Share

هل تشكل شركات الأوفشور بوابة لاستثمارات أجنبية في لبنان؟
بشير مصطفى - اندبندنت عربية
Thursday, April 21, 2022
أربعة عقود مضت على دخول "شركات الأوفشور" النظام القانوني اللبناني، ولكن على أرض الواقع تأخر تفعيلها على نطاق واسع حتى السنوات الأخيرة. واليوم يشكل نظام الأوفشور فرصة لفتح السوق اللبنانية أمام الاستثمارات الأجنبية، وقد فطنت بعض الشركات القانونية إلى الأمر، وبدأت تروج له عبر وسائل الإعلام الجديد باعتباره نظاماً يمتلك كثيراً من المزايا والتسهيلات على مستوى التأسيس السهل والضرائب المنخفضة والأنشطة المرنة التي تتكيف مع الاقتصاد الجديد المعولم.

في المقابل تبقى شركات الأوفشور عرضة للنقد الشديد، لأن نشاطها محصور في خارج حدود دولة التأسيس، ولا تسلم من "شبهة" التهرب الضريبي، مما يفتح الباب لدور السلطات الرقابية في الحفاظ على نظام قانوني يمكن أن يشجع الاستثمارات الأجنبية في بلاد متعثرة مالياً واقتصادياً، وتتوق لضخ مزيد من الفريش دولار في دورتها الاقتصادية.

نظام عمل جديد

شركة الأوفشور ليست بجديدة، ففي عام 1983 صدر في لبنان المرسوم التشريعي رقم 46 في عهد الرئيس السابق للجمهورية أمين الجميل، كان مستغرباً إقرار النظام في تلك الفترة العصيبة التي كانت لغة المدافع هي السائدة فيها، وفرص الاستثمار شبه مستبعدة.

اليوم وفي ظل اقتصاد منهك يتمسك رجال القانون بهذه الشركات في لبنان على أنها أداة جيدة لتأمين بيئة مشجعة للاستثمارات العربية والدولية، فقد بدأ مستثمرون من جنسيات شتى عربية وأجنبية في تأسيس شركات أوفشور في لبنان، ومن بين الجنسيات هناك العراقية والبرازيلية والأميركية وحتى الأوروبية، كما تنشط على خط المغتربين من أصول لبنانية.

يقصد بـ"الأوفشور" "عبر الشاطئ" أو "قبالة الساحل"، أي أننا أمام شركات يكون مركزها في بلد معين، فيما تمارس نشاطها في بلد آخر، من هنا الحديث عن شركة محصور نشاطها خارج الأراضي اللبنانية. وقد حدد المشرع اللبناني مواضيع تلك الشركة في التفاوض وتوقيع العقود بشأن صفقات وعمليات تجري خارج الأراضي اللبنانية، وتعود لبضائع ومواد موجودة في الخارج أو في منطقة الجمركية الحرة، وعليه فإن آثار نشاطها محصورة خارج لبنان. كما أن استعمال التسهيلات في المنطقة الجمركية الحرة لتخزين البضائع المستوردة بهدف إعادة تصديرها، واستئجار المكاتب في لبنان وتملك العقارات اللازمة لنشاطها، مع مراعاة قانون تملك الأجانب في لبنان، كما يمكن للشركة القيام بـوضع الدراسات والاستشارات التي ستستعمل خارج لبنان بناء لطلب مؤسسات مقيمة في الخارج.

من أجل مكافحة تبييض الأموال وفي عام 2000، قام المشرع اللبناني بـإلغاء بند كان يسمح لشركات الأوفشور بالقيام بتأدية خدمات ونشاطات مصرفية ووساطات لأعمال تمارس في خارج لبنان. وفي عام 2018 شهد نظام الأوفشور قفزة من خلال إقرار مجلس النواب للقانون رقم 85/2018 لناحية إرساء "مبدأ إنشاء الشركات بشريك واحد"، وجاء التعديل بصورة مستقلة عن تعديل القانون الأم أي قانون التجارة البرية، مما جعله عرضة للانتقادات، لأنه يفترض تعديل الأصل أي قانون التجارة، ومن ثم يأتي الاستثناء المتمثل بالأوفشور، لأن الأخيرة تخضع لأحكام قانون الشركة المغفلة في كل ما لا يتعارض وأحكام النظام، علماً بأن قانون التجارة وفي الأحكام المتعلقة بالشركة المغفلة أي المساهمة، يحظر تأسيس شركة يقل عدد مؤسسيها عن ثلاثة شركاء. 

مزايا لا بد من الاستفادة منها

تقدم شركات الأوفشور كثيراً من المزايا للمستثمرين، وهي برأي رجال القانون العنصر الغالب ولا بد من الاستفادة منها عوضاً عن هدمها. يشدد المحامي رفيق هاشم على الصفات الأساسية لشركة الأوفشور فهي محدودة الطابع، ولا يجوز ممارسة أية أنشطة في لبنان باستثناء المركز، وتملك العقار شرط عدم التعارض مع قانون تملك الأجانب، لناحية عدم تملك غير اللبنانيين عقارات إلا في حدود ثلاثة آلاف متر. ويلفت إلى أن ازدهارها حالياً يعود إلى قطاع الاستشارات، والمعلوماتية والبرمجة Software، وتصميم الويب ويستقطب عديداً من الشركات التي يتفاوت حجمها بسبب المرونة التي تتمتع بها الشركة من startup إلى شركات هائلة.

