بلدة عين وزين اللبنانية تراث حضاري عريق وتاريخ محفور بالصخر
عبد معروف - القدس العربي
Thursday, April 21, 2022
عين وزين، بلدة بيئية وسياحية لبنانية، يمتزج فيها جمال الطبيعة الساحرة مع التاريخ والتراث الحضاري والإنساني ما جعل منها منطقة مميزة يقصدها الموطنون اللبنانيون والسواح العرب والأجانب لما فيها من طبيعة خلابة ومعالم أثرية وتراثية ومؤسسات طبية.
تتنوع بيوتها بين قديمة وحديثة، ويختلط فيها فن العمارة التقليدي مع البناء الحديث، ليجمع في مكان واحد، الماضي العريق والمستقبل الواعد.
تحمل بين أزقتها تراثٌا قديما وطابعا يختلف عن باقي القرى اللبنانية، ومغارتها المكتشفة حديثا واحدة من التحف الجمالية الطبيعية، التي يشتهر بها لبنان.
تقع عين وزين في قضاء الشوف، محافظة جبل لبنان، والشوف هو أحد أقضية محافظة جبل لبنان الستة، يشكل مجرى نهر الدامور حدوده الشمالية، ومجرى نهر الأولي حدوده الجنوبية، ويمتد من شواطئ البحر الأبيض المتوسط في الغرب صعودا نحو قمم جبل الباروك على ارتفاع ألفي متر لتشكل حدوده الشرقية، حيث تبلغ مساحته 495 كيلومترا مربعا أي 4.7 في المئة من المساحة الاجمالية.
وتبعد بلدة عين وزين عن العاصمة اللبنانية بيروت حوالي خمسين كيلو مترا، وعن بيت الدين مركز القضاء، حوالي ثمانية كيلو مترات، وترتفع عن سطح البحر بين ألف وألف ومئة متر، أما مساحة أراضيها فتبلغ خمسمئة هكتار (5 كيلو مترات مربعة).
أبواب خشبية وفرن على الحطب
يتنوع الفن المعماري في بلدة عين وزين بين القديم والحديث وتتزين بيوتها بتاج القرميد الأحمر، الذي يشكل مع المساحات الخضراء الواسعة تحفة فنية، وقد ساهمت الغابات الكثيفة حول البلدة باعتدال المناخ، ما جعلها مقصدا للسياحة الطبية بسبب هوائها النقي المنعش.
تتعدد الأماكن التراثية والمعالم الأثرية في بلدة عين وزين، وهي تعود إلى حقب وحضارات متعددة، ففيها عين مياه أثرية، ونواوويس رومانية، مغاور وآبار قديمة، معاصر دبس وزيت الزيتون، مدافن قديمة العهد محفورة بالصخر، بالإضافة إلى بيدر الجامع وسط البلدة.
عام 2003 تم اكتشاف مغارة عين وزين، وهي واحدة من المغاور السياحية العديدة التي اكتشفت حديثا في لبنان.
وورد في كتاب «أخبار الأعيان في جبل لبنان» أن أصل إسم عين وزين هو عين أوزي، وكلمة أوزي هي كلمة تعود إلى اللغة السريانية وتعني الرم، ليصبح الاسم عين الرمح، وتبدل الاسم مع مرور الزمن ليصبح عين وزين أي العز والجمال.
أما في كتاب «أسماء المدن والقرى اللبنانية» فقد أشار المؤلف الأديب أنيس فريحة، إلى أن أصل كلمة عين وزين، هو عين الوز.
مغارة عين وزين
تعتبر مغارة عين وزين من المواقع السياحية الطبيعية في لبنان التي تستحق الاكتشاف. فهي تقع في بلدة عين وزين في قضاء الشوف، وتبعد عن بيروت 54 كم، أما ارتفاعها عن سطح البحر فيصل إلى حوالي 1040 م.
وبالإضافة إلى موقعها المميز في قلب الطبيعة الساحرة، فهي تتمتع بأهمية علمية وتاريخية وجيولوجية تسمح باكتشاف غرائب العالم تحت سطح الأرض.
اكتشفت المغارة في العام 2003 عن طريق الصدفة، واستمر العمل فيها لمدة ثلاث سنوات حتى ظهرت على مساحتها الحالية التي تصل الى 425 م2. فافتُتحت حينها أمام الزوّار الراغبين باكتشاف عجائب الطبيعة في لبنان.
