تريد إنجاز معاملة عقارية في لبنان... انتظر سنة وأكثر
بشير مصطفى - اندبندنت عربية
Thursday, April 21, 2022
دخلت الإدارة العامة في لبنان مرحلة "الجمود"، والمعاملة التي كانت تحتاج إلى أسبوعين أو ثلاثة لإنجازها، أصبحت تستغرق السنة بفعل فقدان مقومات التشغيل وسلسلة الإضرابات المتعاقبة. وتعتبر المعاملات العقارية من ضحايا الانهيار المتسارع، ناهيك عن العوامل التاريخية التي تخلق مشكلات مختلفة.
جاءت التوقيفات القضائية لمجموعة من موظفي الدوائر العقارية في لبنان، لتزيد من العقبات أمام الإجراءات الرسمية. حيث شملت الملاحقات أفراداً في دوائر مختلفة في بعبدا، والزلقا، وعاليه، وجونية، وغيرها، بتهم فساد مختلفة مثل تقاضي رشاوى، وإثراء غير مشروع، وتحويل مشاعات إلى الملكية الخاصة. كذلك انضمت إليها جملة من العوامل لتعمق معاناة المواطنين. حيث تضاعفت الشكوى من المماطلة وطول المدة بسبب عدم انتظام سير المرفق العام.
يروي أحد المواطنين تجربته لإتمام معاملة نقل الملكية العقارية، ففي العام الماضي، اشترى أرضاً غير مبنية في إحدى المناطق الجبلية في شمال لبنان، وهي من المناطق التي لم تنجز فيها الدولة إجراءات التحديد والتحرير. وبعدما صاغ عقد البيع لدى كاتب العدل، انتقل إلى الدائرة العقارية من أجل إجراءات نقل الملكية. ويضيف "قمنا بتأمين المستندات المطلوبة من سند التمليك، وإفادة بلدية بوصف محتويات للعقار، وبيان بالمساحة، وإفادة تخطيط وارتفاق. وعندما استلمنا الملف كله، كان الرد مطمئناً بأن المعاملة أصبحت على وشك الإنجاز، ولا تحتاج إلا إلى توقيع القاضي".
مرت الأيام، وكان المواطن بين الفينة والأخرى يُراجع الدائرة، فيأتي الجواب أن "القضاء في مرحلة اعتكاف وفور العودة إلى العمل تنتهي معاملة نقل الملكية". ومع بلوغ الاعتكاف مرحلة الحلحلة مطلع هذا العام، امتنع المساعدون القضائيون عن الحضور كلياً إلى مكاتبهم، في موازاة الإضراب المستمر لموظفي الإدارة العامة في لبنان. ويلفت إلى أنه "خلال الأسبوع الماضي عُدت لمراجعة موظفي الدائرة، فكان الجواب أن انتظر بعد بسبب تخلُّف الموظفين عن الحضور بسبب الارتفاع الهستيري لأسعار المحروقات وسوء الحال"، مشيراً إلى أنه "في نهاية مارس (آذار)، ينقضي عام على تقديم المعاملة وهي لم تنجز حتى الآن، وهي أساسية من أجل تثبيت ملكية العقار للبدء باستثماره".
