شُيّد في القرن الماضي .. تعرفوا على تاريخ البرلمان اللبناني و كيفية بناءه
فدى مكداشي - اندبندنت عربية
Thursday, April 21, 2022
في مطلع القرن الماضي لم يكن في لبنان مرافق وأبنية حكومية أو حتى مجلس نيابي. وتذكر المصادر أنه في عام 1922 أصدر وكيل المفوض السامي الفرنسي روبير دوكي القرار 1304 الذي ينص على إنشاء هيئة منتخبة سُميت "المجلس التمثيلي للبنان الكبير" واستمر هذا الوضع بعد صدور الدستور اللبناني في عام 1926 واستبدال "المجلس التمثيلي" بـ "مجلس النواب" الذي كانت اجتماعاته تُعقد في السراي الصغير في ساحة البرج وسط العاصمة حيث شُيِّد لاحقاً مبنى "سينما ريفولي" وفي عام 1934 انتقل مقر المجلس إلى ساحة النجمة حيث مقره الحالي.
ساحة النجمة
عن هذه الحقبة حدثنا المهندس المعماري نبيل فوزي عازار، الذي أشار إلى أن "ساحة النجمة، التي يوجد فيها البرلمان، قام ببنائها الفرنسيون وهي شبيهة بساحة النجمة في باريس"، لافتاً إلى أنه "يتخلل هذه الساحة البيروتية المنتدى الروماني، مدرسة الحقوق وكنيسة أنستازيا التي انهارت بزلزال قوي ومن ثم تم العثور على آثار عندما تم ترميم كنيسة مار جاورجيوس وأيضاً وجدنا بعض الآثار عندما تم إعادة بناء ساحة العبد في الحفريات وأيضاً تحت مبنى البرلمان الجديد".
أما بالنسبة إلى مبنى البرلمان، أوضح أنه "تم بناؤه عام 1933 على يد المهندس المعماري الأرمني مارديروس ألتونيان"، لافتاً الى أن "المهندس خريج مدرسة موزارت والمبنى كبير ويفرض نفسه وهو مبنى متماثل (symmetric) وأسلوبه يتبع العمارة الشرقية في التصميم متأثراً بالمراجع الإقليمية التاريخية. كما أن هناك تفاصيل كثيرة تعود إلى عهد المماليك، والمبنى مشيّد على أرض ثلاثيّة مثل كل الأراضي الموجودة في ساحة النجمة ومصنوع من حجر الكلس (Limestone). أما داخل المجلس، فهو نصف دائري يعود إلى الحضارة الرومانية وسقفه مثل القبة مضيء بشبابيك الزجاج الملوّن الشبيه بشبابيك الكنائس وهو متعدد الحضارات إذ حتى زخارفه وتفاصيله تعود إلى العهد المملوكي".
وعما إذا تضرر المبنى خلال الحرب الأهلية، يؤكد عازار أنه "أُهمل وأُعيد ترميمه في التسعينيات وبعدها أُعيد ترميمه أيضاً في عام 2015 وأضيف إليه مبنى مكاتب النواب الذي ساهمتُ به، وهو شبيه بالمبنى الأساسي مع ألواح الزجاج، ويضم ممراً للنواب كي يدخلوا إلى مكاتبهم مباشرةً، وهو مبنىً حديث بطلب من رئيس المجلس نبيه بري".
المهندس
يُذكر أن المهندس مارديروس ألتونيان وُلد عام 1888. تابع دروسه في مدرسة الآباء العازاريين في مدينة فارنا في بلغاريا ثم تسجل في مدرسة الفنون الجميلة. كان موهوباً في مادة الرسم منذ حداثة سنه وعمل في هذا الحقل حيث كان مقيماً بسبب الحرب العالمية 1914- 1918. تزوّج عام 1919 في باريس التي غادرها للالتحاق بأهله الذين وصلوا من حمص إلى بيروت. في حقبة الانتداب الفرنسي، عُيّن مهندساً معمارياً في وزارة الأشغال العامة، مما أتاح له العمل وتنمية مهاراته طيلة السنوات اللاحقة. كُلِّف خلال عامي 1933 و1934 بتحضير الخرائط لإنجاز مبنى المجلس النيابي اللبناني في ساحة النجمة بوسط بيروت. كما شارك في بناء القاعدة للساعة الكبيرة التي قدمها المغترب اللبناني الثري، ميشال العبد. حاز على الجائزة الأولى وتم تنفيذ الأعمال بإشرافه شخصياً. ويعود له الفضل في بناء العديد من الإنشاءات المدنية والدينية في لبنان والأردن والعراق والهند.
أبرز ما أنجزه في لبنان، بالإضافة إلى المجلس النيابي، مبنى كاتدرائية الأرمن الأرثوذكس في انطلياس بين عامَي 1937 و1939. وتمت استشارته في عام 1947 في بناء كاتدرائية الروم الكاثوليك في حريصا في قضاء كسروان (محافظة جبل لبنان). تمت دعوته إلى بغداد من أجل بناء كاتدرائية الأرمن الأرثوذكس منذ عام 1950 وحتى 1952. فازدادت أعماله الهندسية شهرةً في الشرق الأوسط. ثم انتقل إلى القدس من أجل إدارة أعمال ترميم الأماكن المقدّسة مع مجموعة من زملائه الفرنسيين واليونان. ولقد استدعاه في هذه الفترة العاهل الأردني الملك عبدالله للقاء من أجل مناقشة كيفية إقامة مسجد كبير ومكتبة في محيط قصر رغدان، إلا أن هذا المشروع توقّف بسبب الأحداث في الأردن. منحه الرئيس اللبناني إميل إده في عام 1939، وسام الاستحقاق اللبناني القاضي مع السعف، وذلك تكريماً للخدمات التي قدّمها إلى لبنان. كلفه الرئيس بشارة الخوري عام 1945 بتحضير "لوحة الجلاء" في نهر الكلب والتي ترمز إلى جلاء القوات الفرنسية عن لبنان، وأنجزها في وقت قياسي لم يتجاوز الأسبوع الواحد.
عين التينة
والجدير ذكره أيضاً أن المهندس المعماري نبيل فوزي عازار مواليد 1946، من غرزوز قضاء جبيل، هو الذي صمم قصر عين التينة، مقرّ إقامة رئيس مجلس النواب اللبناني، وأشرف عليه اعتباراً من عام 1992 وحتى عام 1995 حين أنهى أعماله. كما صمم عازار مبنى مكاتب النواب الملاصق لمبنى البرلمان (ساحة النجمة) حيث بدأ العمل به اعتباراً من عام 1994 وأنهاه في عام 1997. وكان قد صمم قصر العدل في صيدا (جنوب) وأهّل معظم شوارع بيروت (ساحة ساسين، مار الياس، عفيف الطيبي، ساقية الجنزير) وكل ذلك خلال عام 1996. وأعاد "ساعة العبد" إلى مكانها قرب مجلس النواب في يوليو (تموز) 1996.