سباحة في عزّ الشتاء .. احتباس الأمطار في لبنان ليس آخر الأزمات
الاناضول
Thursday, April 21, 2022
تتواصل ظاهرة احتباس الأمطار في لبنان منذ عدة أسابيع، الأمر الذي بدأ يثير قلق الخبراء والمسؤولين من تداعيات خطيرة على الأمن الغذائي والصحي.
وفي ذروة فصل الشتاء، تسيطر حالة من الطقس المشمس على البلاد منذ نحو 3 أسابيع، ما انعكس هبوطا في نسبة تساقط الأمطار والثلوج في مصب هذا الوقت من العام.
الطقس الدافئ غير الاعتيادي، يدفع كثيرين هذه الأيام للاستمتاع بأشعة الشمس وممارسة الرياضة والسباحة على شاطئ البحر في بيروت.
** سباحة في "عزّ" الشتاء
محمد ماجد "أبو خضر" (85 عاماً) هو أحد ممارسي هواية السباحة في "عزّ" الشتاء، يقول للأناضول إن الفارق بالطقس كبير جداً هذا الموسم مقارنة بالأعوام الماضية.
ولفت ماجد، إلى أنه أثناء سباحته في البحر هذه الفترة، يشعر بدفء المياه، وهو أمر غير عادي بهذا الوقت من السنة، كما أنه يفتقد لمشهد الثلوج تغطي الجبال المحيطة بالعاصمة وضواحيها.
وتظهر البيانات وخرائط الرصد التابعة لمصلحة الأرصاد الجوية (حكومية)، تراجعاً في كمية الأمطار والثلوج بنحو 50 بالمئة مقارنة بنفس الفترة مع السنوات القليلة الماضية.
** تخوف من الجفاف
وقال "محمد كنج" رئيس قسم التقديرات السطحية في مصلحة الأرصاد الجوية، أنه "في حال استمرت هذه الظاهرة قد نشهد حالة جفاف في فصلي الربيع والصيف".
وأضاف للأناضول: "بالعادة في هذه الفترة من السنة تكون جبال لبنان مغطاة بالثلوج، لكن ذلك لم يحصل بعد هذا العام.. المعطيات تُظهر أن تساقط الثلوج تراجع لنصف المعدل الطبيعي، لهذه الفترة الزمنية من السنة".
هذه الأرقام تولد قلقاً إضافياً لدى المزارعين وعموم السكان، نظراً إلى أن الثلوج هي الخزان الطبيعي للمياه في لبنان سواء للمياه الجوفية والينابيع والأنهار، بحسب كنج.
** تطرف مناخي
ووفقاً لمراكز الرصد التابعة للمؤسسة الحكومية ذاتها، فإن كمية الأمطار المتساقطة في بيروت هذا العام بلغت 290 ملم بينما المعدل الطبيعي هو 450 ملم لمثل هذا الوقت من العام.
ولفت كنج الى ظاهرة التطرف المناخي، حيث أن الأمطار التي تساقطت في بداية فصل الشتاء، كانت فجائية وبفترة زمنية قصيرة، أدت الى فيضانات من دون أن تمتصها الأرض بالشكل المناسب.
واعتبر كنج أن احتباس الأمطار والثلوج وتأخر تساقطها، سيؤثر سلباً على أنواع كثيرة من المزروعات، ويجبر العديد من المزارعين على التخلي عن بعضها.
** بحيرة القرعون
ومن أبرز انعكاسات شُحّ الأمطار في البلاد، تراجع مستوى مياه بحيرة القرعون (أكبر بحيرة في لبنان) إلى نحو نصف معدلاتها الطبيعية.
وكان مستوى تخزين المياه في السنوات الثلاث الماضية بهذه الفترة من العام (يناير / كانون الثاني) يتراوح بين 110 مليون متر مكعب، و156 مليون متر مكعب.
أما هذا العام، فقد تراجع مستوى تخزين المياه بنفس الفترة إلى 69 مليون متر مكعب، مع الإشارة الى أن إجمالي القدرة التخزينية للبحيرة يبلغ 220 مليون متر مكعب.
ويوجد في لبنان سدّ آخر في قضاء كسروان (وسط) يتسع 8 ملايين متر مكعب أي أقل بكثير من القرعون، فيما خطة وزارة الطاقة والمياه اللبنانية تقضي بإنشاء 7 سدود إضافية.