تضم المغارة مجموعة من الممرات والتجاويف والقاعات والأقبية المختلفة العرض والارتفاع. ولقد نتجت هذه التكوينات الطبيعية بفعل تخزين المياه وضغطها في الطبقات الجوفية للصخر. كما وتزين المغارة أشكال مختلفة ومتميزة من الصواعد والنوازل، وغيرها من التكوينات الصخرية المتدلية والتي جعلتها تبدو كلوحة فنية جميلة.
استغرق تشكيل كل سنتمتر واحد من هذه التكوينات الجيرية الطبيعية المتنوعة 500 سنة. وحسب تقدير الخبراء فلقد تشكلت المغارة منذ 25000 سنة وذلك بعد تحوّل المياه عنها طبيعياً.
تحتوي مغارة عين وزين على تكوينات جيرية جميلة في ممراتها وجوانبها. وهي تضم أقنية وسراديب ضيقة لا يتعدى عرضها مترين في بعض الأماكن بارتفاع أقصاه متر، ولقد نحتتها المياه بصمت في جوف الأرض على مرّ السنين. كما أن انهيار الطبقات الكلسية داخل المغارة أدى إلى تشكيل صالات متوسطة وصغيرة.
يؤدي بك مدخل المغارة نزولاً إلى قاعة لا تتعدى مساحتها ثلاثة أمتار، يمكن التوجه منها شمالاً عبر نفق يصل عرضه إلى مترين تقريباً بطول 26 متراً، ينتهي عند بركة ماء رائعة بطول نحو ستة أمتار وعرض متر ونصف. كما ويتفرع من النفق عدة ممرات تتسع حيناً وتضيق حيناً آخر، ويبلغ طول الممرات المخصصة للزوار 185 متراً.
يعدّ الدخول الى المغارة سهلاً نسبياً، وتستغرق مدة زيارتها نصف ساعة تقريباً. يستطيع الزائر خلالها مشاهدة التماثيل الكلسية الجميلة، والشموع المتدلية التي نحتتها قطرات المياه، والممرات والتشكيلات الصخرية وبرك الماء وذلك على أنغام موسيقى طبيعية تعزفها قطرات الماء المتساقطة من كل صوب.
دراسة التكوين الجيولوجي
تستقبل المغارة الوفود السياحية وخصوصاً طلاب المدارس والجامعات، حيث تُنظم جولات علمية تسمح بالتعرف إلى أهمية المغارة العلمية والتاريخية، حيث إن امتدادها العميق تحت الأرض يساعد في دراسة التكوين الجيولوجي المحلي. كذلك يقصد المغارة طلاب الفنون والرسامون والنحاتون للحصول على مصدر إلهام يمكنهم من إنتاج الأعمال التي تعكس روح الجمال الطبيعي للبلاد.
تعتبر مغارة عين وزين معلماً سياحياً مقصوداً في محيط طبيعي جميل إضافة إلى العامل العلمي والتاريخي وينطبق عليها مبدأ السياحة الجوفية المستدامة بما تمثله كنافذة على العالم الجوفي.
وإضافة إلى جمالها فهي إحدى المغر المعروفة حتى الآن في لبنان من ناحية تنوع التكوينات الكارستية. وتسمح تكويناتها الكلسية المتواجدة في ممراتها وجوانبها بتسيير رحلات علمية إليها لطلاب المدارس والجامعات بسبب وضوح كل العوامل الجيولوجية فيها. كما يمكن إجراء دراسات علمية حول معالمها التكوينية.
وأشار الباحث الدكتور ناجي سري الدين إلى أن تاريخ بلدة عين وزين، حتما هو مرتبط بتاريخ لبنان عامة، فما شهدته البلدة من غزوات وحضارات قديمة أو حديثة، هو ما شهده لبنان وربما المنطقة، لكن كان لبلدة عين وزين، مكانة خاصة، بسبب موقعها في منطقة الجبل، وكان أهلها دائما يندفعون للعمل والإنتاج.
وأضاف الدكتور سري الدين لـ«القدس العربي» أنه «تشير معالمها وصخورها ومغارتها إلى أن لهذه البلدة تاريخ حضاري واسع، فإلى جانب طبيعتها الجميلة فإن بيوتها القديمة وصخورها والبقايا الأثرية الموزعة في أرجائها جعلت منها بلدة تروي حكايا تاريخ قديم عاشته بشكل مميز، كما أن المباني الحديثة في عين وزين، تؤكد حسب أهلها حب الحياة والفرح والتطور».