الدوائر منهكة
في لبنان 17 دائرة عقارية رسمية، تقوم بالأعمال المختلفة من إفراز الأراضي، والحقوق المختلفة، وترخيص الإنشاءات، وعقد الانتقال، والتأمينات العقارية، والسماح بتملك الأجانب، والبيوع، ونقل الملكية، والهبة العقارية، وعقود المقاسمة، وتصحيح القيد، ومحاضر وصف العقار، وتصحيح مساحة، وتعديل إفراز، ومعاملات التنازل المختلفة، وغيرها... تقر أوساط الشؤون العقارية بصعوبة الأوضاع وعدم القدرة على مواصلة العمل في الظروف الراهنة، فهي على غرار بقية الإدارات العامة في الدولة اللبنانية تعاني مشكلات متعددة. فعلى مستوى الكادر البشري، لم يعد هؤلاء الموظفون قادرين على الوصول إلى مراكز أعمالهم بسبب غلاء المحروقات. ومن ناحية أخرى، ففي حال وصل هؤلاء الموظفون إلى الدوائر فالظروف الملائمة للعمل صعبة. يؤكد أحد الأمناء العقاريين أن "بعض المراكز يفتقر إلى القرطاسية، والأوراق، أو أدوات الطباعة، كذلك يوجد مراكز بلا كهرباء". ويوضح "هناك مشكلات مشتركة بين الدوائر كافة والناجمة عن الوضع العام للدولة وعدم انتظام المؤسسات، على غرار إقفال المصارف، واعتكاف القضاة، وإضراب الموظفين، واختفاء الطوابع. كذلك هناك مشكلات في صيانة بعض الدوائر والمباني المستأجرة، وعدم توافر الخدمات ضمنها".
تاريخ من التقهقر
يتضح أن "التراخي الزمني" في إنجاز المعاملات العقارية هو نتيجة لمجموعة مشكلات يعانيها لبنان. ويربط شوقي عطية (خبير عقاري) بين قيام الدولة وتحسن الخدمات العامة بشكل عام. ويرفض حصر المشكلة الكبيرة بعنصر واحد، فالمسؤولية ليست بقاض أو موظف فرد، وإنما نظام الفساد يسود البلاد، ويؤخر إنجاز أي معاملة، وختم "ما المنتظر من موظف مضطر للمفاضلة بين دفع راتبه ثمناً للبنزين للوصول إلى عمله، أو شراء الخبز"؟
يتحدث عطية عن تأخير بديهي في المعاملات، ويقارن بين ما كانت عليه الحال قبل ثلاثة سنوات والوقت الحاضر، "عندما كان ينتظم الموظف بشكل دوري في عمله، ويحضر إلى خدمته بصورة يومية، كان تسجيل العقار، ونقل الملكية، أو الإفراز، يحتاج إلى شهر، اليوم من رابع المستحيلات إنجاز هذه المعاملات في المدة ذاتها".
يعطي عطية مثلاً عملياً للصعوبات التي يجبهها اللبناني بسبب جمود المؤسسات، "في حال أراد اللبناني تزويج ابنه، لا يمكنه الحصول على رخصة للبناء لأن دوائر التنظيم المدني مقفلة، بالتالي لا يمكن تقديم طلبات الترخيص، ولا يوجد موظفون في اتحادات البلديات لمساعدته".
يرفض عطية حصر تهم الفساد بالدوائر العقارية، لأن تقهقر الدولة بدأ مع انهيار المؤسسات الرقابية، وعدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، ما أدى إلى انفجار الفساد الشبيه بالانتشار السريع للورم السرطاني".
المعاملات مؤجلة
ينطلق عطية من خبرة عمرها 40 عاماً في المجال العقاري ليؤكد "في حال فتحت الدوائر العقارية اليوم، فسنحتاج إلى نهاية 2023 لإنجاز المعاملات المتأخرة من العام الماضي، أما في حال استمرار الإقفال فلا أحد يمكنه التكهن بمستقبل المعاملات لأننا دخلنا في المجهول". ويضيف "نحن أمام دولة متهالكة، ولا تقتصر المشكلات على الدوائر العقارية التي تثار علامات استفهام حولها نظراً إلى ضخامة المبالغ المتصلة بها"، منبهاً إلى أنه "بسبب عدم وجود الطوابع لا يمكن إنجاز وثيقة قيد لدى مأمور النفوس أو حتى سجل عدلي، ناهيك عن ضرر كبير ناتج من تعطيل دائرة "التنظيم المدني" ودوائر المساحة".
ملاحظة : نحن ننشر المقالات و التحقيقات من وسائل الإعلام المفتوحة فقط و التي تسمح بذلك مع الحفاظ على حقوقها ووضع المصدر و الرابط الأصلي له تحت كل مقال و لا نتبنى مضمونها