدتي القاع وراس بعلبك، تزامناً مع العملية التي نفذها "حزب الله" مع الجيش السوري في جرود عرسال والقلمون وانتهت بخروج المسلحين المستسلمين بباصات إلى إدلب والشمال السوري، وبذلك تحررت الحدود اللبنانية من خطر تجدد المعارك ومن خطر العمليات الانتحارية ولكن بقي ضغط النازحين على الوضع الداخلي يهدد مصير لبنان كله.
مع التطبيع وضده
الانشقاق لم يبق على المستوى القتالي العسكري، بل تعداه إلى المستوى السياسي بين من يريد عودة العلاقات إلى طبيعتها بين لبنان وسوريا، ويتبنى عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية، ومن يعتبر أنه لا يمكن تطبيع هذه العلاقات سياسياً، بحيث يمكن أن يسمح هذا الأمر بعودة النظام السوري إلى التدخل في الشؤون اللبنانية كما كان يحصل أيام الحرب وفي عهد الوصاية.
خير تعبير عن أزمة النزوح السوري في لبنان كان صدر عن محافظ بعلبك والهرمل بشير خضر، الذي اعتبر أن راتبه لم يعد يساوي المساعدة التي يحصل عليها النازح السوري. هذا الواقع يضغط بقوة على لبنان المنهار اقتصادياً ومالياً في ظل فراغ في رئاسة الجمهورية ومؤسسات معطلة. وأكثر ما يزيد من مخاوف اللبنانيين الحديث المتكرر عن إمكان تحول المخيمات السورية إلى مخيمات مسلحة، لأن أكثرية السوريين مدربون، وسبق وخدموا في الجيش السوري ويمكنهم حمل السلاح. يضاف إلى ذلك أن طريق عودة النازحين دونها عقبات كثيرة أهمها المساعدات التي يحصل عليها النازحون في لبنان، وتحذير منظمات دولية من تعرض العائدين للاعتقال بعد عودتهم، مع أن أعداداً كبيرة من الموجودين في لبنان تؤيد النظام وشاركت في الانتخاب للتجديد لرئيس النظام السوري بشار الأذسد.
ملاحظة : نحن ننشر المقالات و التحقيقات من وسائل الإعلام المفتوحة فقط و التي تسمح بذلك مع الحفاظ على حقوقها ووضع المصدر و الرابط الأصلي له تحت كل مقال و لا نتبنى مضمونها