** نهر الليطاني
وفي قراء لهذه الأرقام، قال سامي علوية رئيس مصلحة نهر الليطاني (أطول نهر في لبنان) إن بلاده حالياً أمام حالة شح مائي، تشبه تلك التي حصلت عام 2003.
ويشق نهر الليطاني منتصف خريطة لبنان، ويمتد بطول 170 كلم من منطقة سهل البقاع (غرب) ويصب في البحر المتوسط جنوبي البلاد، وتشكل مساحة حوضه حوالي 20 في المئة من مساحة البلاد.
وفضلاً عن شح المياه، يعاني النهر الذي يغذي بحيرة القرعون أيضاً، من تلوث حاد بفعل الصرف الصحي والصناعي الذي يصب فيه مباشرة دون معالجة، ما جعله يفقد معظم وظيفته التنموية.
** تراجع الطاقة الكهرومائية
وبالنسبة لعلوية، فإن قطاع المياه في لبنان يعاني منذ زمن سوء إدارة، ويشكو من عدم اتخاذ التدابير المناسبة على صعيد مياه الشرب والري والطاقة الكهرومائية.
ويبلغ مجموع الطاقة الكهرومائية المنتجة في لبنان 280 ميغاواط، 196 منها يتم توليدها من المعامل القائمة على ضفاف الليطاني، أي حوالي نصف إجمالي الطاقة في البلاد التي تنتجها المحطات الحكومية حالياً.
وقال المتحدث ذاته، إن لبنان يعاني أصلاً من عجز مائي حتى بالسنوات التي تشهد تساقط كميات كبيرة من الأمطار، ما يعني ان الشحّ هذا العام سيضاعف مأساة عدد كبير من السكان.
وأسوة بأزمة الكهرباء التي تشهد انقطاعاً لساعات طويلة في اليوم، يعاني اللبنانيون من انقطاع المياه لأيام وأسابيع أحياناً، ويضطرون لشرائها من شركات خاصة بأسعار باهظة.
*** عجز مائي مزمن
ويبلغ معدل كمية المياه السطحية في لبنان 3.25 مليار متر مكعب، لكن الكمية القابلة للاستخدام هي فقط 700 مليون متر مكعب، فيما حاجة لبنان تبلغ حوالي 1.93 مليار متر مكعب.
هذه الارقام، بحسب علوية، تؤكد أن لبنان بحالة عجز مائي دائم، سواء في السنوات الماطرة أم في سنوات الشح، نظراً الى ان المياه المستفادة منها تشكل 20 بالمئة فقط، فيما باقي الكمية إما غير مستثمرة أو ملوثة.
ولفت الى أن الأسباب عديدة أبرزها سوء الإدارة والنمو السكاني وكثافة اللجوء السوري وارتفاع مستويات التلوث.
وبحسب الأمن العام اللبناني، يوجد في لبنان 2 مليون و80 ألف لاجئ سوري، معظمهم غير مسجلين رسميا لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
** سوء الإدارة
وقال علوية أنه بالرغم من أن القانون اللبناني منذ قانون الري العثماني ينظم حالات شح المياه من خلال ترشيدها نحو الحاجات الاساسية كالشرب والري، لكن الحكومات اللبنانية والوزارات المتعاقبة لا تُطبق ذلك.
وتوقع أن يواجه لبنان حالة عجز مائي تزيد من ازمة السكان في البلاد، مضيفاً أنها لن تقتصر على الحاجات المنزلية إنما ستهدد الأمن الغذائي بفعل انخفاض الكميات الصالحة للري.
ومنذ 2019 يعاني اللبنانيون أزمة اقتصادية حادة صنفها البنك الدولي واحدة من بين 3 أشد أزمات شهدها العالم، أدت الى انهيار مالي وتدهور معيشي وشح بالوقود والطاقة.
كما من المتوقع بحسب علوية ان يؤدي انخفاض مستوى المياه النظيفة، الى تدهور إضافي بنوعية المياه وتركز مستويات التلوث، ما ينذر بخطر تسجيل إصابات جديدة بعدوى الكوليرا.
هذا الواقع المناخي الصعب، يهدد أيضاً المساحات الخضراء في لبنان كالغابات والاحراج، ويزيد من مخاطر توسع الحرائق، وفق المتحدث ذاته.
ملاحظة : نحن ننشر المقالات و التحقيقات من وسائل الإعلام المفتوحة فقط و التي تسمح بذلك مع الحفاظ على حقوقها ووضع المصدر و الرابط الأصلي له تحت كل مقال و لا نتبنى مضمونها