تنعدم فيها مقومات العيش من مياه وغذاء ونظافة وأدوية .. سجون لبنان تقاسي الأزمة أضعافا
كارين اليان ضاهر - اندبندنت عربية
Thursday, April 21, 2022
طالما ارتبط عنوان السجون في لبنان بمفهوم الذل والتعذيب، نظراً إلى الظروف القاسية التي يعيشها السجناء والتي لا تتوافر فيها أدنى المقومات المطلوبة للعيش.
فمع تدهور الوضع الاقتصادي، واجه السجناء جميع الأزمات التي يواجهها المواطنون خارج الأسوار، لكن في ظل ظروف أكثر قسوة، إذ عانوا أزمة انقطاع المياه في ظل انتشار الكوليرا والخوف من تفشي المرض بينهم، خصوصاً أن البيئة التي يعيشون فيها تشكل أرضية خصبة لانتشار كل أنواع البكتيريا والفيروسات، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الكهرباء.
جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بالمادة 25 منه وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بالمادة 11 أن "لكل الأشخاص المحرومين من حريتهم الحق في مستوى معيشي مناسب، بما في ذلك ما يكفي من الغذاء والماء الصالح للشرب والمسكن والملبس والفراش".
لكن ذلك يبدو بعيداً كل البعد من الظروف التي يعيشها السجناء في لبنان، خصوصاً في مرحلة ما بعد الأزمة، علماً أن البلاد يضم 24 سجناً أكبرها سجن رومية ومنها سجون مركزية وأخرى تتوزع في المناطق بين سجون للرجال وأخرى للنساء (عددها أربعة) وسجنان للقاصرين والقاصرات.
قبل الأزمة وبعدها
لا بد من التمييز أولاً ما بين مرحلة ما قبل الأزمة وما بعدها، نظراً إلى التدهور الكبير الذي حصل للسجون في ظل الوضع الاقتصادي المتردي. لطالما جرى الحديث عن المآسي التي يعيشها السجناء وعن أوضاع السجون المزرية، "لكنهم يعيشون حالياً في ظروف لا يحتمل إنسان العيش فيها"، وفقاً للمدير التنفيذي للمركز اللبناني لحقوق الإنسان فضل فقيه الذي يؤكد أن الحكومات المتعاقبة لا تعتبر أن إصلاح السجون أولوية مهمة بالنسبة إليها.
خلال فترة انتشار وباء كورونا تم التعاطي مع الجائحة وأخطارها بجدية وكانت هناك إدارة سليمة لهذه المرحلة بدعم من منظمة الصحة العالمية والجمعيات. عندها أقيم حجر للسجناء المصابين بالفيروس ومنعت الزيارات وجهاً لوجه، مما أسهم في ضبط الوضع والحد من تفشي الوباء في السجون، وإن ظل الأثر النفسي صعباً على السجناء، خصوصاً القاصرين منهم الذين باتوا عاجزين عن لقاء ذويهم وحتى المحاكمات كانت تقام عن بعد في ذلك الوقت.
متابعة صحية محدودة
يقتصر دور وزارة الصحة حالياً على تأمين الدعم عند الحاجة لإدخال سجناء إلى المستشفى بعدما أصبحت المستشفيات ترفض استقبالهم في فترات معينة، حتى إن السجين المريض لم يعد ينقل على حساب الدولة إلى المستشفى، كما لم تعد تتولى تغطية كلف استشفائه، بحسب فقيه، إذ يطلب من الأهل تحملها.
أما المتابعة الصحية للسجناء، فتتولى أمرها قوى الأمن الداخلي عبر مركز خاص وبدعم من الجمعيات والمنظمات الدولية التي تحرص على تأمين الأدوية بشكل دوري، لكن لا يوجد في المركز سوى ممرض واحد، ولم يعد هناك طبيب بعد تدني أجور الأطباء ورفضهم الاستمرار في العمل وسط هذه الظروف.
من الأزمات الصعبة في السجون أيضاً عدم توافر الأدوية للمرضى الذي يعانون اضطرابات نفسية ويحتاجون إلى متابعة العلاج بانتظام.
تجدر الإشارة إلى أن 34 حالة وفاة بين السجناء سجلت أخيراً، مما يفوق أعداد الوفيات التي كانت تسجل سابقاً، الأمر الذي يطرح علامات استفهام حول الأسباب التي تؤدي إلى ذلك.
إضراب القضاة أكبر الأزمات
ربما يكون إضراب القضاة طوال الأشهر الماضية من الأزمات الكبرى التي واجهها السجناء بشكل خاص وأدت إلى تضاعف أعدادهم. فإذا كانت السجون اللبنانية تتسع لعدد محدد من السجناء عملاً بالمعايير التي أعدتها اللجنة المختصة في أغسطس (آب) 2011، فإن الواقع على الأرض يشير إلى غير ذلك، وفي ظل وقف المحاكمات تعج السجون بالموقوفين والمحكومين، وفق ما تؤكده المحامية لينا شمعون من جمعية "عدل ورحمة"، فـ"في كل سجن لبناني أكثر من أضعاف قدرته الاستيعابية، مما يولد تحديات لا تعد ولا تحصى".
