مع استمرار الأزمات الخانقة.. مصارف لبنان تصارع من أجل البقاء
اشوشيتد برس - الحرة
Thursday, April 21, 2022
يعاني القطاع المصرفي في لبنان بشدة، في هذه الآونة،  بعدما تكبد خسائر هائلة تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، مخلفا مستقبلا مجهولا وغامضا لمقرضي البلاد.

ويبذل المصرفيون جهود كبيرة في محاولة منهم لمنع تحميل المساهمين تلك الخسائر، وبالتالي إلقاء العبء على الحكومة أو المودعين.

ومن جانبها، تقاوم الطبقة السياسية في البلاد، التي ألقي باللوم عليها بسبب عقود من الفساد وسوء الإدارة أدت إلى الانهيار، مساعي الإصلاح، وذلك بحسب خبراء ومراقبين.

ويعد إعادة هيكلة القطاع المصرفي مطلبا رئيسيا لصندوق النقد الدولي لإخراج لبنان من أزمته المالية التي أصابت البلاد بالشلل.

ومن المرجح أن تجبر الإصلاحات التي اقترحها صندوق النقد غالبية البنوك الـ 46 في البلاد (وهو عدد ضخم بالنسبة لدولة يبلغ عدد سكانها 5 ملايين نسمة) على الإغلاق أو الاندماج.

وخلال فترة ما بعد الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاما، وانتهت في العام 1990 كان القطاع المصرفي قاطرة ازدهار اقتصاد البلاد، إذ كان يقدم فوائد مرتفعة جذبت استثمارات وودائع من مختلف أنحاء العالم.

وفي الوقت الحالي لا يتسن لمعظم المودعين الوصول إلى مدخراتهم بعدما قام مقرضو البلاد لسنوات باستثمارات محفوفة بالمخاطر من خلال شراء أذون الخزانة اللبنانية، وذلك رغم الفساد المستشري والإنفاق المفرط للطبقة السياسية في البلاد.

وكانت هذه الممارسات من مسببات الأزمة الاقتصادية التي ظهرت إرهاصاتها في أكتوبر من العام 2019.

واليوم لا تقدم المصارف اللبنانية قروضا ولا تستقبل ودائع جديدة، وتعيد للمواطنين جزءا صغيرا فقط من مدخراتهم الدولارية بسعر صرف أقل بكثير من القيمة السوقية.

وفي هذا الصدد، يقول المستشار المالي ميشال قزح، وهو أيضا كاتب عمود اقتصادي في صحيفة لبنانية: "أصبحت مصارف لبنان من الأحياء الأموات".

"غسل المليارات"

ورغم القيود غير الرسمية على رؤوس الأموال تشير تقارير محلية إلى غسل مليارات الدولارات خارج البلاد من جانب كبار المسؤولين السياسيين والماليين.

وفي الأشهر الأخيرة اقتحم عدد من المودعين الغاضبين فروع مصارف في لبنان للحصول على مدخراتهم بالقوة، ما أدى إلى مواجهات مع الموظفين الذين هم بدورهم من ضحايا الأزمة.

فمنذ بدأت تلك الأزمة انخفض عدد موظفي البنوك بمقدار الثلث، إلى أقل من 16500 موظف، وأغلق واحد من كل خمسة فروع لكل مصرف على الأقل.

وتقول جنان حايك، التي فقدت وظيفتها كمديرة فرع في أحد أكبر مصارف البلاد منذ عامين، إنها تتفهم مأساة المودعين، مردفة: "لكن فروع البنوك مقيدة في ظل الأحوال الاقتصادية الحالية".

وفي مخبز فتحته بعد تسريحها من العمل في بلدة بكفيا الجبلية قالت: "هناك بعض الأشخاص الذين لا يحصلون على الطعام لأن أموالهم مجمدة في البنك"، مضيفة أنها سعيدة لكونها بعيدة عن تلك المعركة.

ويبدو أن مستقبل البنوك غير واضح، إذ دعا اتفاق مبدئي بين صندوق النقد الدولي والحكومة اللبنانية تم التوصل إليه في أبريل، إلى "تقييم بنكي بمساعدة خارجية لأكبر 14 مصرف"، ولكن حتى الآن لم يجر اتخاذ أي إجرءات من جانب الحكومة أو المقرضين.

وأعلن القطاع المصرفي معارضته الشديدة للإجراءات المقترحة التي من شأنها أن تلقي عبء خسائر النظام على المساهمين بدلا من المودعين.

