لبنان على خط الزلازل وثلاثة فوالق تشطره وجبله خرج من البحر
احمد مغربي - اندبندنت عربية
Thursday, April 21, 2022
لبنان يقع على خط الزلازل ويتوقع #تسونامي بين عامي 2051 و2301، يشبه زلزال عام 551 الشهير، ويشطره فالقان رئيسان يتصل أحدهما مع #الصدع الأناضولي الذي يربط تركيا وسوريا ولبنان والأردن والبحرين الميت والأحمر وينتهي عند منابع النيل، وثمة فالق لبناني ثالث في البحر يعبر مناطق الغاز في شرق المتوسط.
لم تكد عيناي تغادران النوم المضطرب بفعل الهزة التي ضربت لبنان قبيل فجر اليوم الإثنين حتى تدفقت رنات الخليوي والهاتف الأرضي تحمل إليّ أصواتاً تمازج فيها الخوف والذعر مع السؤال عن اللحظة التالية، وشيء من الضحك والسخرية اللذين غالباً ما يرافقان الكوارث الجماعية وكأنهما مسعى في اللاوعي للتنفيس عن الضغوط الخانقة والخوف الذي يأبى أن يستتر.
وتذكرت تلك الأصوات الزلزال الشهير الذي ضرب لبنان، خصوصاً بيروت، عام 1956 ويعيش في ذاكرة لبنانيين كثر تحت مسمى "سنة الهزة". وفي تلك الارتجافة للأرض هرع الناس إلى الساحل في مدن لبنانية ساحلية كثيرة، وآنذاك هرعت عائلتي مع عائلات صيداوية كثيرة إلى شاطئ يحمل اسم الإسكندر المقدوني، وحملت أذرع الأمهات أطفالهن كأنهن يردن رد الزلزال عن فلذات أكبادهن بصدورهن. وعلى مدى عقود تداولت الألسن ذكريات "سنة الهزة"، غالباً مع سخرية وفرح النجاة من موت بدا محدقاً.
في فجر اليوم أيضاً تذكرت أصوات كثيرة أيضاً التسونامي الشهير الذي ضرب بيروت عام 551 ودمرها وأغرق أقساماً من طرابلس، وفي لبنان الذي يعيش على خط الزلازل يصعب أن لا ترد في الأذهان توازيات بين السياسة والجيولوجيا.
وفي القرن السادس عاش لبنان والمنطقة صراعات ضارية بين بيزنطة وفارس، ومزقت المسيحية في المنطقة صراعات محورها الخلاف على طبيعة السيد المسيح [طبيعة إلهية واحدة أم تضاف إليها طبيعة إنسانية]، وضاقت الحياة اليومية بالناس إذ تكاثرت عثراتها، ثم جاء التسونامي من البحر، وثمة من اعتقد آنذاك، على غرار المؤرخ السرياني جان دي إيفايز، أن البشرية لن تكمل مسارها وأن القرن السادس سيفضي إلى يوم القيامة.
لكن، كم سنة تفصل سنة 551 عن 1956؟
ليس السؤال أحجية في الحساب بل إشارة إلى رأي علمي أعرب عنه البروفسور الفرنسي بول تابونييه، الخبير بنشاط الفوالق الزلزالية في لبنان، أثناء مؤتمر علمي استضافته بيروت عام 2008.
وقد مال تابونييه إلى القول بأنه استناداً إلى التاريخ الجيولوجي والزلزالي في لبنان، فلربما يتجدد "تسونامي" ضمن فترة تتراوح بين 1500 و1700 سنة، ويعني ذلك أن "تسونامي" القرن السادس ربما تجدد في 2051 أو 2301، وبالتالي فثمة سند علمي متين للطمأنة التي صدرت من الخبيرة مارلين براكس من "مركز الجيوفيزياء" اللبناني بأنه من المستبعد كثيراً حدوث "تسونامي" بعد زلزال تركيا والهزات في لبنان، واستطراداً فإن ما يشهده الساحل اللبناني الآن من أمواج عاتية إنما هي من صنع العواصف الشتوية المألوفة في بلاد الأرز.
لبنان بين الفوالق وغياب ثقافة التعايش مع الزلازل
خلال المؤتمر العلمي المشار إليه آنفاً شدد تابونييه المتخصص في علم فيزياء الطبقات الجيولوجية ["جيوفيزياء" Geophysics] من "معهد الأرض" في باريس على أن العلم لم يتوصل حتى الآن الى وسيلة تحدد الزلازل قبل انطلاقها سوى بدقائق معدودة، وفي تلك السنة التي شهدت حدوث هزات كبيرة تتالت بطريقة غير معهودة، خصوصاً في منطقة صريفا الجنوبية المتصلة عبر صدع فرعي صغير بـ "فالق اليمونة"، طالب تابونييه بالتعامل بهدوء مع المعطيات المتعلقة بالزلازل، إذ نبه ذلك المتخصص الفرنسي إلى "أن لبنان كله يقف على تقاطع من فوالق متفاوتة الأهمية، وهذا جزء من طبيعته الجيولوجية، وهناك فوالق لبنانية أكثر أهمية، وخصوصاً البقاع اللبناني والفالق البحري، ويجدر التعامل مع هذه المسائل بروية، فلقد خرج الجبل اللبناني كله من البحر، ومن المعروف أن آخر "تسونامي" ضرب الساحل اللبناني كان عام 551 للميلاد، وكذلك فإن الهزات الكبيرة تركزت في المنطقة شمال الليطاني ولعل أخرهها زلزال عام 1956".