وقال الدكتور سري الدين، إن «زائر عين وزين تدهشه معالمها وطبيعتها وأهلها الطيبين، ويتوقف عند مروره في الطرقات والساحات والأزقة أمام بيوتها القديمة التي شيدت بالصخور الضخمة منذ مئات السنين».
وختم قائلا، الأشجار الموزعة إلى جانبي الطرقات الرئيسية والفرعية، بالاضافة إلى أحواض الورد أمام المنازل والمؤسسات العامة، غابات الأشجار التي تحيط في البلدة، تمنح عين وزين جمالا مميزا يدهش الزائر.
وتشير الوثائق في مكتبة دار بلدية عين وزين، إلى تاريخ هذه البلدة وما فيها من معالم تاريخية تروي حكاية العصور القديمة، بالإضافة إلى وجود الكثير من المباني والمعالم التاريخية، واعتبر شادي سميح الحسنية، رئيس البلدية أن عين وزين هي أيضا صرح طبي لما تتمتع به من هواء نقي، ووجود مستشفى طبي عريق يعالج مختلف الحالات المرضية بما فيها معالجة المدمنين على المخدرات.
وأضاف، كما تتميز البلدة بطبيعتها الخلابة، وقال، شكلت الزراعة جزءا من تاريخ عين وزين الاقتصادي، حيث الأشجار المثمرة والبساتين المكسوة بالخضار إلى جانب المعالم الأثرية والتراثية، مؤكدا أن المغارة التي اكتشفت عام 2003 هل المعلم الأبرز داخل البلدة.
واعتبر الحسنية بلدة عين وزين من البلدات العريقة في قضاء الشوف وجبل لبنان، وعراقتها تعود إلى تاريخها القديم، التي تؤكده معالمها الأثرية، وتذكره كتب التاريخ، إضافة إلى موقعها الجغرافي المنيع والمتوسط لعدد كبير من القرى والبلدات المحيطة، ويمتاز هذا الموقع بغاباته وبمياهه الغزيرة، المتمثلة بعيون الماء المنتشرة فيها وفي محيطها والتي كانت تشكل مصدر استقطاب للسكن والإقامة، وعاملاً أساسياً في تشكيل التجمعات البشرية.
يحتوي مستشفى عين وزين الذي أصبح «عين وزين ميديكال فيليدج» مركزا لرعاية المسنين، ومركزا للتأهيل، ومركزا للعناية المنزلية، ومركزا للأمراض السرطانية، وللعناية الطبية الملطفة. إضافة إلى مركز الرعاية الصحية الأولية في بيت الدين والذي تديره المستشفى. وكذلك ينضم مستشفى الجبل إلى مستشفى عين وزين لأن العمل الصحي في الجبل يجب أن يكون في إطار التعاون والتكامل الصحي المؤسساتي. وهذه نقطة مهمة جداً فالعمل الاستشفائي لمستشفى عين وزين لا يتضارب مع المستشفيات الباقية إنما متكامل معها. أما النقطة الرئيسية الثانية: المفهوم العام للمؤسسة وهو تكامل الخدمات الطبية التي تبدأ بالعناية الصحية الأولية والطب الوقائي وتنتقل منها للعمل الاستشفائي الشائع، يضاف إليه العمل الاستشفائي المتطورالذي يتمثل بأقسام متطورة تقنياً ومهنياً منها على سبيل المثال مركز الأمراض السرطانية الذي يضم العلاج الكيميائي والعلاج بالأشعة، ومركز غسيل الكلى، ومركز جراحة القلب والشرايين والقسطرة، ومركز عناية فائقة عامة، بالإضافة للعناية الفائقة القلبية وعناية فائقة خاصة بالأطفال وحديثي الولادة.
بين حكايات وأسرار القلاع والبيوت القديمة والقصور، تبقى بلدة عين وزين في قضاء الشوف جبل لبنان، القداسة والسحر، شاهدة على تاريخ محفور في الصخر، كل ما فيه يعيد إلى الزمن الغابر، حيث تتحول الأساطير إلى حكايات مجد ما زال عبقها يفوح حتى اليوم.
ملاحظة : نحن ننشر المقالات و التحقيقات من وسائل الإعلام المفتوحة فقط و التي تسمح بذلك مع الحفاظ على حقوقها ووضع المصدر و الرابط الأصلي له تحت كل مقال و لا نتبنى مضمونها