بالتزامن مع الأزمة، سجلت أخيراً حالات فرار لعشرات السجناء من النظارات الشرطية، خصوصاً مع تراجع أعداد القوى الأمنية بما أن أوضاعها أيضاً لا تقل صعوبة، فيما أعادت عناصرها إلى السجن نحو نصف الذين فروا وبقي الآخرون خارج قبضتها.
تؤكد المحامية موهانا إسحق لـ"اندبندنت عربية" أنه "طوال 15 عاماً تابعت فيها شؤون السجناء لم تحصل تغييرات تذكر لخدمة مصالحهم، وإن أجريت بعض التعديلات الإدارية البسيطة وشيد مبنى جديد"، مشيرة إلى أن "الاكتظاظ أول التحديات التي يواجهها السجناء ويترتب عليه تدنٍ كارثي في مستوى الخدمات داخل السجن وزاد الوضع سوءاً مع إضراب القضاة".
وتضيف "من المفترض ألا يتخطى عدد السجناء مثلاً في سجن رومية 2000 سجين، لكن في الواقع تزيد أعدادهم أضعافاً وذلك مع انقطاع الماء وغياب شروط النظافة وأدنى مقومات العيش، ففي غرفة تستوعب خمس سجناء هناك أكثر من 15، وبسبب ضيق المساحة والاكتظاظ ينام هؤلاء أحياناً مداورة أو يتقاسمون فراشاً واحداً يوضع بطريقة معينة لكي تتسع الغرفة للجميع. فالموازنات التي تضعها الدولة للسجون لا تكفي هذه الأعداد الكبيرة".
من جهة أخرى يمكث الموقوفون في النظارات بأعداد كبيرة ولمدد طويلة، فيما يمكن أن يبقوا فيها أياماً لا أكثر، مما يشكل مخالفة قانونية واضحة، إذ يجب نقل الموقوف فوراً إلى السجن حيث يفترض أن تتوافر أدنى مقومات العيش والنوم والأكل. والأسوأ أن الجميع يكونون في هذه النظارات، رجالاً ونساء وقاصرين، بحيث لا فصل بينهم كما في السجون.
تقول إسحق "من المفترض ألا تتخطى مدة الحبس في النظارة شهرين بالنسبة إلى الجنح وستة أشهر في الجنايات، إلى حين بت إخلاء السبيل أو النقل إلى السجن. ولا يمكن توقيف الأشخاص إلى أجل غير مسمى".
لذلك تشدد إسحق على "ضرورة ألا يكون التوقيف عقاباً انتقامياً، بل أن يكون الهدف منه التأهيل وإعادة إدماج السجين في المجتمع بشكل سليم، وهنا يكون دور البرامج التأهيلية المفقود في لبنان، علماً أنه في الأسبوع الماضي تم فك إضراب القضاة في ما يتعلق بملفات الموقوفين، وإذا كانت الحلحلة متوقعة، فإن الضغوط الكبيرة تبقى مع تراكم ملفات القضايا في الفترة الماضية".
الجمعيات هي السند
يبدو أن المنظمات الدولية والجمعيات أصبحت السند الوحيد للسجناء في ظل العجز التام للدولة وعدم قدرتها على تأمين أدنى مقومات العيش لهم، إذ تزداد لقاءات القيمين على الجمعيات مع لجان حقوق الإنسان بانتظام في المرحلة الحالية بهدف التنسيق لتقديم المساعدات والخدمات بالسجون، كل بحسب إمكاناتها.
تشير شمعون إلى أن "الجمعيات تتحمل جميع المسؤوليات، لكن ليس من المفترض أن تحل محل الدولة. فهي موجودة على سبيل الدعم وتقديم مساعدات من أدوية وأغطية وغذاء ومستلزمات أخرى، لكن لا يمكن أن تتحمل مسؤولية السجون بهذا الشكل بعد أن أصبحت الدولة عاجزة عن توفير أبسط الخدمات".
يشكل السجناء الأجانب ومعظمهم من السوريين عبئاً كبيراً على السجون، مما يسهم في زيادة الأوضاع سوءاً، بخاصة بعدما توقف بت ملفاتهم وزاد اكتظاظ السجون بهم، ومعه المشكلات والتحديات المرافقة من توفير غذاء وشروط نظافة ومتابعة صحية.
وفي ظل سوء الإدارة المسؤولة عن السجون، يقبع جميع السجناء معاً، أياً كانت أحكامهم من جرائم وجنح، مما يشكل خطراً على عدد ممن أدخلوا إلى مراكز الاحتجاز بسبب جنحة بسيطة أو ربما حادثة سير، فلا يفترض سجنهم مع المجرمين وتجار المخدرات. ومن هنا تأتي أهمية النظر في عقوبات السجناء وتوزيعهم على الأماكن المخصصة لهم على هذا الأساس، لكن المشكلة الأساسية تكمن في أن إدارة السجون ليست بيد وزارة العدل، كما يجب أن يحدث حتى يجري العمل على برامج إعادة التأهيل بشكل سليم.
ملاحظة : نحن ننشر المقالات و التحقيقات من وسائل الإعلام المفتوحة فقط و التي تسمح بذلك مع الحفاظ على حقوقها ووضع المصدر و الرابط الأصلي له تحت كل مقال و لا نتبنى مضمونها