توزيع الخسائر ... هل يكون فرصة أخيرة لإنقاذ اقتصاد لبنان؟
اندبندنت عربية
Thursday, April 21, 2022
كشف تقرير حديث عن أنه بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على نشوب أسوأ أزمة اقتصادية ومالية في تاريخ لبنان، لا يزال الخلاف بين الأطراف المعنية الرئيسة حول كيفية توزيع الخسائر المالية يمثل العقبة الرئيسة أمام التوصل إلى اتفاق في شأن خطة إصلاح شاملة لإنقاذ البلاد.
ومن المرجح أن يؤدي الفراغ السياسي غير المسبوق إلى زيادة تأخير التوصل إلى أي اتفاق في شأن حل الأزمة وإقرار الإصلاحات الضرورية، مما يعمق محنة الشعب اللبناني ويزيد من حدة الأزمات الاقتصادية التي تواجهه خلال السنوات الأخيرة.
وأشار البنك الدولي في عدد خريف عام 2022 من تقرير مرصد الاقتصاد اللبناني الذي يحمل عنوان "حان الوقت لإعادة هيكلة القطاع المصرفي على نحو منصف"، ويتناول التطورات الاقتصادية الأخيرة والآفاق والأخطار الاقتصادية للبلاد، في ظل حالة عدم اليقين المستمرة منذ فترة طويلة، إلى ضرورة المضي قدماً في توزيع الخسائر المالية بصورة أكثر إنصافاً للمساعدة في وضع الاقتصاد اللبناني على مسار التعافي.
وتشير التقديرات الواردة في التقرير إلى انكماش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 5.4 في المئة خلال العام الحالي، بافتراض استمرار حالة الشلل السياسي وعدم تنفيذ استراتيجية للتعافي. ونظراً إلى توفر بيانات أفضل مما كان متوقعاً سابقاً، فإن التقرير يعدل تقديراته لانكماش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي لعام 2021 إلى سبعة في المئة مقابل نسبة 10.4 في المئة المقدرة سابقاً.
وقد قضى الانكماش في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الذي شهده لبنان منذ عام 2018 والبالغ نحو 37.3 في المئة، وهو يعد من بين أسوأ معدلات الانكماش التي شهدها العالم، على ما تحقق من نمو اقتصادي على مدى 15 عاماً، بل ويقوض قدرة الاقتصاد على التعافي من سلسلة الأزمات التي يواجهها في الوقت الحالي.
الدولار يقفز والاحتياطي يواصل الانهيار
على رغم تدخلات مصرف لبنان لمحاولة تثبيت سعر الصرف في السوق الموازية على حساب الاحتياطي بالعملات الأجنبية الآخذ في التناقص، فإن الانخفاض الحاد في قيمة الليرة اللبنانية مستمر، إذ قفز الدولار الأميركي بنحو 145 في المئة خلال أول 10 أشهر من العام الحالي، وهو ما أدى إلى دخول معدل التضخم في خانة المئات منذ شهر يوليو (تموز) الماضي، ومن المرجح أن يبلغ متوسطه نحو 186 في المئة خلال العام الحالي، وهو من بين أعلى المعدلات عالمياً.
وأشار البنك الدولي إلى أن لبنان يعد من أكثر البلدان تضرراً من التضخم الذي طرأ أخيراً على أسعار المواد الغذائية التي تتأثر بها بشكل خاص الأسر الفقيرة والمحتاجة، إذ تشكل نسبة كبيرة من نفقاتها في ظل التآكل الشديد لقوتها الشرائية.
ويرى التقرير أنه مع زيادة الخسائر المالية على 72 مليار دولار، أي ما يعادل أكثر من ثلاثة أضعاف إجمالي الناتج المحلي في عام 2021، فإن تعويم القطاع المالي بات أمراً غير قابل للتطبيق، نظراً إلى عدم توفر الأموال العامة الكافية لذلك، فأصول الدولة لا تساوي سوى جزء بسيط من الخسائر المالية المقدرة، كما لا تزال الإيرادات المحتملة من النفط والغاز غير مؤكدة ويحتاج تحقيقها إلى سنوات.
ويفتقر تعويم القطاع المالي إلى الإنصاف كذلك، فمن شأن مطالبة عامة المواطنين بتعويض المساهمين في البنوك والمودعين الأثرياء أن تؤدي إلى إعادة توزيع الثروة من الأسر الأفقر إلى الأسر الأغنى. على أية عملية إعادة هيكلة ذات صدقية أن تعتمد مبادئ الإنصاف والعدالة لضمان حماية دافعي الضرائب وصغار المودعين الذين تحملوا حتى الآن وطأة هذه الأزمة.
ويتماشى هذا مع أفضل الممارسات العالمية لاستراتيجيات إعادة هيكلة القطاع المصرفي التي تدعو إلى الاعتراف بالخسائر الكبيرة ومعالجتها بشكل مسبق، واحترام ترتيب المطالبات، وحماية صغار المودعين، والامتناع عن اللجوء إلى الموارد العامة. ويعد الحل المتمثل في خطة إعادة هيكلة القطاع المصرفي قائمة على ترتيب الدائنين، إلى جانب إجراء إصلاحات شاملة، هو الخيار الواقعي الوحيد أمام لبنان لطي صفحة نموذجه الإنمائي غير المستدام.
الأزمة ستعوق نمو الناتج المحلي الإجمالي
في تعليقه قال جان كريستوف كاريه المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي "إن عمق الأزمة واستمرارها يقوضان قدرة لبنان على النمو، إذ يجري استنفاد رأس المال المادي والبشري والاجتماعي والمؤسسي والبيئي بسرعة وعلى نحو قد يتعذر إصلاحه، كما دعونا مراراً وتكراراً، على لبنان اعتماد حل منصف وشامل على وجه السرعة يعيد الاستقرار إلى القطاع المالي ويضع الاقتصاد على مسار التعافي".
ويشتمل التقرير على قسمين خاصين. يقيم القسم الخاص الأول وهو بعنوان "البلدان المقارنة على مستوى العالم: الأزمة أكبر من مجموع مكوناتها"، مدى حدة الأزمة في لبنان من خلال مقارنتها بمجموعة مختارة من الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات، ويخلص إلى أن أداء الاقتصاد الكلي في لبنان أسوأ من أداء هذه المجموعة المحددة من الدول مثل زيمبابوي واليمن وفنزويلا والصومال أو يضاهيها في أحسن الأحوال.
فيما يقوم القسم الخاص الثاني بتحليل أزمة "الدولرة في لبنان" ويخلص إلى أن الأزمة الحالية ستعزز على الأرجح مستويات الدولرة المرتفعة، حتى بعد تحقيق التعافي، حيث ستواصل العملة الأميركية ارتفاعها مقابل العملة اللبنانية.
ملاحظة : نحن ننشر المقالات و التحقيقات من وسائل الإعلام المفتوحة فقط و التي تسمح بذلك مع الحفاظ على حقوقها ووضع المصدر و الرابط الأصلي له تحت كل مقال و لا نتبنى مضمونها