سوق العمل اللبناني يلامس الأسوأ جراء الأزمة المالية الخانقة
صحيفة العرب
Thursday, April 21, 2022
تتسارع في لبنان وتيرة انزلاق سوق العمل إلى منحدر خطير مع ركود الأنشطة التجارية والسياحية وغيرها من المجالات الأخرى في ظل ضبابية مستقبل الاقتصاد الغارق في الديون والمتعطش للدولارات.
أجبرت الأزمة الاقتصادية الحادة منذ أكثر من ثلاث سنوات الكثير من الشركات في كل القطاعات تقريبا على إغلاق أبوابها، وألحقت المئات من الموظفين بجحافل العاطلين، في ظل تدهور معيشي متسارع زادت من أوجاعه قيود البنوك على السحب مع انهيار العملة.
وحذر خبراء لبنانيون من الانعكاسات السلبية لهجرة الشباب على الاقتصاد اللبناني مع استمرار التردي الاقتصادي وسط الأزمة المالية غير المسبوقة التي تشهدها البلاد.
وتقدر الشركة الدولية للمعلومات الدولية، وهي مركز أبحاث لبناني، أنه من بداية عام 2019 وحتى حلول نهاية العام الجاري سيغادر لبنان حوالي 875 ألف شخص مقارنة بنحو 600 ألف شخص بين عامي 1992 و2018.
وفي الوقت الذي لا تزال فيه نسبة من اللبنانيين تعمل برواتب لا تكفيها، فنسبة كبيرة منهم، خاصة الفئة الشابة، تقبع في منازلها من دون إيجاد عمل.
ولا توجد إحصاءات دقيقة ورسمية تستطيع تحديد نسبة البطالة، لكن المركز يؤكد أن المعدل يبلغ 38 في المئة، بينما كان العام الماضي عند حوالي 32 في المئة.
وترى فرح الشامي الباحثة في مبادرة الإصلاح العربي، وهي شبكة من المعاهد البحثية والسياسات العربية المستقلة، أن أحد الآثار السلبية للهجرة هو اعتماد لبنان على التحويلات بدلا من تعزيز قطاعات البلد الإنتاجية وتوفير فرص عمل للشباب.
ونسبت وكالة شينخوا إلى الشامي قولها إن “التحويلات تلعب دورا حيويا في مساعدة العائلات اللبنانية وسط الأزمة الحالية، لكنها تبقى جزءا من الاقتصاد الريعي الذي يعتبر بنية غير منتجة”.
وأشارت إلى أن البعض من الشباب الذين يغادرون البلاد يسافرون للدراسة أو يعملون في وظائف لا تلبي احتياجاتهم، مما يجبر أسرهم على الاستمرار في إعالتهم ماديا.
ومنذ عقود تعول الحكومة اللبنانية على تحويلات المغتربين لأنها تستخدمها في صلب الخطط الاقتصادية، كما أنها تساعدها في بناء جدار من الحماية الاجتماعية مع تلقي الأسر لتلك الأموال لإعالة أنفسهم.
وتشير إحصائيات البنك المركزي إلى أن تحويلات المغتربين بلغت بنهاية العام الماضي نحو 6.4 مليار دولار.
وتفيد دراسة سابقة دولية للمعلومات بأن التحويلات الشهرية لنحو 1.3 مليون مغترب إلى ذويهم في لبنان تتجاوزت 120 مليون دولار ويستفيد منها حوالي 220 ألف عائلة، مما يشكل أحد أبرز عوامل صمود كثير من الأسر أمام الأزمة الاقتصادية.
ولطالما لفتت الأوساط الاقتصادية المحلية والمهتمون بالشأن اللبناني الأنظار إلى هذه الفئة من الشباب، التي تضع عبئا اقتصاديا أكبر على عائلاتها التي تدعم تعليمها أو تعوض النقص في الدخل الناتج عن بلدان أجنبية.
وقالت الشامي إن “هجرة العقول التي تشمل فئات عمرية مختلفة وعدة مهن بينهم أطباء وأساتذة وتقنيون تعتبر من أخطر آثار الهجرة” على البلاد ومستقبلها في حال تحسنت الظروف، وإن كان من الصعب التنبؤ بذلك على المدى القريب.
ومعظم اللبنانيين الذين يغادرون بلدهم لديهم المعرفة والمهارات، لذلك فإنه “عندما يعيد الاقتصاد تأسيس نفسه سيفتقر إلى رأس ماله البشري”، بحسب الخبيرة التي حذرت من “أننا سوف نشهد تباطؤا في الانتعاش والنمو الاقتصادي”.
ويشهد لبنان أزمة اقتصادية ومالية حادة وانهيارا في العملة المحلية ما رفع نسبة الفقر في البلاد إلى نحو 82 في المئة، مما تسبب في دفع الخريجين الشباب والمهنيين إلى مغادرة البلاد بحثا عن فرص ورواتب أفضل بالعملة الأجنبية.
كما غذت الأزمة تدفق المهاجرين بما في ذلك الهجرة غير الشرعية عبر الطرق البحرية المحفوفة بالمخاطر، والتي أدت إلى مقتل العشرات.
وكان نقيب الأطباء في لبنان يوسف بخاش قد حذر من أن 40 في المئة من الأطباء الاختصاصيين قد هاجروا من بلده، الذي كان يعتبر منذ تسعينات القرن الماضي “مستشفى الشرق الأوسط”.
وأفادت دراسة أجراها الباروميتر العربي، وهي شبكة بحثية مستقلة حول اتجاهات وقيم المواطن العربي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، بين عامي 2020 و2021 أن حوالي 48 في المئة من اللبنانيين يسعون للمغادرة للحصول على فرص أفضل في الخارج.
وأشار معدو الدراسة إلى أن لبنان معرض لخطر هجرة العقول، حيث يرغب 61 في المئة من الحاصلين على تعليم جامعي في الهجرة مقارنة مع حوالي 37 في المئة من الحاصلين على شهادة ثانوية أو أقل.
وأكد الخبير الاقتصادي أيمن عمر أن لبنان يخسر عناصر أساسية للتنمية والتقدم نتيجة هجرة الكوادر البشرية الماهرة، لاسيما في قطاعي الصحة والتعليم.
وقال عمر وهو مدير مركز إشراق للدراسات لشينخوا إن “هذين القطاعين أفرغا من العاملين المهرة”.
ورأى أن الهجرة تساهم في خفض معدلات البطالة ليس بسبب زيادة الاستثمارات وتوافر فرص العمل، ولكن بسبب انخفاض القوة العاملة والنشاط الاقتصادي، مما يؤدي إلى فقدان الاقتصاد ميزته التنافسية.
وقال “بينما تساهم الهجرة في زيادة تدفق العملات الأجنبية إلى البلاد، فإن الزيادة في المعروض بالدولار تتم من خلال النظام المصرفي الذي يحتاج إلى استعادة الثقة”.
وأوضح عمر أن هذه التدفقات تستخدم في الاستيراد وأنها ليست عملة استثمارية تم تحقيقها من خلال المشاريع.
ملاحظة : نحن ننشر المقالات و التحقيقات من وسائل الإعلام المفتوحة فقط و التي تسمح بذلك مع الحفاظ على حقوقها ووضع المصدر و الرابط الأصلي له تحت كل مقال و لا نتبنى مضمونها