يؤكد هاشم أن "المشرع اللبناني حرص على تأمين شروط سهلة عند تأسيس الشركة من أجل استقطاب الأموال والاستثمارات، وسياسة العمالة والتشغيل وخلق عجلة اقتصادية، فهي تؤمن وظائف وعقود إيجار وعقارات وأبنية، وتحرك المطاعم والفنادق وغيرها من الأنشطة، ولكن لا يمكن التغاضي عن صعوبات تواجه التأسيس، لأن شركة الأوفشور تتطلب على غرار الشركات المساهمة الاكتتاب برأسمالها، وهو يتم من خلال افتتاح حساب في مصرف مرخص له العمل في لبنان".

يتابع "في الفترة الأخيرة بدأت التعقيدات في التزايد لأن بعض المؤسسين تعسف في استعمال الحق في تأسيس الأوفشور لتبييض الأموال، فما كان من مصرف لبنان إلا أن أصدر مجموعة تعاميم تلزم المصارف بالتقيد بقواعد مكافحة تبييض الأموال" بحسب المحامي رفيق هاشم، كاشفاً عن "معاناة في تأسيس الشركات لأن بعض المصارف باتت ترفض بالمطلق افتتاح حساب لشركات أوفشور بسبب التدقيق بشأن المستفيد الحقيقي".

بين التهرب الضريبي الاستفادة من النظام

تتعرض شركات الأوفشور إلى شبهة التهرب الضريبي، الأمر الذي تعمق بعد وثائق بنما، ووثائق باندورا التي كشفت عن استخدام أنظمة الشركات تلك للتهرب الضريبي من خلال استثمارات في الجنات الضريبية.

من جانبه يطالب رفيق هاشم التمييز بين التهرب الضريبي والاستفادة من مزايا نظام الأوفشور والتخفيضات الضريبية، وما يتفرع عنه من قيم وشروط تفترض الشفافية وحسن النية عن القيام بالأعمال التجارية. من هنا يوجد فارق بين التهرب الضريبي والتوفير الضريبي، فالقانون أتاح وسيلة للاستفادة ضرائبياً، وليس من الخطأ الاستفادة منها طالما أنه مشرع.

يضيف "التوفير أمر مشروع أما التهرب الضريبي فهو غير مشروع، ويمكن اللجوء إلى النص القانوني، ففي حال تطبيقه وفق منطوقه ويتقيد بالنشاط المحدد، ولا يتجاوز النطاق المسموح به، ويقوم بكامل نشاطه في خارج لبنان، ويصرح بدقة عن حجم أعماله، وفي توزيع أرباحه، وتوزيع العقود، كما أنه لا يتهرب ضريبياً في البلد الأم"، معتبراً أن الضابط والمعيار بين الأمرين هو "النية، ومدى توافر حسن النية أو التعسف في استعمال الحق أو التحايل على شروط القانون بحيث يكون أمام واجهة أوفشور من أجل التهرب الضريبي".

دور الهيئات الرقابية

تبرز أهمية دور الهيئات الرقابية في مكافحة التهرب الضريبي، وتحديد مدى التزام المستثمر في الحدود التي وضعها المشرع اللبناني في إطار نظام الأوفشور. ويعتقد رفيق هاشم أن هناك مسؤولية مشتركة بين القضاء، والسلطة الحكومية عبر دوائرها المالية، ومصرف لبنان المركزي وهيئة التحقيق الخاصة صاحبة الصلاحية في مكافحة تبييض الأموال، بالتالي في حال قيام تلك الجهات بواجبها على أكمل وجه يمكن ضبط الوضع.

يفتح الطرح الحالي الحديث عن نظام السرية المصرفية، وهو أحد الإصلاحات التي يطالب صندوق النقد الدولي تعديله من أجل السير في الاتفاق بينه وبين لبنان، وقد رد رئيس الجمهورية ميشال عون ما أقره مجلس النواب أخيراً بسبب عدم وضع الإجراءات الكافية لمراجعة مصادر الأموال.

ويعتقد رفيق هاشم أن قانون السرية المصرفية بصيغته الحالية يشكل "سداً منيعاً" أمام ملاحقة التهرب الضريبي، علماً أن هناك استثناءات في حال تبييض الأموال، وهو ما يفترض من هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان التحرك لرفع السرية المصرفية بهدف إجراء التحقيقات اللازمة لاستكشاف خيوط تلك العمليات اللامشروعة. ينطلق هاشم مما سبق ليؤكد أن "هناك دوراً أساسياً للسلطات الرقابية القضائية والإدارية في الفصل بين الخيط الأبيض والخيط الأسود، ومن ثم تمكين المواطن اللبناني والدولة اللبنانية من الاستفادة من أحكام نظام الأوفشور ومميزاته وخصائصه، وفي الوقت عينه منع التعسف في استعمال الحق في إنشاء شركة أوفشور، وحماية حدود الحق المسموح منه قانوناً".

Copyright © 2022 -  sadalarz  All Rights Reserved.
CSS smooth scrolling effect when clicking on the button Top