وتقدر خطة الحكومة المقترحة للتعافي الاقتصادي التي اعلنت في سبتمبر خسائر القطاع المالي بنحو 72 مليار دولار، معظمها في البنك المركزي.

وأشارت الخطة إلى أن الحجم الهائل للخسائر يعني أن البنك المركزي لا يمكنه إعادة معظم أموال للبنوك ولا تستطيع البنوك إعادة معظم أموال المودعين.

وجاء في تقرير حديث للبنك الدولي أن الخسائر تزيد عن ثلاثة أضعاف إجمالي الناتج المحلي في العام 2021، ما يجعل عملية الإنقاذ مستحيلة بسبب عدم وجود أموال عامة كافية.

وأوضح التقرير أن أفضل حل هو "تحميل كبار الدائنين والمساهمين تكلفة إعادة هيكلة المصارف"، وليس صغار المودعين.

ولكن المصارف عارضت هذا الحل، واقترحت بيع أصول الدولة أو استثمارها لتعويض الخسائر على المدى الطويل.

وفي هذا السياق، وجه نسيب غبريل، كبير الاقتصاديين في بنك بيبلوس، أحد أكبر المصارف اللبنانية، اتهامت للحكومة بأنها "تنازلت بالكامل عن مسؤوليتها".

واستطرد قائلا إنه حين "كان القطاع المصرفي يجتذب العملات الأجنبية من أنحاء العالم فشلت الحكومة في تنفيذ أي إصلاحات هيكلية".

وتابع: "بل وبددت (الحكومة) الأموال، فالقرار الذي صدر  في العام 2017 بزيادة رواتب موظفي الخدمة المدنية، وبلغ مبدئيا بنحو 800 مليون دولار ، انتهى به الأمر بزيادة التكلفة ثلاثة أضعاف، ما ضاعف العجز المالي في عام واحد، وأسهم في خلق الأزمة المالية الحالية".

وذكر أيضا أن المصارف تأثرت أيضا بقرار الحكومة عدم سداد ديونها الخارجية في مارس من العام 2020.

"لا توجد خطة عادلة"

في المقابل، يرى الخبير الاقتصادي، ميشال قزح، أن تغطية الخسائر لا زال ممكنا من خلال قيام شركة تدقيق بمراجعة الحسابات وإعادة الأموال التي جرى تحويلها بشكل غير مشروع خارج البلاد من جانب شخصيات نافذة بعد بدء الأزمة.

في غضون ذلك، أحرزت المحادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن الإصلاحات المقترحة، تقدما طفيفا.

ففي أكتوبر، وافق مجلس النواب اللبناني على تعديل قانون سرية الحسابات المصرفية، وهو أيضا من مطالب صندوق النقد، لكن البعض يقول إن هذه التعديلات ليست كافية.

ولا يزال البنك المركزي يستخدم العديد من أسعار الصرف في وقت يضغط فيه صندوق النقد من أجل توحيدها تحت مظلة سعر واحد، في حين لا يزال إحراز تقدم بشأن الإجراءات المقترحة الأخرى عالق وسط فراغ السلطة في الرئاسة ومجلس الوزراء.

ومؤخرا أدلى نائب رئيس الوزراء سعادة الشامي، الذي يقود المحادثات مع صندوق النقد، بتصريحات مفادها أن جميع الودائع التي تبلغ قيمتها 100 ألف دولار فأقل ستعاد إلى المودعين بينما سيتم تعويض أصحاب الودائع الأكبر على مدى طويل من خلال صندوق سيادي.

وزاد:  "لا توجد خطة عادلة لإنصاف جميع المودعين".

كما ذكر وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال، أمين سلام، أنه كلما ناقشت الحكومة توزيع الخسائر والمسؤوليات، يجري دفع الأمور في اتجاه آخر من جانب المصارف.

وأضاف: "الحكومة تدرك ضرورة  أن تنقذ القطاع المصرفي، لأنه بدون قطاع مصرفي لن نتمكن من إعادة الاقتصاد للوقوف على قدميه".

Friday, December 09, 2022 - إقرأ الخبر من المصدر

إضغط هنا للانضمام الى قناة صدى الارز على Youtube

ملاحظة : نحن ننشر المقالات و التحقيقات من وسائل الإعلام المفتوحة فقط و التي تسمح بذلك مع الحفاظ على حقوقها ووضع المصدر و الرابط الأصلي له تحت كل مقال و لا نتبنى مضمونها

Copyright © 2022 -  sadalarz  All Rights Reserved.
CSS smooth scrolling effect when clicking on the button Top