أزمة عون ميقاتي.. وهواجس الطرابلسيين القديمة من لبنان الكبير
سكاي نيوز عربية
Thursday, April 21, 2022
تصاعدت حدة الأزمة السياسية اللبنانية حول تفسير الصلاحيات الدستورية المعمول بها بين الرئاستين الأولى والثالثة، وقرعت على إيقاعها، خلال الساعات القليلة الماضية، نواقيس خطر من شأنها تهديد "السلم الأهلي" في البلد، على خلفية تصريحات ومواقف مبنية على نزعة "الشحن الطائفي".
ونشبت الأزمة الحالية، الأحد، بعدما وقّع الرئيس (السابق) ميشال عون، مرسوما يقضي بقبول استقالة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وإيداع المرسوم في عهدة رئيس مجلس النواب نبيه بري، مما دفع ميقاتي إلى التشكيك بـ"دستورية" المرسوم، وبالتالي إلى قيام بري بالدعوة إلى عقد جلسة تحت قبة البرلمان، الخميس، من أجل مناقشة هذا الموضوع.
وكانت بوادر "الشحن الطائفي" قد تجلت، الاثنين، في فحوى تصريح موجز أدلى به خلدون الشريف، أحد المستشارين السياسيين السابقين لميقاتي، اعتبر فيه أن الهدف الذي يرمي إليه عون من خلال توقيع المرسوم، "يتمثل في عدم رغبته في تسليم صلاحيات رئاسة الجمهورية لشخص سُني"، بحسب ما ورد في تقرير لـ"سكاي نيوز عربية".
لكن رئيس حكومة تصريف الأعمال سارع إلى القول في حديث خاص مع "سكاي نيوز عربية"، الثلاثاء، إن "الأولوية تبقى لانتخاب رئيس جديد للبلاد، وتأليف حكومة جديدة".
وأشار إلى أن "صلاحيات رئيس الجمهورية لا تعود بموجب الدستور إلى رئيس الحكومة، بل إلى مجلس الوزراء".
ميقاتي "الطرابلسي"
وبحسب متابعين للشأن اللبناني، فإن "شدّ العصب السُني في طرابلس أعاد إلى المدينة هواجس الأجواء الدراماتيكية التي شهدتها، خلال الأسبوع الأخير من يناير 2021"، على خلفية العوامل التالية:
الهجوم الذي شنّه "محتجون" على مقر السراي في المدينة، الذي يضم مكتب محافظ الشمال رمزي نهرا المنتمي لـ"التيار الوطني الحر" بزعامة جبران باسيل، صهر عون.
استكمال الهجوم بإحراق المبنى التاريخي لبلدية طرابلس وإتلاف مئات الوثائق والمستندات الموجودة داخله.
إعلان ميقاتي في مداخلة تلفزيونية أن الطرابلسيين "لم يرغبوا قبل 100 عام في الانضمام إلى دولة لبنان الكبير".
الجنرال الفرنسي
معلوم أن نواة تأسيس الجمهورية اللبنانية فوق مساحة الـ10452 كيلومترا مربعا بُنيت على فكرة الجنرال الفرنسي هنري غورو، بشأن توسعة البقعة الجغرافية لـ"متصرفية جبل لبنان" التي طرحها ونفذها عام 1920، مما أدى إلى إضافة مناطق الجنوب والبقاع والشمال للمتصرفية التي باتت تُسمى، منذ ذلك الحين، بـ"دولة لبنان الكبير"، ومن ثم بـ"الجمهورية اللبنانية".
واللافت في سياق السرد التاريخي لحيثيات تلك المرحلة، أن شخصيات سياسية تنتمي إلى طرابلس عبّرت في السابق عمّا عبّر عنه ميقاتي العام الماضي، وأبرزهم:
عبد الحميد كرامي (1887-1950) الذي دأب على مطالبة رئيس سوريا الأسبق شكري القوتلي، ورئيس وزراء مصر الأسبق مصطفى النحاس، بمؤازرته لإخراج طرابلس من إطار دولة لبنان الكبير.
رشيد كرامي (1921-1987) الذي طالب الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر بالأمر نفسه.
وبحسب شهادات مؤرخين، فإن الزعيمين، كرامي الأب وكرامي الابن، "كانا يتلقيان من القادة السياسيين المذكورين، في سوريا ومصر، إجابات تتمحور حول جملة مفادها "ابقوا في لبنان الكبير".
رواسب التاريخ
وأدى الارتياب من "منطق الدولة" في أوساط الزعامات المتعاقبة على التحكم بمجريات الأمور في مدينة طرابلس، إلى إيجاد بيئة حاضنة ترفض ذلك المنطق، وفقا للمحطات التالية:
وقوف الطرابلسيين لمؤازرة "مصر الناصرية" في مواجهة "حلف بغداد" في عهد الرئيس اللبناني كميل شمعون، مما استوجب إرسال الآلاف من مشاة البحرية الأميركية إلى لبنان، لـ"دعم الشرعية اللبنانية في مواجهة ما عُرف بثورة 1958، التي اندلعت في الأصل بعصب عروبي سُني".
السماح باستخدام مدينتهم كمسرح تجارب لاختبار مدى القدرة على العبث بهيبة الدولة فيها خلال مناسبتين مهمتين:
- الأولى قُبيل اندلاع الحرب الأهلية لدى إقامة ما عُرف بـ"دولة المطلوبين" في أسواق طرابلس الداخلية على أيدي مسلحين فارّين من العدالة، من أمثال أحمد القدّور عام 1973.
- الثانية بُعيد اندلاع الحرب الأهلية لدى اغتيال محافظ الشمال قاسم عماد، في 20 ديسمبر 1975.
والمعروف أن تركيز التصويب، من قِبل الزعماء الطرابلسيين التقليديين، على استهداف هذه الـ"تري بوليس" الجميلة، التي خصّها التاريخ القديم باحتضان أول مجتمع تعدّدي في منطقة الشرق الأوسط، أيْ "حيّ الصوريّين وحيّ الصيدانيّين وحيّ الأرواديّين"، أو بعبارات تاريخية أدق: "محلاتا" و"مايزا" و"كايزا"، ظل يرمي دائما إلى تجريدها من رمزية وجودها كمدينة للتلاقي ما بين غالبية أبنائها الذين ينتمون إلى الطائفة الإسلامية السُنية، وما بين أقلية أبنائها الذين ينتمون إلى الطائفة المسيحية الأرثوذوكسية.
إرهاصات اليوم
ويرى متابعون للشؤون اللبنانية، داخل لبنان وخارجه، أن الجدل الدائر حاليا حول التباين بين الأفرقاء بشأن تفسير نصوص المواد الدستورية، "يمكن أن يؤدي إلى تجريد البلد من أسس وجوده فوق مساحة الـ10452 كيلومترا مربعا، لا سيما بعدما أصبح في حكم المؤكد أن المضاربين المحليين في بورصات مصادر الطاقة الكامنة في المياه الإقليمية اللبنانية، نفطا وغازا، أصبحوا على أهبة الاستعداد لتجيير ثرواتهم الوطنية الموعودة خدمة لمصالحهم المناطقية والطائفية الضيقة".
وتتركز الأنظار على جلسة مجلس النواب المرتقبة، الخميس، لمعرفة ما سيقوله نواب الشعب، عن ثروات الشعب ومقومات سيادته على أراضيه، في ظل احتدام التنافس على "الصلاحيات الدستورية" بين عون وميقاتي.