واستطراداً شبه تابونييه الموجة الزلزالية بالزنبرك الذي يرتخي من جهة، إذا شد من الجهة الأخرى، ملاحظاً أن هناك هزات تتأتى من هذا النوع من الـ "ارتخاء" في باطن الأرض، وأعاد التذكير أيضاً بأن سهل البقاع يقع في مسار "الصدع الأناضولي" الذي يمتد من تركيا ويمر في سهل حوران السوري ويعبر البقاع متجهاً الى البحر الميت ليسير صوب العقبة و يغطس في البحر معاوداً الظهور في أفريقيا، ويشتهر "الصدع الأناضولي" بأنه مصدر دائم للقلق من احتمال حصول زلزال ضخم فيه يشمل تلك الدول كلها ويصل الى أطراف منابع النيل.
وفي ما يتعلق بتركيا يعرف علماء الجيولوجيا أن "الصدع الأناضولي" الذي يتجه جنوباً باتجاه الشرق الأوسط وأفريقيا ينطلق من "بؤرة" متصدعة في الصفائح التكتونية ينطلق منها فالق آخر أكبر بكثير يعرف باسم "الفالق الأناضولي الكبير"، ويمتد عبر آسيا الصغرى إلى العراق وشمال إيران التي تخترقها فوالق جيولوجية كثيرة تجعلها عرضة لزلازل كبيرة تحدث بشكل متكرر. [مرة أخرى ليست الكلمات السابقة حديثاً في السياسة بل نطقاً عن وقائع جيولوجية].
بصورة عامة، وعلى رغم افتقار لبنان بشكل واضح إلى استراتيجية تتلاءم مع وقوعه على خط الزلازل، خصوصاً في مواصفات البناء والطرقات، إلا أن ذلك لا يمنع أن الكادر العلمي اللبناني يبذل جهوداً علمية ضخمة في مجال الوضع العلمي الجيولوجي لبلاد الأرز، تتحدى تلك الجهود التي يقدم "المركز الجيوفيزيائي" المتصل بـ "المجلس الوطني للبحوث العلمية" شح الموارد وضآلة الإمكانات.
لمحة جيولوجية عن كوكب الأرض
في السياق العلمي، يسجل للمتخصصين اللبنانيين في الجيولوجيا أنهم أسهموا في اكتشاف فالق زلزالي بحري يمتد بطول يتراوح بين 100 و150 كيلومتراً مقابل الساحل اللبناني، ويقترب في إحدى تعرجاته من شاطئ بيروت ومدينة "أنفة" (70 كيلومتراً شمال بيروت) إلى مسافة تقارب ثمانية كيلومترات، ويبعد ذلك الفالق الذي أعلن عنه عام 2007 قرابة 100 كيلومتر عن الساحل اللبناني، وثمة رأي علمي متداول بأنه قد يكون المصدر الذي انطلقت منه موجة التسونامي التي ضربت الساحل اللبناني عام 551، ويعتقد أن قوته فاقت 7.5 درجة على مقياس "ريختر". وينضم هذا الفالق البحري إلى الفالقين الرئيسين البريين المعروفين، وهما "فالق سرغايا" في السلسلة الشرقية لجبال لبنان، و"فالق اليمونة" في السلسلة الغربية منها.
يشبه كوكب الأرض كرة صخرية ضخمة يصل شعاعها إلى قرابة 6400 كيلومتر، وترتفع الحرارة في مركزها إلى قرابة 5 آلاف درجة مئوية، مترافقة مع صلابة في التكوين تفوق الفولاذ بملايين المرات. وتأتي صلابة قلب الأرض على رغم الحرارة العالية من الضغط الهائل لكتلة طبقات الأرض الأخرى التي تعيد ترتيب المواد الذرية، وقد يصل الضغط في مركز الأرض إلى 1.4 مليون مرة أكثر من الضغط الجوي، ويمتد قلب الأرض الصلب إلى قرابة 1300 كيلومتر من المركز محاطاً بطبقة هائلة من المعادن الذائبة تسمى "ماغما" وتتألف من 80 في المئة من الحديد و20 في المئة من مواد أخف من الحديد، خصوصاً السيليكون، وتبلغ سماكتها 2200 كيلومتر تقريباً.
