ليس انقضاء ولاية الرئيس اللبناني ميشال عون بوطأتها الثقيلة على معظم اللبنانيين ما يمنح الانتخابات الرئاسية جاذبيتها وأهميتها. فعلى هامش المشهد الانتخابي العام، ثمّة «مفارقات» تضفي على المعركة الرئاسية طابعاً فكاهياً، يكسر روتينية جلسات مجلس النواب المتكررة، وإن كانت في الحقيقة انعكاساً لتردي الأوضاع على كل المستويات.
إحدى هذه المفارقات تتعلق بالمرشحين «المعلنين» للانتخابات الرئاسية، الذين تكبدوا عناء إعلان ترشحهم وطرحوا برنامجهم الانتخابي وأعدوا العدة للمنازلة الكبرى ثم طواهم النسيان ولم تحضر اسماؤهم مرة واحدة في صندوق الاقتراع.
علما ان الدستور اللبناني لا يلزم الراغبين في خوض معركة الرئاسة بتقديم ترشيحات مسبقة، ويمكن لاي نائب أن ينتخب أي لبناني ماروني شرط ان لا يكون ما يمنع او يتعارض مع الشروط مثل السن والسجل العدلي.
في جلسة الانتخاب الرابعة، كسر اسم ميلاد ابو ملهب رتابة الجلسة بحصوله على صوت واحد.. وسواء كان التصويت لأبو ملهب من باب «التكتكة» السياسية أم نتيجة قناعة صاحبه، الا انه اثار فضول اللبنانيين للتعرف على هوية الرجل الذي اقتحم صندوق الاقتراع إلى جانب المرشح ميشال معوض والورقة البيضاء.
البعض من اللبنانيين يعرفه من خلال صولات وجولات في ساحات الاحتجاج، حيث كان يظهر أحيانا شبه عار للتعبير عن غضبه ورفضه للواقع. وفي احدى موجات التظاهر في ساحة ريا الصلح، ظهر بو ملهب بسرواله الداخلي فقط حاملا لافتة كتب عليها تساؤلاته: «أنا إنسان؟ أنا لبناني؟ أنا رجل؟ أنا حمار..».
قبل ترشحه لرئاسة الجمهورية، ترشح ابو ملهب للانتخابات النيابية، واستطاع ان يجذب عدسات المصورين بحضوره الفلكلوري الى وزارة الداخلية قبل ساعة من اقفال الترشيحات مرتديا العلم اللبناني وحاملا عصا من خشب الشجر عليها جرس.
كثر يرون أن ابو ملهب «مش طبيعي». مسار حياته المتعرج متنقلا من المدرسة الحربية الى المعلوماتية فدراسة اللاهوت يعزز هذه النظرية، ولكن ما هو الأمر الطبيعي في لبنان؟.
ترايس ومي
لا يمكن لأي مهتم بالشأن السياسي إلا وان «يتعاطف» مع سيدتين، قررتا بخطوة نادرة خوض معركة تدركان سلفا أنها مقفلة على من هم خارج النادي السياسي التقليدي، وأن لا مكان فيها للاعتداد بالكفاءة المهنية والعصامية: ترايسي داني شمعون، حفيدة الرئيس الراحل كميل شمعون وسفيرة لبنان السابقة في الأردن، والكاتبة والشاعرة مي الريحاني، ابنة الأديب البرت ريحاني وابنة شقيق امين الريحاني «ابو الادب المهجري» وكاتب أول رواية عربية باللغة الانكليزية.
ترشحت شمعون على أساس «رؤية جديدة للجمهورية قادرة أن تعطي حلولا للمشاكل التي يرزح تحت عبئها الوطن». بينما أعلنت الريحاني ترشحها «بعد الدعم القوي من مرجعيات سياسية وفعاليات في لبنان والاغتراب تحت شعار «انقاذ الكيان واسترداد الدولة»، وكلاهما لم تحوزا صوتا واحدا من ممثلي الأمة.
عمر حرفوش
الطموح السياسي أمر مشروع واذا لم يمتلك البعض ادوات وامكانات لتحقيق هذا الطموح فإنه يتحول وهما لا يتحقق الا في رأس صاحبه. وبعض الطامحين لرئاسة الحكومة ليسوا افضل حال من ميلاد ابو ملهب مع اختلاف الامكانات.
يحضر هنا اسم عمر حرفوش الذي هبط على المشهد السياسي بين ليلة وضحاها مرشحا عن المقعد النيابي في طرابلس حاملا مشروع «الجمهورية الثالثة»، الذي يدعو إلى علمنة الدولة بالكامل. ومن لم يتسن له التعرف الى حرفوش المنتشرة صوره في ارجاء البلاد سهلا وجبلا، سمع به بعد حادثة «سرقة الكراسي» من قبل شبان وعدهم بدفع مبالغ مالية لقاء مشاركتهم في مهرجان انتخابي أقامه في طرابلس، وأخلف بوعده.
أنفق حرفوش ما بين مليونين وثلاثة ملايين دولار للوصول إلى البرلمان، لكنه لم يحصل الا على الف صوت تفضيلي. ومع ذلك لم ييأس ولم ينكفئ وثابر على خوض المعترك السياسي، بطموح أكبر هذه المرة، مصوبا على رئاسة الحكومة.
لا يفتقد العالم كله شخصيات سياسية هزلية، تنتجها تقاطعات غير منطقية، لكن الضحك والسخرية يتحولان الى مرارة عندما تعتقد هذه الشخصيات عن قناعة انها «انها قادرة على صنع التاريخ».