وتسبح طبقة صخرية سميكة بدءاً من عمق 3500 كيلومتر وإلى ما قبل السطح الخارجي للأرض بكيلومترات قليلة، فوق محيطات "الماغما"، وفي المقابل تُخترق تلك الطبقة بما يشبه الأنهار والبحيرات من "الماغما"، مما يقسمها الى مقاطعات مستقلة تتحرك ببطء وتسمى "الصحون القارية" Continental Plates أو "الصفائح التكتونية" Tectonic Plates. وتنتهي الخريطة الجيولوجية لكوكب الأرض بقشرة صلبة إنما هشة نسبياً بسماكة لا تتجاوز الـ 50 كيلومتراً، وتتقلص أحياناً إلى بضع كيلومترات وتحمل في ثناياها المسطحات المائية التي تشكل أكثر من 70 في المئة من مساحة الكرة الأرضية.
شرح مبسط عن أسباب الزلازل
تشير آثار عدة إلى أن النشاط الجيولوجي للأرض لم يكن بالهدوء الذي نشهده خلال الأزمنة الحديثة والذي "تقطعه" سلسلة من الكوارث المتفرقة، ويدل التاريخ الجيولوجي على أن الحقب الغابرة احتوت سجلاً هائلاً من البراكين العظيمة والزلازل المدوية والانزلاقات الكبرى، مترافقة مع صعود الجبال وتشكل المحيطات بشكل دراماتيكي، ولا تزال أصداء تلك الفترة الصاخبة من عمر الكوكب تتردد لغاية الآن، وتظهر على هيئة زحف مستمر للصفائح التكتونية التي تجثو عليها القارات، بمعدل ملليمتر واحد إلى سنتيمتر واحد سنوياً، وكذلك يستمر تآكل الصخور الداخلية الملامسة للطبقات الحارة وأنهار "الماغما" المتسربة إلى السطح في تشيكل ظواهر نادرة ومأسوية على سطح الأرض، على غرار فوران البراكين وانشقاقات الأرض وانزلاقاتها مع ما يرافق ذلك من هزات وزلازل.
وفي البعد الايجابي لهذه الظواهر الجيولوجية الطبيعية نذكر أن الزحف القاري والزلازل المرافقة له يؤديان دوراً في تبلور الشكل الهندسي لتضاريس الأرض وكذلك يرفعان جبالها، ويضاف إلى ذلك أن البراكين تغني جو الأرض بغازات نادرة مثل الهيليوم والرادون والكبريت، كما تخصب تربة الأرض بالمعادن المختلفة.ويتصل ظاهر سطح الأرض مع الألواح التكتونية التي تفصلها عن بعضها بعضاً شقوق داخلية تسمى "الفوالق الزلزالية"، وغالباً ما لا تتبع حدود الفوالق الحدود الظاهرة للقارات، وقد تشترك أكثر من منطقة أو قارة في الصفيحة التكتونية عينها.
ويتحمل تاريخ بنية الأرض الهائج بعض المسؤولية عن استمرار النشاط في جوف الأرض وتحركه، وتسهم في الأمر عينه الحركة المستمرة في "الماغما" الداخلية، وتنجم هذه الحركة عن فروق الحرارة بين أسفل هذه الطبقة وأعلاها، مما يخلق تيارات دائرية تحت الصفائح التكتونية الصلبة وتحركها، ويحدث أن تتصادم تلك الصفائح ببعضها بعضاً أو تنزلق إحداها تحت الأخرى فينجم عن ذلك الهزات والزلازل و"التسونامي".
واستكمالاً فمن المستطاع قياس الهزات بجهاز يسمى "سيسموغراف" Sesimograph وفقاً لأحد أنظمة القياس العالمية وأشهرها نظام "ريختر"، وفي ذلك المقياس تتراوح قوة الهزات بين صفر (هدوء تام) وتسعة (الزلزال الأشد قوة)، ويعتمد "ريختر" على مقياس لوغاريتمي له قاعدة عشرية، مما يعني أن فارق الدرجة بين هزتين يعني أن تفُوق الأقوى الأضعف بعشر مرات.
ويحدث "التسونامي" (وهو موجة هائلة من المد البحري) بفعل زلزال تفوق قوته 7.7 درجات على مقياس "ريختر"، ويكون مركزه فالق بحري تحت سطح البحر، والزلزال الأعنف الذي حدث في إندونيسيا نهاية عام 2004 كان مركزه في المحيط الهندي وبلغت قوته 8.9 درجات، وقد أدى إلى اقتحام البحر الجزر الإندونيسية وقتل ما لا يقل عن 289 ألف شخص.
ملاحظة : نحن ننشر المقالات و التحقيقات من وسائل الإعلام المفتوحة فقط و التي تسمح بذلك مع الحفاظ على حقوقها ووضع المصدر و الرابط الأصلي له تحت كل مقال و لا نتبنى مضمونها